23 ديسمبر، 2024 1:24 ص

انهيار التعددية الثقافية

انهيار التعددية الثقافية

ان ارتكاب عمل إرهابي آخر في فرنسا هو بمثابة بداية لتدمير فرنسا وأوروبا البرجوازية ، اللتان فكرتا بسذاجة في خلق عالم ليبرالي شامل ، حيث يُسمح به لشخص ما بفعل كل شيء ، بينما يحظر على اخر. ففي حوالي الساعة 9:00 من صباح يوم الخميس الماضي هاجم إرهابي بدم بارد كنيسة في وسط مدينة نيس وقتل ثلاثة من أبنائها وفي غضون نصف ساعة تمكنت الشرطة من تحييد الإرهابي لكن فرنسا كانت في صدمة وجثت على ركبتيها اثر الحادث.
ماذا حدث لفرنسا الانيقة العريقة التي كانت تحاول في السنوات الأخيرة إظهار ليبراليتها ورغبتها وقدرتها على العيش بسلام مع جميع الأديان ومختلف المذاهب؟
ربما من الخطأ الفادح الاعتقاد بأن مسؤولي تحرير مجلة شارلي إبدو -سيئة السمعة- وحدهم المسؤولون عن موجة الإرهاب، على الرغم من أن- وبلا شك- شرارة عدد من الهجمات الإرهابية في فرنسا ، بدءًا من الهجوم الإرهابي الغادر في نيس ، انطلقت بفعل الرسوم الكاريكاتورية للمجلة ، حيث تم السخرية من مقدسات للمسلمين بطريقة غير مقبولة، وإذا امعنا النظر ففي هذا المجتمع “الحر” المانح حق الحرية في الإساءة إلى الأديان الأخرى ، هناك ملايين اللاجئين الذين يعتبرون هذه الحرية تجديفا ، ونتيجة لذلك لا بد أن تحدث خاتمة دموية عاجلاً أم آجلاً.
ان اللاجئ الذي تم استقباله بعطف في البلاد كان يهتف “الله أكبر!” وبدم بارد ارتكب فعله الإرهابي، ولا يمكن انكار ان الإرهابي كان تحت تأثير التدين المتطرف الممزوج بالتعصب. لقد قال ماكرون من مسرح الجريمة ان: فرنسا اليوم تقف مع مواطنيها الكاثوليك”.
منذ متى يصنف المواطنون حسب الدين؟ هذا هو الخطأ المأساوي الجسيم لمنظري التعددية الثقافية – محاولة الجمع بين العلماني والديني هو النهاية الدراماتيكية.
عند استقبال شخص من ديانة أخرى إلى بلدك ، علينا أن تفهم بوضوح كم من الوقت سيستغرقه لتكيف ذلك الشخص مع مجتمع برجوازي غير مفهوم بالنسبة له، فالجواب الساذج بأن كل لاجئ سيكون ممتنًا لفرنسا ، وربما للرئيس ماكرون على وجه التحديد ، هو جناية. فاللاجئ الذي تم استقباله بعطف في البلاد كان يهتف “الله أكبر!” وبدم بارد ارتكب فعله الإرهابي، ولا يمكن انكار ان الإرهابي كان تحت تأثير التدين المتطرف الممزوج بالتعصب.
إن محاولة خلق مجتمع الرفاه العام الذي يحب الجميع -بشكل مسبق- الآخر ويحترمه ، انتهت بالفشل. فالمجتمع الحديث اباح كل شيء: زواج المثليين ارباك مفهوم الجنس ، إهانة للمشاعر الدينية ، كل هذا أصبح معيارًا للبرجوازية اليوم.
وثمة حقيقة أن الاحتجاجات الداخلية كانت تغذى من الخارج مثل خطاب الرئيس التركي أردوغان الذي كان يحرض بشكل استفزازي على كراهية المسلمين تجاه المسيحيين والمسيحيين تجاه المسلمين.
لقد اتهم جيم أوزدمير ، المتحدث باسم حزب الخضر في ألمانيا ، رجب أردوغان علانية بدعم الإرهاب الإسلامي في أوروبا. فالرئيس أردوغان يسكب الزيت على النار وهو مسؤول أيضًا عن العنف والإرهاب في أوروبا. وقد قال السياسي الألماني لـ Die Welt في تعليق: ‘يجب أن نقف ضد أولئك الذين يستخدمون الإسلام لأغراضهم الخاصة’.
وفيما كان العالم بأسره يحدق في ذهول لما حدث في فرنسا ، قاد شخص مجهول سيارته إلى حشد من الناس في بلدة كيمبين الصغيرة في ألمانيا، وتوفي شخص وأصيب اثنان بجروح خطيرة. السؤال هنا ، هل هو عمل إرهابي؟ لقد امتنعت الشرطة الألمانية عن التعليق ، فتتزايد المخاوف بين الجمهور من أن يطغى الإرهاب في فرنسا على ألمانيا كذلك لم يتم التحقيق بشكل كامل في قضية الهجوم الارهابي على سوق اعياد الميلاد منذ عدة سنوات.
قبل عام من الان وقع هجوم إرهابي على كنيس في مدينة جالي. وفقًا للعديد من الخبراء في مجال الإرهاب ، ففي ألمانيا وحدها يوجد عشرات الآلاف من الأشخاص الذين يمكن تصنيفهم كإرهابيين محتملين. لكن السلطات في ألمانيا ، وكذلك في فرنسا ، تواصل النظر في ما يحدث من خلال نظارات وردية اللون لاعتقاد السياسيين أنه من خلال استرضاء المتطرفين يمكن تدمير التهديد الإرهابي.
وفي الوقت ذاته لم يتم اتخاذ أي تدابير لمنع الاستفزازات والاهانات بين الأديان. ففي فرنسا يقولون إنهم سيستمرون في الإصرار على حرية التعبير ، مما يعني أن الرسوم الكاريكاتورية المسيئة قد تظهر مرة أخرى في وسائل الإعلام. فيما يعتقد السياسيون الألمان أنه يمكن حل المشكلة من خلال العمل مع الجمعيات الإسلامية واقناعها بأنها ملزمة بالعيش وفقًا لقوانين الدولة التي أتوا إليها.
ان هذا يعد وهم ساذج وخطير فليس كل المتعصبين الدينيين من اللاجئين فالكثير منهم ولدوا في أوروبا ويعتبرون أنفسهم أوروبيين وقد تلقت فرنسا الثمن لسذاجتها ورغبتها في أن تكون متساوية مع الجميع، فلا يمكن السماح لكل شخص بالزواج من نفس جنسه او إهانة الأديان الأخرى ومطالبة اتباع الديانات بتفهم ذلك، لن يكون هناك تفاهم مشترك ، فستشهد أوروبا بداية انهيار التعددية الثقافية، وإذا لم يتحقق ذلك فإن موجة من الهجمات الإرهابية ستكتسح القارة.
ترجمة: محمد وهاب عبود
بقلم: الكسندر سوسنوفسكي، رئيس تحرير مجلة الاقتصاد العالمي الألمانية – المقال منشور باللغة الروسية