18 ديسمبر، 2024 8:40 م

انتفاضة تشرين الوجه الناصع للتغير

انتفاضة تشرين الوجه الناصع للتغير

شهد تاريخ العراق السياسي العديد من الانتفاضات والثورات والحركات والتي كانت تحدث اما بتخطيط وتوجيه احزاب سياسيه لها عمقها وباعها في النشاط والتنظيم والمتانه او بفعل حراك عشائري مناطقي عفوي ثم يتسع ليشمل مساحة كبيره من ارض الوطن او من خلال انقلابات عسكريه تقودها خلايا تنظيميه من امراء وضباط داخل الوحدات العسكريه بالشتراك مع احزاب سياسيه مدنيه او بدونها فتلتف من حولها جماهير مؤيده لنهجها وتوجهاتها ,او بنتفاضة شعبيه عارمه تشترك بها كل اطياف الشعب العراقي بمختلف مذاهبهم واديانهم واعراقهم واحزابهم وتنوع اجناسهم شيبة وشبابا ونساء واطفالا تحت هدف واحد هو اسقاط النظام كما خدث في اذار الخالد في 991.
لكن ان تأتي انتفاضه تميزت وتفردت يهذا العنفوان والعزيمة والاندفاع تفجرها دماء شبابيه غضة نقيه وحدتها بيانات وتغريدات من على مواقع التواصل الاجتماعي معلنة ساعة الصفر في الانطلاق بالمكان والزمان المحددين تحت شعار شفيف بسيط يعكس رقتها وطراوة روحها (نازل اريد حقي ) الحق الذي ضيعه واغتصبه منها ومن شعبها احزاب وساسة جمعتهم ووحدة كلمتهم النوايا السيئة في الجشع والطمع وتفريط ثروة البلد لأغراضهم ومنافعهم الشخصية دون اي اعتبار لوطن وشعب اعتلوا باسمه زورا دفة حكمه وقيادة مسيرته لأكثر من ستته عشر عاما.
وعلى حين غرة يأتيهم الموج الهادر ليقض مضاجعهم ويهز عروشهم الخاوية من حناجر مزغردة منتشيه بأهازيج وهتافات خالية من اي مطامع او مكاسب ترتجى من ورائها سوى نيتها الصادقة وروحها البريئة اللدنة والتي تضعها على اكفها تبحث من خلالها عن وطن ضيعه السراق والدخلاء , تتلفع مزهوة جذلة بعلم تخترق به الدخان الحاقد المسموم ورصاص الطيش الغادر بخسته ونذالته الموجه نحو رؤوسهم وصدورهم دون ان تحسب لهمجيته ورعونته اي حساب, وبكل عنفوان الشباب وعزمه تواصل حراكها البطولي فتكسر حاجز الخوف والتردد الذي هيمن لسنوات عديده على رقاب ابناء شعبها فتبعث في اوصاله الراكدة والمستكينة الطمأنينة والحياة من جديد فينهض عن بكرة ابيه مزمجرا صاخبا يملئ بحماسه واهازيجه الشوارع والازقة والساحات على امتداد الوطن المنتفض مطالبا بحقوقه التي استلبها ساسة الصدفة من فاقدي الوطنية والضمير طيلة السنوات المنصرمة.

فلم تعد الوعود الكاذبة والاصلاحات الترقيعية التي انتهجتها الطبقة السياسية التي تسلطت بغير وجه على مقاليد البلد طيلة هذه المدة التي خلت من عمر العراق تجدي نفعا وتقنع عقول الشباب المنتفض وهذا الشعب الصابر الذي سأم كذب ومماطلة ومراوغة وتسويف الاحزاب وسلطتها وجميع سياسيها. اليوم الكل ينشد التغير بمعناه الحقيقي وليس الصوري وبإزاحة كل رموز العفن واحزابهم وميليشياتهم التي قبحت وجه ونصاعة واصالة العراق وشعبه طيلة هذه الحقبة الزمنية من تاريخ العراق ا لمعاصر.

ولتمضي الى الابد السنوات العجاف التي تسلطت بها هذه الزمر والشلل على رقاب الناس والتي لم يحصد منها العراقيون غير استمراء الكذب وإدمانه في خطب المسئولين ووعودهم الجوفاء .

