23 ديسمبر، 2024 4:59 ص

انفعاليون في عصر الغوغلة

انفعاليون في عصر الغوغلة

يعيش سكان الكوكب الأول بهناء وثراء وأمن واستقرار وازدهار ، قننوا القيم فأضحت كرامتهم محفوظة ، حرياتهم مصانة ، أنضجتهم التجارب ، استناروا بإضاءات الفلاسفة والمفكرين ، لجموا المستبدين بالدساتير، أتقنوا الإستثمار بالرأسمال البشري فغدت وجهوهم باسمة ، واجسامهم تضج بالحيوية ، تعليمهم فعال ، مبادرون سباقون ، مواسم أفراحهم لاتنتهي ، برمجوا ذواتهم ، ومؤسسوا حياتهم ، وهذبوا نزعات توحشهم حين أداروا صراعاتهم بالحوار والحكمة ، فأصحبت أوطانهم جنان سلام يهرع لها المنكوبون في بلادهم هربا من  تغول الظلم ومرارة الإستعباد .
وبقيت شعوبنا تعيش خارج العصر ، استبد بهم الطغاة ، ففقدوا بوصلتهم وتاهوا في غيابة الفوضى والإحتراب ، أزمات تتابع ، وعقود تحمل الكوارث والفواجع،  استقطاب مجتمعي وتناحر قاتل ،  يسكنهم وهم المؤامرة الكونية ، يبررون به عجزهم عن ابتكار برامج وآليات تستكشف مباهج الحياة وترسم صورة أخاذة للغد المأمول.
تعليمهم تلقيني ، وسائلهم بدائية ، مخرجاتهم  نسخ مكررة ، ظواهر صوتية ، ومهارات حنجرية ،  فردانيون  بلا مؤسسات ، أرقام بلا مشاريع ، حيارى تائهون ،   مفاهيمهم متخشبة ، ذاكرتهم عشوائية ، انفعاليون عاطفيون ، غاضبون متجهمون ، يائسون محبطون ، ماضويون مأسورون ، انشائيون في زمن المعادلات الفكرية ، وسائل إصلاحهم قديمة أصبحت خارج التاريخ ، فئران تجارب في لعبة الأمم ، ثرواتهم تنهب ، ومستقبلهم  يزداد ظلاما وقتامة ، ميالون للفوضى ، ، ذواتهم متورمة ، لارسالة ملهمة تحفزهم ، ولارؤية توحدهم ، ولا فلاسفة عظام كتبوا لهم العقد الإجتماعي الذي ينظم علاقاتهم ويحد من انفلات غرائزهم ، صراعاتهم صفرية يثورون لأتفه الأسباب ، يحبون أشباهمم بجنون ، ويكرهون الإخر المختلف بلا حدود .
يقتاتون على الماضي ، يحاولون إحياء موات التاريخ ، فتصدمهم إكراهات الواقع ،  لايحسنون تسويق أنفسهم ، مستنقعات عنفهم تتمدد ، صورتهم الذهنية في ذاكرة شعوب الأرض مريعة ،  تستفزهم التحرشات وتودي بهم الإنفعالات ، أصابعهم ممدودة بالإتهام  ، وقلوبهم كارهة لمن لايتفق مع أوهامهم .
يخشون تشخيص واقعهم ، فتتناسل أزماتهم وتتراكم ، استمرؤوا الحفظ والتلقين ، يخافون من المراجعات الفكرية  أن تزلزل ركام قناعاتهم المريحة ، ينظرون  بعين الشك والريبة للمثقف العضوي والمفكر الفاعل حين يحاولون مقاربة رسم خرائط النهوض والإقلاع.
إضاءة.
الإيمان بفكرة ملهمة تحفز الطاقات وتستوعب الشرائح الإجتماعية ، هو الحل السحري لمغادرة الأزمات.