18 ديسمبر، 2024 8:15 م

انتفاضة الأهوازيين وعموم الشعب الإيراني

انتفاضة الأهوازيين وعموم الشعب الإيراني

بدأت الانتفاضة هذه المرة في (الأهواز) أو (الأحواز) ذات الأغلبية العربية، وامتدت إلى طهران ومناطق كثيرة من إيران، فوجدنا في تظاهرات الأهوازيين تشابها كبيرا بين هتافاتهم وهتافات التظاهرات العراقية، ومن هتافاتهم المركزية «بالروح بالدم نفديك يا أهواز»، أما الهتافات المركزية في المناطق الناطقة بالفارسية فهي «مرگ بر أصل ولايت فقيه» وتلفظ «مرگ بر أسل ڤلايت فقيه»، وتعني (الموت لمبدأ ولاية الفقيه)، وكذلك «مرگ بر جمهوريَ إسلامي» أي (الموت للجمهورية الإسلامية) وكذلك «مرگ بر دكتاتور» أي (الموت للديكتاتور).

وكانت الانتفضات السابقة ضد حكم المعممين أو الملالي قد انطلقت غالبا في طهران والمناطق الناطقة بالفارسية والركية الآذرية.

البعض من العراقيين راحوا يضفون صفة قومية عروبية على انتفاضة الأهواز، ويسمونها (الأحواز)، وسأتناول لاحقا موضوع الاسم، ويعتبرون الأحواز خاضعة للاحتلال الفارسي، ويدعون إلى عودة خوزستان (عربستان) إلى العراق.

صحيح بعض المنتفضين الأهوازيين ينطلقون من منطلق قومي، وأتصور هم أولئك الذين يحملون العلم بنفس ألوان أعلام العراق وسوريا ومصر، مع نجمة واحدة في الوسط، وهذا ما اعتمدته اليمن كذلك في مرحلة من المراحل، على ما أتذكر في فترة ما سمي بـ (الاتحاد العربي) كاتحاد فيدرالي بين الجمهورية العربية المتحدة واليمن في عهد جمال عبد الناصر.

وإذا كانت خوزستان تحت الاحتلال، فهكذا يمكن القول عن كردستان إيران وأذربايجان إيران وغيرها، ولذا دعا شريعتمداري بعد نجاح ثورة الخميني إلى جعل إيران دولة فيدرالية، على غرار الولايات المتحدة وألمانيا، لأنه اعتبر – وربما بحق إلى حد كبير – إن إيران تتكون من عدة شعوب، فجوزي بالإقامة الجبرية في داره حتى وافاه الأجل، وهذا ما فعله نظام خميني مع عالمين دينيين آخرين هما حسينعلي منتظري ومحمد الشيرازي.

وأسأل الذين يدعون إلى انفصال خوزستان عن إيران، لماذا ترفضون إذن انفصال كردستان عن العراق؟ فهل وحدة العراق مقدسة عندكم، ولا يجوز للإيرانيين، أقصد الشعب لا النظام، أن يعتبروا وحدة إيران هي الأخرى مقدسة عندهم؟ أقول هذا بالرغم من أني لا أرى الأرض مقدسة بقدر ما يجب أن يكون الإنسان مقدسا، هو وحرياته وحقووقه. ثم إن الشعب العراقي يعاني من الطبقة السياسية المهيمنة على العراق منذ ٢٠٠٣، والمفروض أننا نحب لسائر الشعوب ما نحب لشعبنا، فإذا كنا نتطلع إلى تحرير شعبنا من حكم هذه الطبقة، فلماذا نريد إخضاع شعب عربستان لها أيضا ليكونوا شركاءنا في المعاناة، أو ليتخلصوا من معاناة إلى معاناة من لون آخر؟ ثم ما زالت الطبقة السياسية لم نتخلص منها، وبقيت هي الممسكة بالشأن السياسي، ومعظمها من الولائيين، فحتى لو سلمنا بأن خوزستان جزء من العراق، وإن غالبية سكانها يريدون العودة إلى العراق، فهل سيسمح الولائيون بذلك، وهم الذين يشاركون الآن الحرس الثوري الإيراني في قمع الأهوازيين؟

