يسلط كتاب “العوالم الرمزية الفن والعلم واللغة والطقوس،الضوء على وظيفة الرموز في مجالات الثقافة والمعرفة المختلفة، مثل دورها في التعبير والابتكار ونقل المعاني، ذلك أن الدلالة هي العلاقة بين الرمز أو الإشارة والمعنى الذي يراد منه، فالكلمات والصور ولغة الجسد تتخذ من الرموز والإشارات التي اجتمع الناس على ما تدل عليه، وتختلف الدلالة حسب السياقات الثقافية والزمانية. فهي عملية اجتماعية تهدف لإنتاج المعاني من خلال تحديد قواعد ثابتة بين الدال والمدلول. وتشمل وحدات الدلالة مختلف أنواع الرموز والإيماءات التي يستخدمها الناس للتواصل وإيصال المعاني.
والحديث عن الرموز والالتباس في اللغة والصور تكمن في أ نها تحمل دلالات متعددة ومتناقضة في بعض الأحيان و التي قد تؤدي إلى سوء الفهم أو الالتباس.
تعتمد معاني الرموز والصور بشكل كبير على السياق الثقافي والتاريخي الذي يُنظر إليها فيه. وما يعتبر واضحًا لمجموعة ما، قد لا يكون كذلك بالنسبة لمجموعة أخرى، كما تستخدم الرموز والصور أحيانًا لتأثيرات بلاغية مثل التلميح أو خلق توتر متعمد. وهذا يمكن أن يؤدي إلى الالتباس أو التأويل المتعدد، وقد تؤدي عملية الترجمة أو النقل بين الثقافات إلى فقدان بعض دلالات الرموز أو إضفاء معانٍ جديدة عليها.
هناك عدة نقاط مهمة حول الرمز والاستعارة في السياق والبواعث الرئيسية للاستعارة ،التي يتم من خلالها فهم الرمز أو الاستعارة بشكل أفضل عندما ينظر إليها في سياقها اللغوي والثقافي والتاريخي. فالسياق هام لتفسير الدلالات والمعاني ،وغالبا ما تأتي الاستعارة لتوضيح مفهوم معقد أو مجرد عن طريق ربطه بمفهوم مألوف. وهذا يسهل الشرح والفهم ،و كثيرا ما تستخدم الاستعارة للتلميح أو إضفاء أبعاد جديدة على المعنى من خلال الاقترانات غير المتوقعة ،وايضا غالبا ما تحمل الاستعارات دلالات وعواطف رمزية، مما يجعلها وسيلة فعالة للتأثير العاطفي ،فالاستعارة تساعد على تخيل المفاهيم المجردة وربطها بالخبرات البشرية الملموسة، و تختلف الاستعارات ودلالاتها حسب الثقافات والعصور، لذا يجب فهم السياق بعناية لتحليلها.
يمكن اعتبار الرمز نوعًا من اللعب ، حيث يشير إلى شيء آخر غير المعنى الحرفي. وهذا يتيح المجال للتأويل واستكشاف أبعاد جديدة للمعنى التي يستخدمها الفنانون لإضفاء طابع لغزي أو تأملي على أعمالهم. مما يحفز المتلقي على التفاعل والتأويل كما تتيح الرموز والإشارات غير المباشرة قدرًا كبيرًا من الحرية الإبداعية للفنان، لأن معانيها غير ثابتة بالضرورة، على اعتبار الفن نفسه شكلا من أشكال اللعب الرمزي والتجريبي. حيث يخلق رموزًا جديدة للتعبير عن رؤى وتجارب بشرية.
و للرمز دور هام في فنون الأداء مثل الموسيقى والرقص والمسرح. حيث تتيح قدرًا كبيرًا من التفسير والتأويل ، فالرمز هو جوهر التعبير الفني، ومجال خصب للعب الرمزي والإبداعي، الذي يلعب الرمز دورا هاما في كل من الفن والعلم والدين:
ففي الفن؛ يعتمد التعبير الفني بشكل كبير على استخدام الرموز لنقل المعاني والمشاعر بطريقة غير مباشرة، وتتيح الرموز مجالا واسعا للتأويل والتفسير مما يجذب المتلقي للتفاعل مع العمل الفني ،و تحمل الرموز في كثير من الأحيان دلالات ثقافية وتاريخية يستند إليها الفنان في إبداعه.