سنوات مظلمه جعلت من العراق شعبا ممزقا وترابا مقسما بين ثانيته وأعراقه تنتابه الحزازات والفتن وتفتك في عروقه الفوضى والخراب, ويرخص فيه الإنسان دما وروحا تحت رحمة القتل والإرهاب اليومي الذي يتنقل بكل راحته ووفقا لمشيئته باختيار الأمكنة والأزمنة التي تناسبه كي يحصد اكبر عدد ممكن من الابرياء دون ان يجد من يردعه او يثنيه عن نواياه واهدافه الظلامية الهوجاء فاستطاع اقتطاع ثلث مساحة العراق ومدنه ليجعلها ارضا مدمرة ورمادا تذروه الرياح بعد ان تخلى عنها حامي الديار وولي الدم ومرتزقته من الخونة و فاقدي الشعور الوطني وناكري الجميل ومن المتنطعين بالشعارات الهزيلة الجوفاء ,فخلفت وراء احتلالها البغيض للمدن المنكوبة الاف الشهداء والاف الجرحى والمعوقين وتراكمت الإعداد الهائلة من الأيتام والأرامل والثكالى والمقعدين , سنوات ظلم وقتل واغتيالات بكواتم الصوت وخوف ورعب يهيمن على نفوس المواطنين من عبث الميليشيات واستهتارهم بأمن البلد وتحديهم لأنظمته وقوانينه وبعلم السلطات الحاكمة وغياب القضاء والقانون , سنوات عجاف من عمر العراق الجديد وهو يتصدر لائحة دول العالم في الفساد المالي واستشراء الرشوة والترهل الإداري وتفاقم حدة السرقات وغسيل الأموال وتهريب العملة وتقويض الاقتصاد الوطني وتحطيم بناه ,واستفحال ظاهرة المحسوبية والمنسوبيه والمفاضلة في المناصب والمراكز الحكومية للأحزاب الحاكمة ولأقارب المسئولين وأحزابهم ولمن يلوذ بسدهم ويتمسكن إليهم . سنوات ركود وبطاله والكسل والشللية تعم كل مرافق الدولة فلا خطط ولا برامج اقتصاديه أو إدارية وسياسيه وثقافيه أو صحية لكون الأحزاب هي من يضع تلك الخطط والبرامج والتي تكرس جلها لصالحهم ولصالح شخوصهم وذويهم وليس فيها أي نفع للمواطن أو منظور وبعد وطني. سنوات سوداء والعراق يدار من قبل الأميين والجهلة والمتخلفين ومن الانتهازيين والوصولين والذيلين الفاقدين للذمة والضمير. ويستبعد بتعمد ممنهج المبدعين والخبراء والعلماء والمخلصين الوطنين الشرفاء, مما ولد البغض والكراهية والحقد وانعدام الثقة بالسلطة وأحزابها في نفوس الناس الذين لا يملكون ظهرا يسندون أنفسهم إليه.

ولن يحدث أي تغير بالواقع السياسي الثقافي والاقتصادي او الاجتماعي العراقي طالما ظلت هذه النخب والأحزاب تتبادل الأدوار فيما بينها بفعل ما تمتلكه من مستلزمات القوه والمال والسلطة فلن تفسح المجال لأي حزب أو تيار وشخوص كفؤه ومتميزة بقيادة المسيرة العراقية المستقبلية لكون مقياس المنافسة الديمقراطية ألحقه معدوما ومضمحلا فكل مقوماته بيد الأحزاب المتنفذة والحاكمة .

ولكن يبقى للعراقيين الأمل الذي لا ينقطع في بناء الدولة المدنية العصرية ,ألقائمة على الأسس الوطنية ,وليس على البناء الهش الخاطئ, الذي ركز على نظام المحاصصة في اعتماد الطائفة أو العرق أو الانحدار الحزبي والعائلي, والتي جرها الساسة واحزابهم بتعنصرهم المقرف إلى أضيق الحلقات من داخل العشيرة أو المذهب .

فالانتماء للوطن اسمى واجل من أي انتماء آخر ,عندما يُتّخذ ميزانا ومعيارا للتقييم, فيعطي المواطن حقوقه في العدالة والمساواة كما يضفي عليه واجبات ومسؤوليات تجاه وطنه وشعبه.

فألى الامام يا طلائع انتفاضة تشرين الغراء لإنقاذ وطنكم من التمزق والتخلف والضياع فبكم تعقد الآمال ويعول عليكم التغير والاصلاح الحقيقي.