ثم لو أوتي لخوزستان أو عربستان التحرر من نظام الجمهورية الإسلامية، فخير لشعبها أن يؤسس دولته العلمانية الديمقراطية، من أن يكون جزءً من العراق في وضعه الحالي، ونحن لما نزل متى سيتحقق التغيير الذي نتطلع إليه.

ثم أريد أن أناقش موضوع الاسم؛ الأهواز أم الأحواز، كما وأريد أن أناقش الذين يعتبرون عربستان جزءً من العراق، ويجب أن تعاد تابعيتها للعراق.

بالنسبة للاسم فليس هناك ما يرجح ما إذا كان الاسم الأصلي هو الأحواز (جمع حَوْز بمعنى الحيازة)، أو ربما أصلها (الأحواض)، وجعلها الفرس (الأهواز)، أو إن الاسم الأصلي الأهواز، جمع (هوز) وهي كلمة عربية أيضا بمعنى الموت، فحورها عرب المنطقة إلى (الأحواز). وفي كل الأحوال فهذا أمر ثانوي جدا، ولكن للأسف راح البعض يجعله قضية مركزية. فماذا لو قيل إن بغداد هي كلمة فارسية الأصل كما يذهب الكثيرون إليه وهناك ما يرجح هذا الاحتمال، وأصلها (باغداد) وهي كلمة مركبة من (باغ) بمعنى بستان بالفارسية، و(داد) مشتق من الفعل (دادن)، أي (أعطى، يعطي). فهل إذا ثبت أن اسم بغداد فارسي الجذر يبرر لاعتبارها مدينة فارسية؟

ثم حتى لو نسلم بأن عربستان أو خوزستان كانت جزءً من العراق، فالكويت كانت أيضا جزءً من العراق، بل يذهب البعض إلى أن دول الخليج كالإمارات وقطر والبحرين كانت عراقية، ومنطقة الحياد التي أهديت للسعودية غير محسوم كونها عراقية أم سعودية، والأسكندرونة كانت جزءً من سوريا، ويبدو أن البوكمال عراقية، ودليل ذلك عامية أهلها التي لا تختلف عن العامية العراقية، ويمكن القول إن الموصل ربما تكون سورية، لأن العامية الموصلية أشد شبها بالعامية السورية أو الشامية عموما منها إلى العراقية، باستثناء لفظ الموصليين للقاف بدل تحويله إلى الهمزة كالشاميين.

ثم الكثير من الإيرانيين يدّعون أن العراق هو بالأصل جزء من إيران، لأنه كان لمئات السنين تحت الحكم الفارسي.

لذا أقول إعادة النظر في حدود الدول، وتابعية أي جزء حدودي لهذه أو تلك الدولتين المتجاورتين، لا يعني إلا إشعال الحروب، كما حاول صدام احتلال الكويت وعدها محافظة تاسعة عشر، بينما عبد الكريم قاسم اعتبرها قضاءً من أقضية البصرة.

القضية ليست قضية منطقة عربية أو ذات أكثرية عربية خاضعة لاحتلال فارسي، بقدر ما هي قضية خضوع الشعب الإيراني، من فرس وآذريين وكرد وعرب وبلوچ ولور وبختيارية وطالش وگيلك ومازدرانيين تحت ديكتاتورية نظام إسلامي وطائفي متطرف قمعي دموي يضطهد كل القوميات بلا استثناء، وقضية معاناة المنطقة برمتها من تدخلات هذا النظام ومحاولات توسيع نفوذه على حساب مصالح الشعوب وحريتها وسيادتها وأمنها واقتصادها.