إحدى أهم ركائز بناء أي مجتمع متحضر اقامة قاعدة تعليمية راسخة وتقاليد تضمن الاستمرار في تقديم مخرجات علمية وكفاءات وخبرات في كافة المجالات الثقافية والمعرفية والعملية، وهذا ما يميز دولة عن دولة كما تتميز مؤسسه عن مؤسسة .
والتعليم الحديث في العراق الذي بدأ وليدا ترعاه أعلى سلطة في البلاد ممثلة في العهد الملكي بالملك فيصل الأول، الذي كان يحرص على متابعة الشؤون العلمية ورصد الموهوبين ورعايتهم أو في اختيار عالم فيزياوي كعبد الجبار عبد الله رئيسا لجامعة بغداد في العهد الجمهوري دون النظر الى معتقده ونسبة من ينتمي اليهم من بوصفهم أقلية في العراق، أخذ هذا التعليم يتصاعد مده ويقدم أعظم ثماره حتى تعرض الى هزات وانتكاسات بسبب تدخل العامل السياسي، الذي لا يكتفي بالاشراف والرعاية وانما يتدخل في صياغة المناهج وأدلجة التعليم واخضاع اداراته الى الانتقاء السياسي او الانتماء المذهبي والعرقي، فضلا عن القرب العائلي من هذا المسؤول أو ذاك .
وكما كنا نسمع ونرى ايام النظام السابق من أن تولية مهام رئاسة هذه الجامعة أو تلك أو هذه العمادة أو تلك الى الرفيق فلان، لكونه من (مناضلي حزب البعث!!) نسمع اليوم للأسف من تلك الظواهر الكثير، وخاصة هذه الايام التي يقوم فيها وزير التعليم العالي والبحث العلمي علي الأديب، بحملة تطهير سياسي تتناول بعض المناصب الادارية والعلمية في العراق، كمساعدي رؤساء الجامعات وعمداء الكليات، ومحاولة الزج بعناصر من تنظيم انتخابي تابع للوزير بالوكالة من دون أن يكون على رأسه، يقوده الدكتور فلاح الاسدي رئيس جامعة النهرين العلمية التي جيء بالدكتور فلاح وهو يحمل شهادة في التاريخ، ليهيمن على مقدارات تلك الجامعة وينشر في مفاصلها المحسوبين عليه وعلى كيانه التابع للوزير، ويجتهد في خنق ارادة العاملين في تلك الجامعة، فضلا عن محاولة الاستحواذ على مقدرات تلك الجامعة، واخضاع شؤونها الى بعض عناصر المليشيات ممن طالتهم يد القانون سابقا وافرج عنهم، فضلا عن اتباعهم من ذوي السلوك السيئ في الجامعات . ولم يتوقف الأمر عند ذلك بل عمد الى نشر اعضاء تلك الكتلة الانتهازية في كليات جامعات أخرى للسيطرة على تلك الكليات، والعجيب في الأمر أن تلك العناصر من البعثيين السابقين وكتبة التقاير على طلبة الأقسام الداخلية في عهد النظام السابق، فضلا عن كونهم من الفاسدين أخلاقيا وماليا، على الرغم من تستر بعضهم ببرقع التدين، ولكن رائحتهم تزكم الأنوف ..
وقد تسلل بعض هؤلاء الانتهازيين من عشاق المناصب الادارية وصيادي نهب امكاناتها الى أكثر من جامعة كالجامعة المستنصرية والجامعة العراقية وجامعة الكوفة وغيرها من الجامعات، والغريب في الامر ما يشاع من أن تلك الكتلة ستستحوذ على امكانات الجامعات المالية والبشرية للتأثير في نتائج الانتخابات، ليكون النفع حليف كتلة فلاح الاسدي، البديل الخفي للوزير في كسب مقاعد تمكنه من فرض اجندته الخاصة ما بعد الانتخابات، وإن كان المقربون من تلك الكتلة يسربون أن د. فلاح الاسدي نفسه سيلعب الدور لنفسه لنيل كرسي وزارة التعليم العالي بعد أن يتحول الى التربع على كرسي إحدى الجامعات المؤثرة ويرجح أن تكون المستنصرية لقيادة حملته بإمكانات أكبر، بعد أعيد الى تلك الجامعة بعد التغييرات الأخيرة سلطة الميلشيات التي طردت قبل وقت قصير بجهود مضنية .
فأين هذا من ادعاءات وزير التعليم العالي محاولة القضاء على الفساد الذي صار سلاحا لتصفية سياسية وصراع انتخابي يراد به ازاحة وجوه وتولية أخرى دون كفاءة ولا سمعة طيبة ولا قدرة أكاديمية معتبرة؟!!
وأين دولة رئيس الوزراء ــ الذي نعول على وطنيته ــ من هذا التلاعب بمصير التعليم ؟ بل اين دور مجلس النواب ، أم أنه انشغل بحمى الانتخابات وترك الحريق يأكل أعز ما يملك أي بلد وهي الثروة الانسانية المتعلمة ؟!