فلا تنو غير فعال الجميل
فانّ لكل امرئ ما نوى
-1-
روي عن ابي داود السجستاني انه قال :
{ التقطتُ من أربع مائة ألف حديث أربع مئة ،
ثم التقطتُ منها أربعة :
أولها :
قوله عليه الصلاة والسلام :
( انما الأعمال بالنيّات )
وثانيها :
قوله عليه الصلاة والسلام :
( لايكون المؤمن مؤمناً حتى يرضى للغير ما يرضى لنفسه )
وثالثها :
قوله عليه الصلاة والسلام :
(الحلال بَيّنٌ والحرام بَيّن ، وبينهما أمورٌ مُتَشابِهَة )
ورابعها :
قوله عليه الصلاة والسلام :
( مِنْ حُسْن اسلامِ المرء تَرْكُهُ ما لا يعنيه )
-2-
انّ عملية الانتقاء ليست سهلة على الاطلاق ، ذلك أنّ لكل حديث نبويّ شريف نكهةً خاصة ، ومزية فريدة فكيف تبقى مئات الآلاف من الأحاديث الشريفة خارج عملية الانتقاء والالتقاط ؟
اننا لسنا مع هذا الاختزال ، ولكننا لاننكر أهمية الأحاديث الأربعة المختارة .
انها لاشك تتسم بأهمية بالغة، ولعل (السجستاني) اختار هذه الصيغة لإلفات الانظار اليها، لكي يتم العكوفُ على تدبرها واكتشاف ما انطوت عليه من كنوز …
-3-
إنّ النيّات بمثابة البُنى التحتية ،
أما الأعمال فهي البُنى الفوقيّة .
وليس المهم في الأعمال ضخامة الأحجام وانما المهم خلوص النيّة .
قد ينفق انسان معيّن، الملايين على مشروع معيّن ، لالوجه الله بل لأجل ان يشار اليه بالبنان ، ولكي يكسب الأصوات لصالحه في يوم الاقتراع العام..!!
انّ هذا الإنفاق تجاريٌّ، لاربط له بالخلفية الطاهرة النزيهة المطلوبة ، وبالتالي فهو لايرقى الى مصاف الأعمال المبرورة المشكورة .
-4-
ان القرآن الكريم يمجّد ما صنعه أهلُ البيت (عليهم السلام)
حيث أنَّ علياً وفاطمة والحسنين (عليهم السلام) آثروا على أنفسهم وقدّموا طعامهم للمسكين واليتيم والأسير فنزل فيهم قوله تعالى :
(ويُطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيرا انما نطعمكم لوجه الله لانُريد منكم جزاءً ولا شكورا ) الانسان 8 – 9
انهم أطعموا لِوَجْه الله ،
وكانت نياتهم صافيةً خالصة من كل الشوائب، فكان عملُهم هذا مثلاً يحتذى عبر امتداد الأجيال والعصور ..
فالعبرة ليست بقيمته المادية – وهي هنا لاتزيد عن بضع دراهم – في أعلى التقديرات – ولكّن العبرة بالقصد الموضوعي .
-5-
وقد يقال :
انّ أهل البيت (عليهم السلام) لايُقاس بهم أحد ، ومن ذا الذي يرقى الى ما كانوا عليهم من نقاء وصفاء واخلاص، فنقول :
انّ مدرسة أهل البيت غنيّةٌ بالرموز ، وهي ثرّة العطاء ، باهرةٌ في التألق والسمّو
واليك قصة رائدٍ من روادّها المعاصرين :
حين ألف سيدنا الاستاذ المرجع الاسلامي الكبير آية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر – رضوان الله عليه – كتابه النفيس (فلسفتنا) ، أراد ان يطبعه باسم جماعة العلماء في النجف الأشرف .
وما دام القصد من التأليف هو الانتصار للرسالة الاسلامية العظيمة ، ودحض المقولات المناهضة لها ،
فليس مهماً ان يذكر اسم المؤلف .
انها النيّة الخالصة لوجه الله ، بعيداً عن اية ذرة من ذرات الذاتية .
والغريب ان جماعة العلماء أرادت اجراء تغييرات وتعديلات على الكتاب لم يكن الامام الشهيد الصدر يراها بالصحيحة ، فاضطر الى طبع الكتاب باسمه ….
واية نيّة أروع من هذه النيّة في طُهرها وصفائها .
ومرامها الصائبة ؟
-6-
وحدثني المرحوم الحاج عبد الرسول العبادي : أنَّ رجلاً سلّمه مَبْلَغاً كبيراً من المال، لإيصاله الى احد العلماء المشرفين على مشروع خيري وقال له :
قل لهم انه من فاعل خير،وأخفى اسمه مبالغةً في البعد عن الرياء ..
-7-
وبالمقابل فقد يمارس الانسان أخطر الأدوار ويناضل بكل قوّة وشجاعة ويكون مصيره النار ….
واليك قصة ( قزمان) يوم أُحُد :
قال العسقلاني في كتابه ( الإصابة في تمييز الصحابه) ج3 / ص235 في ترجمة ( قزمان ) بن الحرث :
{ لما كان يوم أُحُد ، قَاتَلَ قتالا شديداً فَقَتَلَ ستةً أو سبعة حتى أصابته الجراحة ، فقيل له :
هنيئا لك الجنة يا أبا الغيداق
قال :
والله ما قاتَلنا الاّ على الأحساب }
انه لم يقاتل لتكون كلمةُ الله هي العليا …. بل قاتل على الأحساب – على حدّ قوله – فكان قتاله كالسراب ..!!
وروى البخاري في صحيحه :
أنّ بعض الصحابة قال :
{ ما أَجْزَأَ عنا أحدٌ كما أَجْزَأَ فلان ، فقال النبي (ص) :
اما أنّه من أهل النار }
ولتكن خاتمة هذه المقالة الحكمة القائلة :
” الدنيا كُلُّها ظلماتٌ الاّ موضع العلم ، والعلمُ كلُّه هباءٌ الاّ موضعُ العمل ،والعمل كلُّه هباء الاّ موضع الأخلاص .
اللهم انا نعوذ بك من الرياء ، ومن كل عملٍ لايُراد به وَجْهُك، ونسألك اللهم السداد والتوفيق انّك سميع مجيب .