22 ديسمبر، 2024 10:34 م

انغيلا ميركل سترحل.. ولكن !!!

انغيلا ميركل سترحل.. ولكن !!!

صاح بوجهها احد السكارى : “هذا ليس كأس بيرة.. انه كأس ماء بائس” فردت عليه بسخرية وابتسامة خفيفة : “انه مفعوله الذي جعلك تخلط بين الاثنين”••• قهقه زبائن الحانة، دون ان يعلموا بانهم أمام امرأة، ستصبح بعد سنوات مستشارة المانيا الموحدة واقوى امرأة في العالم (حسب تصنيف مجلة فوربس الأمريكية)… انها ميركل ، التي دخلت التاريخ، بسبب طول فترة حكمها ونجاحها الاقتصادي الباهر وصمود بلدها أمام الأزمة الاقتصادية العالمية..
عملت في شبابها بحانة، ودرست الفيزياء وتقدمت حتى حصلت على الدكتوراة في برلين الشرقية عام 1986 تحت اشراف البرفسور يواكيم زاور، الذي اصبح زوجها فيما بعد… قضت طفولتها في الجزء الشرقي من المانيا وهي تحمل عقدة ابنة قس في بلد تطارد شرطته السرية رجال الدين فنصحها ، احد الأصدقاء على إخفاء عمل والدها تجنبا للمشاكل “ابلغي الناس انك ابنة سائق”….
وما ان هوى جدار برلين في عام 1989 حتى دخلت عالم السياسة من بوابة حزب الاتحاد الديموقراطي المسيحي، وحصلت على حقيبة وزيرة المرأة والشباب في حكومة هلموت كول ووزيرة البيئة والسلامة النووية…
ميركل الطموحة ..ميركل القائدة.. ميركل الحازمة.. ، تنحنى امامها، قامات النساء والرجال، وتثنى لها وسادات السلطة تباعا حسب الازمنة والمراتب .. تصبح أمينة عامّة لحزب الاتحاد الديموقراطي المسيحي، وتغلب منافسها القوي جيرهارد شرودر عام ٢٠٠٥، فتمسك اعلى مرتبة في هرم المانيا، وتصبح اول مستشارة في تاريخ بلدها ، وأول مواطن من مواطني جمهورية ألمانيا الديموقراطية السابقة، يتربع على عرش ألمانيا الموحدة الكبيرة ، وأول امرأه تقود الدولة الوطنية الحديثة بعد التأسيس عام 1871، وتخطف باستحقاق ولايتها الثانية عام 2009.
من اجل تبديد مشاعر قلق الاوروبيين من توسع المانيا الاقتصادي في عهدها ، وقفت في برلمانهم ذات مرة وقالت : المانيا طاقة متدفقة .. لا تتركوا طاقتها تتوسع سياسيا،فتتحول الى غول وتخسر نفسها ويخسر معها الاخرون …. دعوها تنطلق في الاقتصاد !!!
انتعش اقتصاد بلدها وعندما ضاقت اسواق اوروبا به، ولت وجهها صوب المحيط الاطلسي، تبحث عن اسواق جديدة … ، اقنعت الجميع هناك، بازالة الحدود وتوسيع نطاق التعامل التجاري في منطقة التجارة الحرة عبر الأطلسي، ووقعت مع القادة ميثاق المجلس الاقتصادي عبر الأطلسي. ولكن ذلك لم يرض طموح اقتصاد بلدها الجامح ، فولت وجهها من جديد صوب اسيا ، لتصنع اتفاقية تعاون كبيرة مع الهند في مجالات الطاقة والتكنولوجيا والدفاع.

تحضر أنغيلا ميركل بانتظام مهرجانات الشعر الغنائي في ألمانيا وخارجها، وترقص مع شعبها في المناسبات، وتشتري حاجاتها من الاسواق برفقة حارس ، ولايعرف الاعلام عنها ولا القضاء نهباً للمال العام ولا سوءا في استخدام السلطة، ولا يسمع احد، خبراً عن زوجها غير، زهده وانصرافه للبحث العلمي، لدرجة اطلقت عليه الصحافة الالمانية والنمساوية لقب ( الشبح )!!
فاجأت العالم بقرار فتح حدود بلدها امام مئات آلاف اللاجئين، وتحملت انتقادات المتشددين هنا وهناك، وقالت بصوت جهور وثقة : “سننجح بالمهمة”…. ونجحت بتفوق..
وبين اخبار الموت بسبب جائحة كورونا وتحضيرات مواطنيها لاعياد الميلاد، وقفت حزينة وحائرة وخاطبت شعبها:
“عندما يتم بناء أكشاك النبيذ الساخن وعندما يتم بناء أكشاك حلوى الوافل فإن ذلك لا يتوافق مع ما اتفقنا عليه بشان الوجبات السريعة للأغذية والمشروبات فقط..أنا آسفة حقًا من كل قلبي… ولكن إذا كان الثمن هو 590 وفاة في يوم، فهذا في رأيي غير مقبول”

تخلت ميركل عن قيادة الاتحاد الديموقراطي المسيحي المحافظ التي تولتها ل18 عاما، وستنتهي مهمتها كمستشارة خلال هذا العام، بعد ان دفعت ببلدها مسافات ومسافات الى الامام .. سترحل، سعيدة ونظيفة اليد وعالية المقام … ترحل وتترك شعبها مرفهاً ودولتها مهابة… ستتقاعد ، وتشارك في الحفلات الخيرية، وتواصل حضور مهرجانات الشعر الغنائي، وتلج مع زوجها حياة ( الشبح )..وربما ستدخل حانتها التي عملت فيها بشبابها، لكن ليست كنادلة هذه المرة، بل كزبونة متقاعدة، تتأمل عبر زجاج النافدة، وجوه الاطفال وهم يرافقون امهاتهم الى المدارس، وعلم بلدها يرفرف على بناية البلدية الواقعة في الجهة الاخرى من الشارع…ستدمع عينها، ليس بسبب الحزن، بل لانها لم تقدم الكثير بعد لشعبها..
ميركل الطموحة ..ميركل القائدة.. ميركل الحازمة، ميركل الانسانة، ميركل النزيهة سترحل ..ترحل بلا لقب قائد ضرورة او رمز تأريخي ، يلاحقها… وحين تموت سترقد حتما في مقبرة العظماء !