ومثلما يُقال “وعلى قدر أهل العزم تأت العزائم” ..لربّما لا يصلح هذا القول للعظيم المتنبّي على من هو ليس بذي أهمّيّة لا يتناسب وعظمة ما يصفه المتنبّئ خاصّةً وأن القتيل لم يكن بذي بال كثيرًا لدى المواطن العراقي أيّام حكم البعث سوى بوجود هامشي وليس له أيّ تأثير في مجريات الحكم زمن البعث طيلة خمسةً وثلاثون عامًا ..والعظمة إن وُجدت هنا في هذا الحدث فهو ما هو مُخبّأ وبدأ يتكشّف بعد الحدث ولم يتمثّل بعنصر المباغتة فيه بما يدعوا لأن نتناول جوانبه من عدّة أوجه ,لذا فالمتغيّرات العظيمة تصنع إعلامًا عظيمًا ..وهنا للمرّة الثالثة تجبرنا المستجدّات أن نسلّط الضوء بما معتلج في النفس دون إرادة منّا سببه قوّة الحدث الّذي يشكلّ منعطف كبير تحت ضلّ مثل هذه الظروف حيث المواجهات على أشدّها وبسياقات لم تكن مألوفة من قبل وقد كانت أكبر تأثيرًا بكثير لما خُطّط له أو متوقّع ..وكما قلنا في المقال السابق الّذي تناولنا به نفس الحدث ؛أنّ انقلاب الحدث على صانعه كان نتيجة جرعة زائدة عن الحدّ في اللقاح الإعلامي لم يسيطر عليها حال انفلاته ..وذلك أمر معتاد لمن يخوض حقول التجارب ..فديكارت الكبير مثلًا المولع بصناعة ألعاب الأطفال سقط أحد مبتكراته في قاع هوّة بعدما كان ل”التكويك” دفعًا قويًّا ذهب ب”اللعبة” بشكل مفاجئ بعيدًا حال تشغيلها فذهبت مصاريف كثيرة أنفق عليها من جيبه التعبان .. هذه “اللعبة” برأيي ,إن حقّقت نجاحًا ,فقد حقّقته فعلاً بما يوازي صناعة سلاح فتّاك إن لم يكن أكثر ألا وهو صناعة الفبركة الاعلاميّة.. فقد دخل صنّاع هذا “الحدث” عالمًا تمّ إهماله زمنًا طويلًا عندنا كان يجب ولوجه منذ أمد طويل ,”صناعة الإعلام” ..فقد نجح فريق “الجثّة” من حيث لا يشعرون وبدون أن يدركون أنّهم نجحوا نجاحًا فعّالًا وبمجرّد ان “شغّلوا” أمخاخهم قليلًا ومن دون الاعتماد على جهات متطوّرة كثيرًا في هذا المجال لكن على حساب النتائج الكارثيّة الّتي انعكست عليهم فهي أكثر من أن تُحصى:ـ
كشفت أنّ الرجل “الجثّة” عنصرًا مهمّاً للغاية لدى أجندة خصومه هؤلاء ويقف غي مقدّمة أولويّات برامجهم في التصفية الجسديّة
أنّ صاحب الجثّة لا يزال على قيد الحياة حتّى لحظة إعلان مقتله ,بعد أن كرّر نفس الاعلام مقتله منذ أحد عشر عامًا !
الشعب العربي “باعتبار القتيل يشكلّ امتداد عربي عريض لأسباب معروفة” بات على قناعة تامّة أنّ الاعلام الحكومي إعلام كاذب ,وأنّ حكّامهم كذّابون بكلّ ما نطقوا منذ تدهول العثمانيّون وانقشاعهم عنّا ولغاية اليوم ..
أنّ الرجل “الجثّة” تمّ قتله في ساحات الوغى ..يعني أعلنوا من دون ان يعلموا أنّه “رجل شجاع” حتّى وإن كان عكس ذلك ..
أعطوا نموذجًا فارقًا مهمًّا من دون أن يدركوا بسبب اندفاعهم واستعجالهم حصد نتائج إعلانهم مقتل صاحبهم ,ما بين رجل لقبه “الوليّ الفقيه” مات وهو على فراشه متجرّعًا السمّ في حين كان يقود جيش بلاده ولم يشاركهم القتال يومًا ..وبين رجل “الجثّة” لم يمت على فراشه بل “حاملاً سلاحه” في عمر مساوٍ لخصمه في حين هو ومنذ زمن طويل مات وشبع موتًا..
أعلنوا أمام العالم وباعتراف خطير كان يجب أخذه بعين الحسبان قبل أن يقدموا على مثل هذه الخطوة بإعلانهم قتل غريمهم أنّ “البعث” لم يُجتثّ ولم “يُقبر” فعظّموا من شأنه وبما لا يستحقّ ..
والأكثر إزعاجًا للكثير أعطوا دليلًا قاطعًا وبغباء شديد أنّ الّذي يجري من قتال لا يقوده من الطرف الثاني “داعش” فقط ,بل ثوّار العشائر والبعثيّون وكما أعلن من قبل من قبل “المعتصمون” حال فضّ اعتصامهم بالقوّة من قبل المالكي.. ولو أنّني أشكّ أن يكن هناك بعثيّون مقاتلون ..بعض القادة ربّما ..
أعطوا إشارة لكلّ متابع للحدث ومن حيث لا يعلمون أيضًا أنّ داعش هي غير الدولة “الاسلاميّة” وأنّ الأخيرة لربّما هي “النقشبنديّة” بقيادة الدوري ..وأخيرًا ,وكما توقّعنا أن تكون داعش مؤامرة خارجيّة لدولة ذات خبرات طويلة في تمرير “الأفغان العرب” إلى أفغانستان لمقاتلة السوفييت ..انكشف الأمر صحّة تلك الإشارة الّتي كانت تشير إلى إيران في مشاركتها صناعة الإرهاب منذ زمن طويل وانّها من ضمن الحلف الديني الّذي وقف وراء تقويض الاتّحاد السوفييتي ,وكما أثبتت جوازات سفر القتلة الدواعش المجرمون وكما أفصح “الملّا كريكار” في إقرار سابق..
أنّ إعلان الحدث أوضح لنا أنّ هذا الإعلان مؤشّر بليغ على وجود ضغوط كبيرة وكثيرة تتعرّض لها الحكومة العراقيّة والمنطقة بأسرها ولربّما تكون مصيريّة وحاسمة.. ولذا وبحسب اعتقادي أنّ المنطقة بدأت تتشكّل بتكوينات على غير ما كان مخطّط لها..