22 ديسمبر، 2024 9:23 ص

انتم الأغنياء وسارقو المال العام فقراء تجوز عليهم الصدقة

انتم الأغنياء وسارقو المال العام فقراء تجوز عليهم الصدقة

وانا اطالع احكام الزكاة استوقفني الحديث الشريف (لا يقبل الله صدقة من غُلول)، والغُلول هو ما يؤخذ بغير وجه حق من المال العام، مثلا ان يدس احدهم في متاعه شيئا من الغنائم قبل تقسيمها على المسلمين، وهذا يشبه تماما ان يقبض احدهم عمولة على عقد هو مسؤول عن ابرامه وانجازه، فكلاهما سارق للمال العام، الذي دس في متاعه شيئا من الغنائم قبل تقسيمها على المسلمين، والذي قبض عمولة على عقد هو مسؤول عن ابرامه وانجازه، ولان الفقهاء لم يفرضوا زكاة على المال الخبيث حتى ولو بلغ النصاب، فهو مال غير متقوم شرعا، لو دفع مهر زواج لا يصح به العقد، لانه مال غير مملوك لحائزه الذي يعد مغتصبا، يجب عليه تفريغ ذمته برده الى مالكه الحقيقي ان كان حيا، والا فالى ورثته، وان لم يجد وريثا فعليه التصدق به كله، اذ لا تجوز الصدقة ببعضه، وبناء عليه فقد استدل بعض الفقهاء على ان حائز المال الحرام لا يعد غنيا في نظر الشارع، حتى ان بعضهم أجاز التصدق على السلاطين والامراء الظلمة، لانهم من وجهة النظر الشرعية فقراء، وان ما بحوزتهم ليس مالهم الخاص بل هو مال المسلمين، ولكن تجويز التصدق عليهم يفهم على سبيل المجاز وليس الحقيقة، بل المؤكد ان التصدق عليهم حرام، لانه يعد اعانة للظالم على ظلمه، ولكن تجويز الفقهاء التصدق على أولئك الطغاة، انما هو صرخة جريئة من فقهاء ثوار لتحقير الظلمة سارقي المال العام، ومن ظريف ما يروى ان أحدهم جوز دفع الصدقة لعلي بن عيسى بن ماهان والي خراسان، عندما وجبت عليه كفارة، حددها الفقهاء بصيام ثلاثة أيام، لانهم اخبروه ان ما عليه من التبعات اكثر مما لديه من مال، ومن ثم فان كفارته كفارة من لا يملك شيئا.

ان هذه المقولات الفقهية الجريئة، تعبر عن عمق ايماني نقي ورح اجتهادية عالية، لرجال لا يخافون في الله لومة لائم، ولكن تصور معي لو انها طبقت في زمننا هذا المتخم بالفساد مثلا، فان هذا السياسي الفاسد الذي يمتلك القصور والارصدة، يستحق الصدقة من موظف بسيط لا يملك سوى راتبه الشهري، لان مال السياسي الفاسد كله مال غلول، ومن ثم فهو لا مال له، وهو فقير يستحق الصدقة، اما الموظف فيمتلك راتبه وهو اذن ليس فقيرا فقر ذلك السياسي، ومن ثم هو يستطيع ان يسهم في التصدق عليه اذا ما وجبت عليه كفارة، والمؤكد انها تجب عليه بكثرة، طبعا أن الساسة الفاسدين الذين استمرأوا اخذ المال العام بالحرام، لا يمانعون ان ياخذوه بالحلال، أي أن يقتطعوه صدقات من رواتب الفقراء، فالمهم عندهم أن يأخذوا، ولكن المانع ولله الحمد شرعي، لان دفع المال اليهم هو اعانة لهم على نهب المال العام، وهذا لا يجوز في كل الأديان.