23 ديسمبر، 2024 10:35 ص

انما الأعمال بالنيات

انما الأعمال بالنيات

فلا تنو غير فعال الجميل
فانّ لكل امرئ ما نوى

-1-

روي عن ابي داود السجستاني انه قال :

{ التقطتُ من أربع مائة ألف حديث أربع مئة ،

ثم التقطتُ منها أربعة :

أولها :

قوله عليه الصلاة والسلام :

( انما الأعمال بالنيّات )

وثانيها :

قوله عليه الصلاة والسلام :

( لايكون المؤمن مؤمناً حتى يرضى للغير ما يرضى لنفسه )

وثالثها :

قوله عليه الصلاة والسلام :

(الحلال بَيّنٌ والحرام بَيّن ، وبينهما أمورٌ مُتَشابِهَة )

ورابعها :

قوله عليه الصلاة والسلام :

( مِنْ حُسْن اسلامِ المرء تَرْكُهُ ما لا يعنيه )

-2-

انّ عملية الانتقاء ليست سهلة على الاطلاق ، ذلك أنّ لكل حديث نبويّ شريف نكهةً خاصة ، ومزية فريدة فكيف تبقى مئات الآلاف من الأحاديث الشريفة خارج عملية الانتقاء والالتقاط ؟

اننا لسنا مع هذا الاختزال ، ولكننا لاننكر أهمية الأحاديث الأربعة المختارة .

انها لاشك تتسم بأهمية بالغة، ولعل (السجستاني) اختار هذه الصيغة لإلفات الانظار اليها، لكي يتم العكوفُ على تدبرها واكتشاف ما انطوت عليه من كنوز …

-3-

إنّ النيّات بمثابة البُنى التحتية ،

أما الأعمال فهي البُنى الفوقيّة .

وليس المهم في الأعمال ضخامة الأحجام وانما المهم خلوص النيّة .

قد ينفق انسان معيّن، الملايين على مشروع معيّن ، لالوجه الله بل لأجل ان يشار اليه بالبنان ، ولكي يكسب الأصوات لصالحه في يوم الاقتراع العام..!!

انّ هذا الإنفاق تجاريٌّ، لاربط له بالخلفية الطاهرة النزيهة المطلوبة ، وبالتالي فهو لايرقى الى مصاف الأعمال المبرورة المشكورة .

-4-

ان القرآن الكريم يمجّد ما صنعه أهلُ البيت (عليهم السلام)

حيث أنَّ علياً وفاطمة والحسنين (عليهم السلام) آثروا على أنفسهم وقدّموا طعامهم للمسكين واليتيم والأسير فنزل فيهم قوله تعالى :

(ويُطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيرا انما نطعمكم لوجه الله لانُريد منكم جزاءً ولا شكورا ) الانسان 8 – 9

انهم أطعموا لِوَجْه الله ،

وكانت نياتهم صافيةً خالصة من كل الشوائب، فكان عملُهم هذا مثلاً يحتذى عبر امتداد الأجيال والعصور ..

فالعبرة ليست بقيمته المادية – وهي هنا لاتزيد عن بضع دراهم – في أعلى التقديرات – ولكّن العبرة بالقصد الموضوعي .

-5-

وقد يقال :

انّ أهل البيت (عليهم السلام) لايُقاس بهم أحد ، ومن ذا الذي يرقى الى ما كانوا عليهم من نقاء وصفاء واخلاص، فنقول :

انّ مدرسة أهل البيت غنيّةٌ بالرموز ، وهي ثرّة العطاء ، باهرةٌ في التألق والسمّو

واليك قصة رائدٍ من روادّها المعاصرين :

حين ألف سيدنا الاستاذ المرجع الاسلامي الكبير آية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر – رضوان الله عليه – كتابه النفيس (فلسفتنا) ، أراد ان يطبعه باسم جماعة العلماء في النجف الأشرف .

وما دام القصد من التأليف هو الانتصار للرسالة الاسلامية العظيمة ، ودحض المقولات المناهضة لها ،

فليس مهماً ان يذكر اسم المؤلف .

انها النيّة الخالصة لوجه الله ، بعيداً عن اية ذرة من ذرات الذاتية .

والغريب ان جماعة العلماء أرادت اجراء تغييرات وتعديلات على الكتاب لم يكن الامام الشهيد الصدر يراها بالصحيحة ، فاضطر الى طبع الكتاب باسمه ….

واية نيّة أروع من هذه النيّة في طُهرها وصفائها .

ومرامها الصائبة ؟

-6-

وحدثني المرحوم الحاج عبد الرسول العبادي : أنَّ رجلاً سلّمه مَبْلَغاً كبيراً من المال، لإيصاله الى احد العلماء المشرفين على مشروع خيري وقال له :

قل لهم انه من فاعل خير،وأخفى اسمه مبالغةً في البعد عن الرياء ..

-7-

وبالمقابل فقد يمارس الانسان أخطر الأدوار ويناضل بكل قوّة وشجاعة ويكون مصيره النار ….

واليك قصة ( قزمان) يوم أُحُد :

قال العسقلاني في كتابه ( الإصابة في تمييز الصحابه) ج3 / ص235 في ترجمة ( قزمان ) بن الحرث :

{ لما كان يوم أُحُد ، قَاتَلَ قتالا شديداً فَقَتَلَ ستةً أو سبعة حتى أصابته الجراحة ، فقيل له :

هنيئا لك الجنة يا أبا الغيداق

قال :

والله ما قاتَلنا الاّ على الأحساب }

انه لم يقاتل لتكون كلمةُ الله هي العليا …. بل قاتل على الأحساب – على حدّ قوله – فكان قتاله كالسراب ..!!

وروى البخاري في صحيحه :

أنّ بعض الصحابة قال :

{ ما أَجْزَأَ عنا أحدٌ كما أَجْزَأَ فلان ، فقال النبي (ص) :

اما أنّه من أهل النار }

ولتكن خاتمة هذه المقالة الحكمة القائلة :

” الدنيا كُلُّها ظلماتٌ الاّ موضع العلم ، والعلمُ كلُّه هباءٌ الاّ موضعُ العمل ،والعمل كلُّه هباء الاّ موضع الأخلاص .

اللهم انا نعوذ بك من الرياء ، ومن كل عملٍ لايُراد به وَجْهُك، ونسألك اللهم السداد والتوفيق انّك سميع مجيب .

*[email protected]