تعد اللوحة التشكيلية إيقونة دلالية مليئة بالمعاني،بل إن البعض يعتبرها نصا صامتا تحكمه نسقية غير لغوية ومعبرا إبداعيا تكونه عناصر قابله للوصف، من هنا يمكن القول إن قراءة اللوحة التشكيلية تعني محاولة لإقامة علاقة مع العمل الفني نفسه من خلال استخلاص الأنساق التعبيرية التي تنظم ذلك العمل.
إلا إن القارئ إذا أراد ان يفكك البناء الدلالي للنص التشكيلي لاستجلاء المعاني الخفية فيه سيواجه اشكالية(القراءة المكتملة) اذ غالبا ما تكون القراءة مجتزئة وغير ملمة الماما كاملا بمجمل العمل الفني فهناك من يقرأ اللوحة بغية استنباط معنى ما تتضمنه اللوحة، واخر يبحث عن التكوينات اللونية وتوازناتها،هل تقرأ بعين العقل المتأمل المحللة لمفرداتها،ام بعين الحس؟ هل تقرأ اللوحة بوعي الفنان الذي ابدعها ام من منظور لا وعيه (وفق رؤية السرياليين)
اختلفت اراء الفلاسفة حول فكرة الوصول الى الحقيقة في العمل الفني،فأفلاطون وارسطو لا يريان وصولا الى الحقيقة بدون العقل،اما هيراقليطس فأنه يرى ان الحس هو المحقق لاي حقيقية مهما كانت.
ولذا فسأطلق لاحساسي العنان لقراءة لوحات رنا الطائي، انطلاقا من حس بصري مستند الى تأمل ادراكي لبنياته التشكيلية بخواصها وايقاعاتها التكوينية واللونية.
لوحات الطائي هي عبارة عن فكرة تنجزها بالألوان والتكوينات المتقابلة والمتعارضة في وحدة اللوحة ، وهناك لوحات ترسمها هي عبارة عن حدث ما تجد نفسها منفعلة بها ، فتقوم بتجسيدها في لوحة، فتهبها وقتها واحاسيسها لتبتكر لها الالوان والتكوينات.
تعايش الطائي الفن كعنصر جوهري لبقائها، وكحالة تثري بها جانبها الروحي، فتجسد مشاعرها في ومضات(طبقات لونية) لتؤلف موسيقى تكتبها بفرشاة لونية.إن موسيقية أعمالها تأتي من إيقاع تصويري لا يستند للاتجاه التقليدي، ولكنه بالفعل موجود ، ويمكن اكتشافه في رسوماتها ، وألوانها المائية، اذ يتدفق ايقاع الزمن وفق تحرر بنائي جمالي في فضاء لوحاتها حيث تنتقل الفرشاة بحرية كاملة بعيدا عن الخطط المستقبلية، بل غالبا ما تكون وفق حالة الهيمنة التخييلية التي تعيشها كفنانة اثناء قيامها بعمل في لحظة تجردها من الايقاعات والقيم البنائية الجمالية المعبرة عن افكارها.
فلوحاتها تتشابك فيها الالوان وتتضافر عناصرها اللونية في تكوينات متعارضة، الا انها لا تبدو تعارضاتها في وحدة ايقاعية، بل ان فضاء اللوحة يموج بحركة متدفقة في نسب متجانسة على الرغم من تعارض اتجاهاتها.
في لوحات الطائي تتفاعل الالوان فتتقابل وتتعارض وتتوافق لتحقق الايقاع في الصورة، فيمكن للعين ان تلمس هذه الخاصية بشكل مباشر على النسب المرئية بحسب ما تمليه عاطفة الفنان في عمله الابداعي بما يحقق التوافق الايقاعي في اللوحة.
فالصورة في لوحات الطائي تعبير وجودي عن سمو الذات،كما انها تعبير عن الانحطاط الوجودي، فلوحاتها تجسيد للوحدة والتنوع، الذات والاخر، الانتماء والاغتراب، التمرد والاذعان، فهي شاعرة الالوان، وهي في سبيل ذلك تنزع الالفة بين الاشياء وتخلق حالة من اللاتشكل، اذ تولد الابنية اللونية في فضاء لوحاتها محققة بذلك ما يذهب اليه فولتير من ان” كل الفنون تسعى إلى أن تكون موسيقية ” او ما يذهب اليه ارسطو من ان(الالوان، ربما تتواءم، كما تتواءم الانغام بسبب تنسيقها المبهج)
فأذا كان لكل لون نغم موسيقي فلوحات الطائي على الرغم من كونها تصويرا استعاريا من الطبيعة او من الحياة الانسانية، الا انها تأكيد لاثر ذلك الواقع الخارجي على داخل الفنان نفسه،وبذلك لا نرى الواقع الحقيقي في لوحات الطائي بل نرى انعكاس رؤيتها للواقع، فمعظم لوحات الطائي هي تعبير عن النفس بصيغ تعويضية بتكوينات لونية، معتمدة خيالها في تشكيل فضاءاتها، وانعكاسا لتأملاتها في اعادة قراءة الكون قراءة واعية لكشف ما وراء ظاهرة ما، او تصوير احساسها بواقع اثر فيها وانطبع على صفحة نفسها.
وإذا كان البعض يذهب الى أن جميع الألوان التي يوظفها الفنان توجد بثلاثة وجوه ألواناً يعكس بها الفنان ما هو خارجه ، وألواناً محايدة في تكوين لا ينتمي إلى ما هو خارج الفنان ولا ينتمي إلى معنى ما محدد ، وألواناً تنتمي إلى داخل الفنان ، ومن ثم فهي محملة بصدى نفسه ؛ إذ هي تكشف عن موقف الفنان نفسه من الكون . على أن الألوان التي تعكس ما هو خارج الفنان لا تجعل من الحقيقة في اللوحة التشكيلية حقيقة خارجية صغيرة تنتسب إلى الطبيعة .. بل هي ما يمكن أن تصدقها أو تؤمن بها بالفعل ، وهذا ما يجعلها قطعة من الفن . ذلك أن سر الفن يكمن في أنه يحول الخيال إلى حقيقة فنية جميلة.
من هنا تظهر براعة الطائي في ادارتها لحوار الفرشاة مع الالوان في اللوحة لتخلق لغة لونية تخصها وحدها دون غيرها تمكنها من احتراف اللعب مع الالوان والتكوينات في فضاءات الضوء، فهي لا تصور الواقع محاكيا او مشاكلا، وانما تصور ذاتها فيه.