اما في العلم ،فتستخدم الرموز والرموزيات لتمثيل المفاهيم والعلاقات المجردة ، لما يلعبه دورا مهما في بناء النماذج والنظريات العلمية ،التي تساعد على تبسيط المعلومات العلمية المعقدة وشرحها.
وفي الدين فإن الرموز الدينية تحمل معان عميقة تتجاوز المعنى الحرفي، تساعد على التعبير عن المفاهيم الروحية والمعتقدات بشكل غير مباشر و تلعب دورا هاما في الطقوس والشعائر الدينية ، فالرمز أداة أساسية للتعبير في هذه المجالات.
تحتوي الطقوس عادة على رموز تحمل معاني روحية أو رمزية تجاوز المعنى الحرفي للفعل. مثل استخدام النار في بعض الطقوس لتمثيل التطهر،على اعتبارها تساعد على توحيد المعتقدات والأفكار ونقلها للأجيال القادمة من خلال الطقوس،التي تخلق الرموز جوا من الانسجام والترابط بين المشاركين في الطقس.
أحد أبعاد الطقوس هو البعد الرمزي الذي يرتبط بالمعاني والقيم الكامنة وراء الرموز المستخدمة، قد تتغير الرموز أو تعدل مع تغير الظروف الاجتماعية أو الثقافية، مما يؤدي إلى تحول الطقوس تدريجيا.
فالرموز تعبر عن هوية المجتمع وتاريخه وعاداته، لذا فإن تغيير الرموز قد يؤدي إلى تغيير في طبيعة الطقوس.، مثلما يستخدم العلماء الرموز لتمثيل المفاهيم والعمليات التجريبية والنظريات العلمية. مثل الصيغ الكيميائية أو المعادلات الرياضية، فهي تبسيط الأفكار العلمية المجردة وشرحها. لكنها لا تمثل الواقع بشكل مطلق.
يمكن بناء نماذج علمية رمزية لتمثيل جوانب من الواقع وفهم الظواهر. لكنها ليست تمثيلاً دقيقاً ،و تتغير الرموز والنماذج العلمية مع الزمن لتتناسب مع الاكتشافات الجديدة عن الواقع.
قد تشير بعض الرموز إلى أبعاد غير ملموسة في الواقع مثل الطاقة أو الذرة،ولا يمكن للرموز وحدها أن تمثل كامل تعقيدات الواقع. بل تساعد في فهمه والتنبؤ بجوانبه، فالرمز يساعد على فهم الواقع دون أن يكون تمثيلاً حرفياً له.
يلعب الرمز دورا هاما في مجالات عدة تتعلق بالعوالم والنسخ مثل :
– الأديان والميثولوجيا التي تحتوي الأساطير والديانات على رموز تمثل عناصر وشخصيات مختلفة تمثل العوالم والقوى الخارقة.
-الخيال العلمي الذي غالبا ما تستخدم الرموز لوصف الكائنات أو التكنولوجيات المستقبلية أو الأكوان البديلة.
– ألعاب الفيديو التي تستند كثير من ألعاب الفيديو على بناء عوالم متخيلة باستخدام شخصيات وأشياء رمزية.
– نظرية الأوتار التي تستخدم هذه النظرية الرياضيات لوصف أبعاد إضافية محتملة باستخدام رموز رياضية.
-السفر عبر الزمن الذي غالبا ما تظهر فكرة السفر إلى الماضي أو المستقبل في الأدب على شكل رموز تمثل الزمان.
تقوم الرموز بدور مهم في وصف العوالم المتخيلة أو المحتملة في هذه المجالات،ويمكن الحديث عن علاقة الرموز بسمات العالم واعتماد الخطابات المختلفة على النحو التالي:
تعكس الرموز السائدة في مجتمع ما قيمه ومعتقداته وهويته. فهي تشكل جزءا من سمات ذلك العالم فاعتماد خطاب كل مدرسة فكرية أو توجه سياسي على مجموعة معينة من الرموز التي ترمز لقيمه الأساسية.
