18 ديسمبر، 2024 6:51 م

انتقال ليس له آخر!

انتقال ليس له آخر!

يثار دوماً سؤال الماهية في تشخيص أي واقع او حالة ما، ثم يعقبه سؤال السبب والمتسبب، ثم رسم صورة الحل، وتلك الخطوات لا حياد عنها لمن ينشد العلاج، وذلك لأن التأسيس الصحيح للفكرة هو الذي يوصلنا إلى النتيجة المرجوة.

وإذا كان الخلاف ما زال في توصيف الحالة العراقية، فمن الطبيعي ان لا نصل إلى لحظة التعافي التي نريد، وذلك بسبب تعدد الاجتهادات، وتنوع الحلول، وتقاطع وجهات النظر في تحليل ما يحصل اليوم.

وقد انتبهت وسط ما اقرأ إلى ان العراق ما زال يعيش المرحلة الانتقالية التي تسير به نحو حالة ترسيخ الديمقراطية الحقيقية وتسود خلالها العدالة بالشكل الذي يطمح له الشعب، وهو لم يجتازها إلى الضفة الأخرى، وبالتالي فلا يمكن محاكمة الواقع إلا وفق محددات هذه الرؤية ولا انتظار إلا للشفاء الجزئي والمتدرج، شريطة توفر النوايا المخلصة والمهنية في الأداء، وغير ذلك لا يعدو ان يكون حلماً بعيد المنال.

المرحلة الانتقالية وبحسب الادبيات السياسية تعد طبيعية وحتمية في أي تحول ديمقراطي، وغالبا ما تكون مرحلة ضبابية، ويسود فيها الشك بين الأطراف المتنافسة، كما أن من مشكلاتها عادة عدم سيادة الأمن وتباطؤ محاربة الفساد، وارتفاع سقف المطالب الفئوية، كما تشهد التدخلات الأجنبية المتنوعة في الشأن الداخلي في ظل تداخل المصالح الاقتصادية والسياسية بين مختلف القوى الإقليمية والدولية والتي تجعل سيادة الدولة مهددة في كل وقت وحين بالاختراق والتشظي.

وما يذكر أعلاه هو بالضبط ما نعيشه منذ عقدين ولا زلنا، فالركن الأساسي في مشروع الخلاص وهو ترسيخ الثقة بين الأطراف كافة لم يتحقق بعد بالشكل الكامل والتام، وحالة عدم الوضوح مستمرة، والأمن الهش يسود المشهد، والبطء بالإنجاز، وانحياز المكونات لانتمائها بسبب ضعف الثقة بالدولة الجديدة، كل ذلك نعيشه يومياً مع اختلاف في النسب بين صعود وهبوط.

إننا بحاجة اليوم للعبور آمنين مطمئنين من مرحلتنا الانتقالية التي طالت، ولعلنا نقف عند امرين اثنين هما أساس للولوج إلى ما بعدهما، وهما: الاتفاق على شكل الدولة ونظامها أولاً، واعادة بناء الثقة بين المكونات ثانياً، فالمطلب الأول سيزيح حالة الضبابية في المشهد، ويوفر القابلية للشفاء، والثاني سيعيد الثقة بالهوية الوطنية واحساس الجميع انهم أبناء وطن واحد لا متعدد، مما يزيد من قوة الوطن بدل حالة التشتت الراهنة.

انتقالنا يطول حتى يكاد المرء يشعر أن ليس له آخر، فلنعمل جميعنا ان نضع ختاماً مشرقاً له يليق بتاريخنا ومكانتنا بين الدول والأمم.