انسحاب الصدر ولعبة التأجيل..
يقول خبراء السياسة والمتبحرون في شؤونها ان “المسألة كلها باختصار أنه عندما تفلس الأحزاب ويفلس السياسيون، يلعبون على المشاعر الدينية لأنها المدخل السريع لمشاعر الناس وليس عقولهم وهذا الخلط بين الدين والسياسة هو الخطر”، تلك الكلمات قفزت امامي خلال محاولتي البحث عن وصف مناسب لاعلان زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر انسحابه من العملية السياسية ومقاطعته للانتخابات ورفع يده عن حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، وكيف استقبل انصاره وجيوشهم الالكترونية تلك الخطوة.
فالمتابع لتبريرات اتباع التيار الصدري يدرك محاولات “تغييب” العقول التي تمارس بشكل علني فكيف تفسر أن يكتب احدهم رواية عن الامام علي (عليه السلام) تتحدث عن ماحصل خلال سنوات خلافته وكيف عارضته العديد من الجهات وينقل مقولة منسوبة للإمام نصها “اللهم إني قد مللتهم وملوني وسئمتهم وسئموني فأبدلني بهم خيراً منهم وأبدلهم بي شراً مني”، وينتهي بتشبيه ما تعرض له سيد البلغاء (عليه السلام)، بما يحصل مع السيد مقتدى الصدر حينما يقول بان زعيم التيار الصدري اعتزل العمل السياسي كما اعرض الإمام علي عن الدنيا قائلا “دنياكم عندي لأهون من ورقة في فم جرادة تقضمها”، فهل يعقل ان يصل الامر الي هذا التشبيه في قضية تختلف فيها جميع المقاييس، ولا يمكن لمنطق العقل القبول بهذه المقارنة بسبب نواياها المعروفة مسبقا.
لكن.. مسلسل ردود الافعال الغريبة لم ينته حينما خرج علينا العديد من اتباع السيد الصدر بمقارنة تؤكد ان ما فعله زعيمهم جاء متوافقا مع قرار الإمام الحسن ابن علي حينما قرر التنازل عن الخلافة لمعاوية بن ابي سفيان “لحقن دماء المسلمين”، وهذ كارثة كبيرة، كيف يمكن من خلالها اقناع الجمهور الصدري بان قرارات زعيمهم بعيدة عن المصالح العامة وجميعها مرتبطة بالمناصب والهروب من المسؤولية، لان ببساطة اعلانه الاخير لا يمكن تفسير بغير ثلاث نقاط… اولها قناعة السيد الصدر بان وجود مسؤولين من تياره في الوزارات وسيطرتهم عليها وراء “الخراب” الذي تشهده تلك المؤسسات ومنها وزارتا الصحة والكهرباء، لذلك كان عليه اتخاذ هذه الخطوة للتخلي عن تحمل المسؤولية، وثانيها ادراك السيد الصدر بان حصوله على رئاسة الوزراء امر صعب جدا ولا يمكن تحقيقه بعد “النقمة” الشعبية الواضحة على التيار الصدري وخاصة بعد فاجعة مركز العزل للمصابين بكورونا في مستشفى الحسين بمدينة الناصرية وتفحم جثث الضحايا، وثالثهما.. محاولة السيد الصدر اجبار قادة القوى السياسية على التفاوض معه للتراجع عن مقاطعة الانتخابات بعد تحقيق شروط سيفرضها لاحقا تضمن بعض الامتيازات مقابل المشاركة في الانتخابات وهذا قد يحصل فعلا وخاصة بعد المطالبات التي ارسلتها القيادات السياسية للسيد الصدر للعدول عن قراره وزيارة رئيس الجمهورية برهم صالح لمنزله في الحنانة.
في حين تقود النقاط الثلاث اعلاه إلى حقيقة واحدة وهي تأجيل الانتخابات التي اصبحت رغبة ثابتة لدى زعيم التيار الصدري وتحولاً كبيرا في موقفه السابق الرافض لتأجيلها ومن يراجع التغريدات والتصريحات السابقة ومنها في نهاية تشرين الثاني من العام الماضي 2020، حينما اكد السيد الصدر بانه “يحمل من يقاطع الانتخابات كامل المسؤولية في ايصال الفاسدين للحكم”، يصل لنتيجة ثابتة عن اعلان قريب لتأجيل الانتخابات، ولعل اكثر ما يؤكد تلك الحقيقة “المرتقبة” مواقف الرئاسات الثلاث من مقاطعة السيد الصدر للانتخابات وضرورة وجود التيار في عملية الاقتراع، واقربها حينما خرج علينا الكاظمي قائلا… بان “التيار الصدري شريحة مهمة في المجتمع ولا يمكن تصور عدم مشاركته في الانتخابات”، وهي رسالة واضحة عن النوايا المبيتة للتأجيل وخاصة بعد سحب السيد الصدر يده من دعم حكومة الكاظمي الذي يطمح لولاية ثانية، بمساندة من زعيم التيار والتي لن يجدها في حال استمرار انسحاب الصدر من الانتخابات.
الخلاصة:. إن موقف السيد الصدر بالانسحاب من العملية السياسية ليس جديدا وهي المرة الرابعة التي يتخذ فيها هكذا قرار، الاولى كانت في شهر ايلول من العام 2013، والثانية في شهر شباط من العام 2014، والثالثة في شهر حزيران من العام 2018، واخرها وليست اخيرها في “15 تموز 2021” من خلال (الانقلاب الابيض) على حكومة الكاظمي، وهذه الخطوات معروفة النوايا ومنها ما حصل في العام 2016، حينما اقتحم السيد الصدر مع انصاره المنطقة الخضراء ولم يخرج منها الا بعد تعهدات من حكومة حيدر العبادي في حينها بمنحه المزيد من المنصب، لكن.. ما سيحصل في الايام المقبلة على الرغم من “الانجازات الوهمية” التي يحاول الكاظمي الاحتماء بها واخرها اعلان اعتقال قاتل الدكتور هشام الهاشمي واعترافاته التي عليها الكثير من علامات الاستفهام، سيوجه الصدر اتباعه للخروج بتظاهرات مليونية لاسقاط الحكومة.. اخيرا.. السؤال الذي لابد منه.. متى سيعلن تأجيل الانتخابات؟