تستخدم الدول والمؤسسات الرموز الوطنية كعلم ونشيد وشعار لبناء هويتها وتماسك مجتمعاتها،و تمثل بعض الرموز قيمًا وتوجهات عالمية مشتركة، بينما ترمز أخرى لخصوصيات ثقافية إقليمية.
تتأثر الرموز السائدة بالتغيرات الاجتماعية والسياسية والثقافية، مما يؤدي إلى تحول في سمات العالم ،مثلما تساهم الرموز في تعريف سمات الحضارة السائدة وتمييزها عن غيرها من الحضارات ، فالرموز مقياس هام لسمات العالم واعتماد الخطابات عليها.
هناك بعض المخاوف المتعلقة بدور الرموز في صناعة عالم موحد وموحش في بعض الأحيان:
– قد تستغل الرموز من قبل الدول والشركات الضخمة لفرض هوية موحدة ومهيمنة على العالم.
– هذا يهدد باندثار الهويات والثقافات المحلية ذات الرموز الخاصة بها.
– انتشار العولمة الثقافية قد يؤدي إلى فرض رموز وقيم غربية على بقية أنحاء العالم.
– صناعة الأنماط الموحدة من الملابس والمفروشات وغيرها قد تهدد تنوع الرموز والهويات.
– الترويج المكثف لرموز الشركات التجارية الضخمة قد يسيطر على المشهد الثقافي للعالم.
– انتشار الرقابة والسيطرة على مصادر المعلومات قد تؤثر سلبا على تنوع الرموز وحرية التعبير.
وبالتالي يجب الحفاظ على تنوع الثقافات المحلية من خلال تعزيز قدرتها على صناعة رموزها الخاصة.
هناك بعض الطرق التي يمكن للناس من خلالها المساهمة في الحفاظ على تنوع الرموز:
منها اكتشاف الرموز التقليدية للثقافة المحلية والعمل على إبقائها وتعزيز استخدامها، وتوثيق الرموز القديمة التي تعرضت لخطر الاندثار وضبطها في متاحف أو قواعد بيانات.
تشجيع الفنانين المحليين على الاستمرار في إبداع رموز جديدة تعبر عن الهوية المحلية، رفض استبدال الرموز الثقافية بأخرى أجنبية مفروضة من خارج المجتمع.
الاحتفاء بالمناسبات الثقافية التي تستخدم فيها الرموز التقليدية لتعزيز الوعي بأهميتها، ونشر الوعي حول أهمية التنوع الثقافي والدفاع عنه داخل المجتمع وخارجه، والتعاون مع المنظمات غير الربحية للحفاظ على التراث الرمزي للثقافات.
يمكن للمدارس أن تنجز دوراً هاماً في تعزيز التنوع الرمزي من خلال:
– تدريس مقررات دراسية حول التراث الثقافي والرموز التقليدية للمجتمع المحلي.
– عرض أمثلة على الرموز الثقافية في مختلف بقاع العالم لبناء وعي الطلاب.
– تنظيم فعاليات وأنشطة تربوية تستخدم الرموز التقليدية مثل الحفلات والمسرحيات.
– دعوة أهالي المجتمع لشرح الرموز الثقافية أمام الطلاب.
– إنشاء متاحف صغيرة بالمدرسة تحتوي على نماذج للرموز.
– توزيع مطبوعات تثقيفية تلخص الرموز وتهدف لنشرها.
– تشجيع الطلاب على البحث حول الرموز وإبداع رموز جديدة تعبر عن هويتهم.
بشكل عام، يجب التنويه بأن فهم الرموز والصور يتطلب سياقًا ومعرفة تاريخية وثقافية. ويمكن أن يؤدي غياب ذلك إلى الالتباس أو سوء الفهم. وهذا سيساهم في تعزيز التراث الثقافي والوعي بأهمية التنوع، و يمكن القول بأن السياق والدلالات الرمزية والعوامل العاطفية هي البواعث الرئيسية لاستخدام الاستعارة في اللغة والأدب.