التجربة الديمقراطية العراقية تجاذبتها فلسفتين، أولاهما فلسفة شخصنة التجربة، وجرها الى ممارسة سلطوية بلباس ديمقراطي، بينما الفلسفة الثانية تقوم على نقيض الاولى، وهي فلسفة بناء الدولة، تقوم الفلسفة الاولى على اعتماد المصلحة الشخصية، ومكسب الحزب الحاكم في اَي استحقاق أو سلوك سياسي بما فيها ما يرتبط بمصير التجربة الديمقراطية برمتها، بينما قامت الثانية على اعتماد الحفاظ على التجربة الديمقراطية من الانحراف وان أدى ذلك الى بعض الخسائر السياسية هنا وهناك .
الانتخابات هي المعيار الرئيس لقياس ديمقراطية اَي تجربة، وان كان هنالك معايير اخرى الى جانبه كمشروعية سلوك السلطة وغيرها، الا انها تبقى المظهر الابرز على ديمقراطية النظام، اذ مهما كثرة العقبات في طريق اجراء الانتخابات، يجب إجراءها لضمان ترسيخ أسس الديمقراطية في مجتمع غير ديمقراطي، وهذا احد أسباب تأكيد المرجعية والشعب على اجراء الانتخابات في موعدها، وبسبب الأزمة الاقتصادية جرى الحديث عن إمكانية دمج الانتخابات البرلمانية والمحلية في انتخابات واحدة، حفاظاً على الأموال، اذ تحتاج كل عملية انتخابات الى قرابة ( ٣٥٠ ) مليون دولار، وهو الامر الذي لا تحتمله الموازنة العراقية .
مررنا بمعركة وجودية أنهكت الشعب وحكومته اقتصادياً، وهو حال جميع الحروب، اضطر الحكومة الى اجراء استقطاعات عديدة من رواتب الموظفين، بحجة دعم المعركة والمقاتلين والجهد العسكري، وهو امر لا يستطيع الاعتراض عليه أحد، لان المعركة معركة الجميع والوطن وطن الجميع .
استمرار الاستقطاعات في موازنة ٢٠١٨ امر غريب، وان كان بحجة الإعمار، لان ما يتم استقطاعه لا يعمر بالنتيجة المدن التي تدمرت، لضخامة المبالغ التي يحتاجها الإعمار، وهو الامر الذي يؤكده السلوك الحكومي، من خلال التأجيل العملي للانتخابات المحلية، وهو الامر الذي يناقض أطروحة الأزمة الاقتصادية، لنكون امام تحليلين؛ أولهما ان الأزمة الاقتصادية عبارة عن اكذوبة، وهو تحليل قد لا أميل له، اما ثانيهما ان مصلحة الحزب الحاكم تم تقديمها على المصلحة العامة مرة اخرى لأسباب؛ انهم لم يستطيعوا ان يكملوا قوائمهم، لانخفاض مقبوليتهم وعدم اقبال المرشحين عليهم، وهذا سيجعلهم امام أزمة انتخابية حقيقية من جهة، وإعطاء فرصة اخرى لمجموعة من الشخصيات التي يعلمون انها لن تصل الى قبة البرلمان، لانخفاض مقبوليتها، فيعاد إنتاجها في الانتخابات المحلية من جهة اخرى، ليتم اعادة تدوير شخصيات سياسية مرفوضة بانتخابات تجري على حساب الشعب !.