لا أرى جديدا أو مفاجأة في ما حدث ويحدث في محافظات الجنوب وتحديدا البصرة!، فقد أنفجر بركان الغضب الجماهيري الشيعي تحديدا بعد غليان 15 عام من الضيم والقهر، وبعد أن ضاق ونفذ صبرهم على ما يحبون، قال الأمام علي (ع) (( الصبر صبران صبر على ما تحب وصبر على ما تكره)). فلم يعد لهم مزيدا من الصبر والتحمل على ما هم فيه من جوع وفقر وبطالة وأمراض وتردي في كافة الخدمات وتراجع وتخلف في كل مناحي الحياة، وانتشار الفساد بكل انواعه وصوره. ولا أدري ماذا كانت تنتظر الحكومة والأحزاب الشيعية تحديدا التي تتشكل منها الحكومات المحلية في محافظات ومدن الجنوب تلك المحافظات التي تطفوا على بحر من النفط الذي صار نقمة عليهم والذي لم يجنوا منه غير الشوك والتردي والأهمال والخوف والموت منذ ثمانينات القرن الماضي (الحرب العراقية الأيرانية)، ولحد الآن!، ( كالعيس يقتلها الضمأ والماء فوق ظهورها محمول!).نعود بالقول ماذا كانت تنتظر الحكومة من جماهير تلك المحافظات بعد أن ذاقوا مر العذاب والضيم والفساد الذي فاق حدود العقل والتصور من أبناء جلدتهم وطائفتهم!. ورغم أني لست من دعاة العنف أو القيام بأية أعمال تخريبية تلحق الضرر بوزارات الدولة ودوائرها ومنشئاتها، ولكن لا أدري لماذا أستكثرت الحكومة على الجماهير الثائرة والمنتفضة بعد سنوات من الضيم والفقر والجوع والأهمال البعيد عن أبسط صور الأنسانية، أن تصدر منهم بعض من أعمال العنف البسيطة! حرق أطار سيارات، رمي الحجارة وكسر زجاج بعض مقرات الأحزاب السياسية التي تعدها الجماهير الثائرة سبب كل هذا الدمار والخراب والفساد وأنها لاتمت للوطنية ولا للأنسانية بشيء!، وفي حقيقة الأمر وقد يتفق معي الكثيرين بأن ما قامت به الجماهير الثائرة لا ترتقي الى أعمال العنف والنهب والفرهود التي شهدها العراق في فترات عديدة من تاريخه السياسي!، بقدر ما تعتبر وتعبر عن ردود أفعال طبيعية، لما عانوه من أهمال وجور وظلم من قبل سياسيين هم من أبناء جلدتهم وطائفتهم ومذهبهم!!. ومن الجدير أن نذكر ما قاله الصحابي الجليل( أبي ذر الغفاري) رض، وهو يعجب من أنسان كيف لا يثور ويشهر سيفه، عندما يصعب عليه توفير لقمة العيش لعياله!:(( عجبت لأنسان كيف لا يشهر سيفه عندما لا يجد رغيف خبز في بيته)).فالصحابي الجليل يدعوهنا الى الثورة والأنتفاضة في مضمون قوله!، عندما مس الجوع والحاجة جدران بيته، حتى صعب عليه توفير رغيف الخبز ولقمة العيش لعائلته. فما بالك بأهل هذه المحافظات التي مسها الخوف والجزع والفقر والحاجة والمرض والفاقة والعوز، ودبت فيهم آفة الفساد بكل أشكالها وأنواعها، فهل يلامون أذا ثاروا وأنتفضوا وكسروا وحرقوا؟ وأي انسان له ضمير حي يعتب عليهم؟. أرى وقد يتفق معي لربما الكثيرون بأن الجماهير المنتفضة معهم كل الحق فيما صدر منهم!، وعلى الحكومة والأحزاب السياسية ان تقدر وتتحمل كل ردود أفعالهم، لأنهم هم من كانوا السبب وراء ثورتهم وأنتفاضتهم!!.نعود الى صلب الموضوع: فقد سبق لهذه المحافظات الجنوبية أن أنتفضت عام 1991 أبان حكم الرئيس السابق (صدام حسين)، والتي اطلق عليها الأنتفاضة الشعبانية، وبعيدا أن كانت مدعومة من جهات أقليمية خارجية أم لا؟، فأنها أستطاعت أن تسقط كل محافظات العراق استثناء من محافظات( الموصل وديالى وتكريت والرمادي) وقد رافق تلك الأنتفاضة الكثير من أعمال العنف والحرق والدمار والنهب والتي لا تقارن بما قام به متظاهروا اليوم! والكثيرين من العراقيين يتذكرون ذلك جيدا. وصارالكثير من قادة تلك الأنتفاضة وزعماتها قادة العراق اليوم؟!. ولم تكن أنتفاضة الجماهير حينها بسبب الجوع والفقر وأنقطاع الماء والكهرباء!؟ بقدر ما كان مضمونها طائفي بأمتياز!؟، وأتضح ذلك من خلال شعارات وهتافات المنتفضين (ماكو ولي ألا علي نريد حاكم جعفري!). المفارقة الغريبة والعجيبة أن نفس هذه المحافظات وبعد 27عام تنتفض هذه المرة وهذا اليوم ولكن على قيادات وزعامات الأنتفاضة الشعبانية عام 1991 وعلى الزعيم الجعفري نفسه؟!، وهي تردد هتافات (لا جعفري ولا حكيم رجعونه واوينا القديم!!)، وكأن لسان حالهم يقول: (ليت جور بنوا مروان عاد لنا، وليت عدل بنوا العباس في النار!). أرى بأن على الأحزاب السياسية وتحديدا الشيعية منها ان تراجع نفسها وترى ماذا قدمت للشعب بعد 15 عاما؟؟!. ولا بد لي هنا أن أحيي شجاعة الزعيم السياسي هادي العامري الذي قدم أعتذاره للشعب وطلب العفو منهم ولم يطالب بمنحهم فرصة أخرى!، في حين لم يجرأ أحد أن بادر بذلك من كل القيادات والزعامات السياسية الشيعية والسنية والكردية منها والذي يعرف القاصي والداني بأنهم وراء كل ما وصل أليه العراق من خراب ودمار. اخيرا أقول: لربما قد تهدأ التظاهرات وهذه الأنتفاضة، بسبب الحلول الترقيعية التي أقدم عليها رئيس الحكومة!، لكن على جميع الأحزاب السياسية وتحديدا الشيعية منها! أن تراجع نفسها بشيء من الصدق والجدية والواقعية والأنسانية فالقادم سيكون مرعبا مهولا!، أذا أستمروا بنفس سياساتهم، ولات ساعة مندم!.