18 نوفمبر، 2024 2:39 ص
Search
Close this search box.

انتفاضات العراق!

انتفاضات العراق!

لم تختلف مطالب العراقيين على مدى أكثر من نصف قرن فهي متشابهة في الهدف و المضمون و تنوع الشخوص، لكنها ايضا متوافقة في طريقة التعامل الحكومي معها ، فالجميع ينظر اليها بعين سلطة الحاكم و يتعامل معها بقسوة السلاح بعيدا عن المعلن من حسن النوايا و الحلول السلمية.
وما يجري في الانبار حاليا لا يختلف على الاطلاق مما حدث في انتفاضة الجنوب، الشعب يثور دفاعا عن حقوقه و الحاكم  يفرض سيناريوهات  الحل و أسلوب التدخل و ملفات طويلة من التخوين و شق عصا الطاعة و الخروج على ولي الأمر، رغم أن هذا الأخير لا أمر له الا بقمع شعبه، و تخريب أواصر التواصل الاجتماعي ناهيك عن حرق الموارد و تلغيم العلاقات الاجتماعية، فالهدف كان و سيبقى كرسي الحكم بأعلى الخسائر.
والمشكلة الأخطر ان صاحب القرار هو الذي يكتب التاريخ و ينشر بين خطوطه ما يحلو له من أوصاف و تسميات، لذلك يشتركون بمهمة صناعة الأعداء و محاربة الأشباح، و تحميل المواطن أكثر من قدرة الجبال، يصادرون الحقوق و يؤسسون لفتنة طائفية محسوبة النتائج لصالح الحاكم و ضد مصلحة البلاد و العباد، لذلك يطلقون نفس الأصوات و يتحدثون بذات اللهجة من ” غوغاء الى صفحات غدر و خيانة” وغيرها من مفردات تثبت عجز الحاكم عن معرفة مظالم الناس و العمل على تنفيذها قبل اعلان ساعة الصفر الشعبي.
 يتحدثون عن انتفاضة أهل الانبار بطريقة مستنسخة حتى بالعناوين عما جرى في الانتفاضة الشعبانية و غيرها، وكأنهم يقرأون التاريخ بالمقلوب، أو لأنهم يشعرون باهتزاز الكراسي عندما خرج الشعب عن صمته، فلا يوجد في الانبار ارهاب بالصورة التي يتحدثون عنها ولم تكن الانتفاضة الشعبانية صفحة ايرانية مثما تم التسويق لها قبل 30 عاما،  فالحقيقة مختلفة في عقول العقلاء فقط، بينما هي مشوهة أو مرتبكة في اذهان صاحب القرار ، فالشعب ثار على ظلم واحد، لا علاقة له بطائفة الحاكم و لا جغرافية الحدث.
بالأمس قالوا ان الحاكم تمادى في ضرب المشاركين في الانتفاضة الشعبية، و اليوم يسكتون على فلسفة القوة التي يتم التعامل بها مع المحتجين ، بعد سنة ثقيلة من المطالب و نداءات المحافظة على كرامة الناس، فهل تنتظر سنوات أخرى كي تتحول الى حقوق دستورية يكفلها الدستور، مثلما حدث مع الانتفاضة الشعبانية و مطالب  حلبجة رغم ضبابية ما حولها من معلومات!!، لماذا يجانبون الحقيقة في التعامل مع أزمة الانبار، التي لم تكشف عن تدخل خارجي بالمعنى الذي يسوق له المطبلون لكل زمان و مكان، مثلما لم يشترك أبناء العشائر في نهب موارد الدولة أو تحطيمها رغم خروقات غير مقبولة هنا أو هناك.
 ورغم الرفض المطلق لأية محاولة تستهدف شرعية قوات الجيش و الشرطة المحلية و واجب مساندتها بوجه كل جهد يستهدف وحدة العراق و أخوة شعبه، فان من الانصاف عدم التعامل بمزاجية مثقلة بالهموم الشخصية مع المطالب هنا أو هناك باستغلال فلسفة القرار بتفسير طائفي ، لا فرق بين منتفض عراقي في البصرة أو الانبار أو في ديالى فالجميع يتقاسم الهم ذاته، ويخضع لقائمة طويلة من الضغوط و الممارسات التي لا تؤسس لدولة مستقرة أو متحضرة.. اهمال مفتوح لمطالب المواطنين و حاجتهم الى حياة كريمة آمنة و مستقرة يمارسون فيها حياتهم كعراقيين لا لاجئين من درجات متباعدة!!
 عراقيون يبحثون بشق الأنفس عن الأقل من حقوقهم ومع ذلك يبالغ الحاكم في تقنينها و كأن مفروض عليهم بقدرة قادر،  فيما الصحيح أن ظروف اللاوعي رمت به الى المكان غير الصحيح، فلا أهل الانبار كانوا سينتفضون ضد الحكومة الحالية و السابقة و غيرهما لو أن حقوقهم قد تحققت، ولم يكن الشعار الطائفي أو المناطقي يافطة يتغنون بها، و الحال متشابه تماما مع اهل البصرة ، الذين يرفعون الصوت عاليا بوجه الطغيان و التدخل الخارجي وزحف مواقف الحكم على بطونها المترهلة اصلا.
 و تتشابه حقوق أهل الانبار و ديالى وأربيل، فالشعب في واد  و اصحاب السلطة في مكان أخر، ما يستدعي انتصارا سريعا للحقيقة و الخروج من عباءة الحاكم باسرع من ذلك، لأن المستهدف هو استقرار العراق و أخوة شعبه، ولن يكون تصريح نائب رئيس الاركان الايراني الجنرال محمد حجازي بعيدا عن ذلك عندما أعلن استعداد بلاده لتزويد العراق بما يحتاجه من سلاح في معركة الانبار، فالمهم قتل أكبر عدد ممكن من العراقيين وبناء اسيجة عزلة انسانية تزعزع أخوتهم العربية، بينما ينام المسؤول العراقي و يصحو على قراءة للاحداث بنصف عين!! فمن أين يأتي الفرج ؟ سؤال تتحمل مسؤولية عدم التعجيل بالاجابة عليه كل المرجعيات الدينية و السياسية و اصحاب الحكمة في عراق التاريخ لا فلسفة قوة الردع المذهبي!!
رئيس تحرير ” الفرات اليوم”
[email protected]

أحدث المقالات