هناك تناقض يغفل عنه الكثيرون في الدعوة الى التخلي عن المحاصصة. علمًا ان المحاصصة ليست بدعة عراقية وليست نظامًا مذمومًا ولكن لا مجال للخوض في ذلك هنا.
ماذا يعني مثلًا ان يدعو السيد مقتدى الصدر السنة والكورد الى الإبتعاد عن المحاصصة، ويفعل ذلك معظم أقرانه من المكون ولكنهم في نفس الوقت يدعمون رئيسا شيعيا لمجلس
الوزراء، على الضد من كل اشتراطات الشارع المنتفض. فهو حزبي، وزير سابق، محكوم في قضية فساد بغض النظر عن تبرئته التي يرجح انها كانت سياسية واخيرا مزدوج
الجنسية، كل العيوب المانعة تتوفر فيه، او على الأقل، كما تفضل امس في لقائه على قناة الشرقية، سكت عنه ولم يعترض. حسنا اذا كانت الدعوة الى التخلي عن المحاصصة
صادقة وحقيقية، ليأتي رئيس الوزراء من خارج المكون ، وتتاح له الفرصة في اختيار كابينته بحرية ودون تدخل من الأحزاب. لكننا نرى العكس تماما. بل نرى افقا سياسا أضيق
من المحاصصة وأشد انتهازية من الطائفية نفسها بكثير عندما نرى الأغلبية تحصل على حصتها كاملة متمثلة في تعيين رئيس الوزراء ثم تطلب من شركائها التخلي عن
حصصهم، بل وتحاول المستحيل لتجنب وقوع رئاسة الوزراء بين يدي رئيس الجمهورية ولو لمدة ٤٥ يوما فقط وهو ما كان يجب ان يحدث بعد مرور ٤٥ أربعين يوما من قبول
استقالة عبدالمهدي الا انهم التفوا على الدستور وأصروا على استمرار المستقيل في تصريف الأعمال وهو اجتهاد دستوري غير منصوص عليه ويفتقر الى المصداقية تماماً.
المادة 81، أولاً من الدستور تقول (يقوم رئيس الجمهورية، مقام رئيس مجلس الوزراء، عند خلو المنصب لأي سببٍ كان) والإستقالة وقبولها في البرلمان والتصديق عليها من
الرئاسة خلو تام ولا ينفيه عاقل ذي بصيرة. الموظف عندما يستقيل تنتهي مسؤوليته ولا تبقى لتوقيعه سلطة القانون وكل معاملة يذيلها باطلة. وما حدث مجرد ترقيع غير دستوري
مهما قال المتنطعون، الغرض منه منع رئيس الجمهورية من تحمل مسؤولية رئيس الوزراء ولو لمدة ٤٥ يوما. إذن كل حديث او ادعاء بالتخلي عن المحاصصة لا أساس له من
الصحة وليس سوى مماحكة سياسية مفضوحة.
الدستور توافقي ويقر في مادته الثالثة ان العراق بلدٌ متعدد القوميات والأديان والمذاهب بما يعني تأمين دورها في قيادة البلد ويدعو في مادته التاسعة، أولاً الى التوازن والتماثل في
القوات المسلحة العراقية والأجهزة الأمنية وان تكون من مكونات الشعب العراقي دون تمييزٍ أو إقصاء، وهو مبدأ يجب ان يسري على كافة مؤسسات الدولة ناهيك عن الحكومة اذا
كان الدستور فعلاً يحظى بالتوقير والإلتزام المطلوبين. وما تسعى اليه الأغلبية الآن من تمرير حكومة علاوي دون التوافق مع الكورد والسنة يجعلها فاقدة للشرعية الدستورية وغير
مؤهلة لقيادة البلد.
وبدلًا من ان نرى حرص الأغلبية على مراعاة مصالح المكونات نجد دعوات فجة الى ضرب مصالح الآخرين عرض الحائط. تيار الحكمة مثلًا يدعو الى انقلاب مبطن من خلال
بيان محمد اللكاش الذي يدعو فيه الى حل البرلمان فوراً وإعلان حكومة رئيس الوزراء المكلف محمد توفيق علاوي بأنها حكومة طوارئ فضلا على ان البيان فيه مغالطات
واتهامات معكوسة عندما يقول ان البرلمان الحالي هو السبب الرئيسي بالفوضى التي يعيشها البلد، وان على بعض الذين يزعمون بأنهم زعامات الكتل السنية والكردية، ان يفهمون
ان زمن الإملاءات ولي الأذرع والابتزازات والمحاصصة والاستقواء بالغير ولى وبدون رجعة. وهو بذلك يذم فعلاً ويأتيه.