18 ديسمبر، 2024 9:44 م

انسحاب القوات الأمريكية تغيير الاستراتيجية الأميركية بالعراق — التحديات وتوقعات المستقبل

انسحاب القوات الأمريكية تغيير الاستراتيجية الأميركية بالعراق — التحديات وتوقعات المستقبل

بلغت القوات المسلحة الأمريكية نظيرتها العراقية، أنها ستتخذ “إجراءات معينة لضمان الخروج من العراق بشكل آمن وكفوء ,, جاء ذلك في رسالة من العميد الآمر في قوة مهام العراق والعميد في مشاة البحرية الأمريكية “المارينز” ويليام سيلي الثالث إلى قائد قيادة العمليات المشتركة (الجيش العراقي) الفريق الركن عبد الأمير رشيد يارالله.
وجاء في الرسالة أنه “احتراماً لسيادة جمهورية العراق، وحسب ما طلب من قبل البرلمان العراقي ورئيس الوزراء (عادل عبد المهدي)، ستقوم قيادة قوة المهام المشتركة – عملية العزم الصلب، بإعادة تمركز القوات خلال الأيام والأسابيع القادمة ,, وتابعت الرسالة، “ومن أجل تنفيذ هذه المهمة، يتوجب على قوات التحالف اتخاذ إجراءات معينة لضمان الخروج من العراق بشكل آمن وكفوء – وأوضحت أن من بين تلك الإجراءات زيادة تحليق المروحيات داخل وحول المنطقة الخضراء في بغداد، بغرض المرافقة والحماية فقط ,, وأشارت الرسالة إلى أن تلك الإجراءات ستتم خلال ساعات الليل بغية المساعدة على زيادة الحيطة “ولن يفهم الانسحاب على أنه يتم جلب المزيد من القوات , وأعرب الجيش الأمريكي، في رسالته، عن احترامه لـ”القرار السيادي والذي طالب برحيلنا,, وينتشر نحو 5 آلاف جندي أمريكي في قواعد عسكرية بأرجاء العراق، ضمن التحالف الدولي لمحاربة تنظيم “داعش” الإرهابي منذ عودة القوات الأمريكية إلى العراق عام 2014 عندما اجتاح تنظيم “داعش” الإرهابي ثلث مساحة العراق، آنذاك.
التفاهمات العراقية الامريكية جاءت بعد تهديد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرض عقوبات على العراق إذا طالبت بغداد برحيل القوات الأمريكية بطريقة غير ودية. حيث شدد ترامب على سلامة ارواح الجنود الامريكيين وحتى لايتعرضون لموجة غضب تعيد الى الاذهان مشاهد الاهانة التي لحقت بالجيش الامريكي في الصومال — واعتبر مراقبون طلب الانسحاب من جانب بغداد انتصارا لإيران على خلفية مقتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني والقيادي في الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس في غارة جوية أمريكية قرب مطار بغداد ، في هجوم قالت واشنطن إنه يأتي في إطار الدفاع عن النفس
المؤكد أن العراق سيظل بحاجة إلى جهود الولايات المتحدة في مجال تدريب وإعادة تأهيل القوات الأمنية وتعزيز قدراتها لمواجهة التحديات التي يمثلها تنظيم داعش – كما تسعى الولايات المتحدة – حسب رأي خبراء مقربون من البيت الابيض –إلى الحد من نفوذ المجموعات الشيعية المسلحة الحليفة لإيران من خلال فرض العقوبات على بعض قياداتها واستهداف قيادات أخرى ومواقع تخزين أسلحتها بالضربات الجوية – وسيكون على العراق تحمل تبعات إرغام القوات الأجنبية على المغادرة بعقوبات اقتصادية هدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرضها على ما سيعقد العلاقات التجارية والاقتصادية بين العراق ودول العالم، خاصة الأوروبية والإقليمية ودول جنوب شرق آسيا – وستترتب على السياسات العراقية الجديدة مخاطر جمّة ناجمة عن القرارات غير المدروسة والبعيدة عن الرؤية الاستراتيجية في إدراك تبعات تردي العلاقات مع الولايات المتحدة، وتداعيات السماح بتحويل الأراضي العراقية إلى ساحة صراع مفتوحة بين الولايات المتحدة وإيران والقوات الحليفة لها، ومخاطر المطالبة بخروج القوات الأمريكية، سواء على الأمن والاستقرار الداخلي، أو ما يتعلق بحسابات ردود الأفعال الأمريكية “المعلنة” باحتمالات فرض عقوبات أمريكية
نعتقد ان ما حصل مؤخراً لا يعدو كونه إعادة تموضع للقوات لتقليل المخاطر التي تتعرض لها وانه لم يحصل تغيير حقيقي في الستراتيجية الأميركية تجاه العراق الذي لا زال يُعد دولة مهمة لأميركا – أستثمر الأميركان(ستراتيجياً) الكثير في العراق طيلة العقدين الماضيين وهم ليسوا مستعدين لخسارة ذلك. وان سياستهم تقوم على توثيق العلاقات مع الحكومة العراقية كحليف ستراتيجي.رغم مراقبة الأميركان لطبيعة ونوع العلاقة الرسمية وغير الرسمية بين أيران والعراق الا أن ستراتيجية أميركا تجاه العراق لا تتحدد في ضوء تلك العلاقة بل في ضوء مصالح أميركا في العراق والمنطقة.
القوات الأميركية لا تقاتل فقط برجالها المدربون جيداً بل بتفوقها التكنولوجي الساحق..البرقية المسربة في النيويورك تايمز والمرسلة من قائد القوات الاميركية في العراق لوزارة الدفاع صحيحة وهي توضح طريقة عمل الحكومة الاميركية وقواتها التي تعتمد على أستشارة المسؤولين على الأرض.كما أنها توضح أن الأميركان،ورغم الجدل الداخلي حول أفضل سياسة في العراق، ألا أنهم يعملون بأستمرار من خلال وضع خطط مسبقة لكل سيناريو مفترض ولذلك فأن ردودهم على الهجمات التي طالت القواعد الأميركية في العراق لم يستغرق وقتاً طويلاً.ستستمر عمليات الرد على الهجمات المضادة للقوات الأميركية وبما يتناسب مع المخطط الموضوع لكل حالة.
عدم تمديد الاستثناء الممنوح للعراق لاستيراد الكهرباء والغاز الأيرانيَين لأكثر من ٣٠ يوماً جاء بعد أن تجاهلت الحكومة العراقية النصائح التي قُدمت لها خلال السنة الماضية لأيجاد مصادر بديلة دون ملاحظة أي جدية من وزارة الكهرباء أو الحكومة العراقية لتقليل أعتمادهما على أيران.وأن هذا الأستثناء قد يتوقف نهائياً في ضوء نتائج تشكيل الحكومة العراقية.كما لاحظ الأميركان أن أيران ماتزال تحاول جاهدةً التأثير في القرار العراقي لتشكيل الحكومة وهو أمر سيؤثر كثيراً في مستقبل العلاقات..على الرغم من عدم الدعم للسيد الزرفي من قبل الأميركان لكن الأميركان يعتقدون أن السيد الزرفي(ورغم الفريق المحيط به) قادر على العبور بالعراق للوصول الى مرحلة الانتخابات في ضوء ما أنجزه سابقاً في النجف.ويعول الأميركان كثيراً على أنتخابات مبكرة ونزيهة وخالية من تدخلات القوى المختلفة.كما ان دعم الأميركان لحكومة السيد الزرفي(أن تم تمريرها)سيتحدد في ضوء التشكيلة والأداء الحكومي.
أخيراً أود القول أن مايجري في العالم حالياً سينجم عنه بلا شك تغيير كبير في النظام العالمي والعلاقات بين الدول لكن المؤكد أن أمريكا ستبقى اللاعب الأساس الذي لن تستطيع أي دولة في العالم الأستغناء عنه طيلة العقدين القادمين على الأقل.ويخطئ كثيرا من يعتقد غير ذلك !!