22 ديسمبر، 2024 1:06 م

انتخابات مكررة أم مبكرة

انتخابات مكررة أم مبكرة

طالب شباب انتفاضة تشرين 2019 بانتخابات مبكرة على أمل تحقيق تغيير ملموس ووضع البلد على سكة التقدم والخلاص من الطائفية ومظاهر التعفن لعملية سياسية تصاعدت رائحتها القذرة لتزكم الأنوف ولم يحصد منها الشعب العراقي سوى الخيبات والفشل والفساد والضحك على الذقون .
تمكنت قوى الأحزاب الإسلامية الحاكمة وشركائهم من المماطلة وتفريغ مطلب الانتخابات المبكرة من محتواها الحقيقي حيث ان الانتخابات الحالية ستجري قبل حوالي ستة الشهر من الموعد الاعتيادي لا أكثر ولا اقل أي إن حقيقتها ليست انتخابات مبكرة على أية حال كما إن هذا المطلب ارتبط بمجموعة مستلزمات طالبت بها الانتفاضة منها تفعيل قانون الأحزاب المجمد عمليا والذي ينص على كشف مصادر تمويل الأحزاب وكذلك طالبت الانتفاضة بمنع مشاركة الفاسدين واللصوص في الترشيح للانتخابات وكذلك حصر السلاح بيد الدولة وإيقاف نشاط المليشيات المسلحة ومنع مشاركتها في الانتخابات كما وهناك جانب آخر يتعلق بفساد مفوضية الانتخابات التي ثبت مشاركتها في تزوير انتخابات عام 2018 وكذلك المطالبة بقانون انتخابي جديد يضمن فرص متكافئة للمرشحين
الأسئلة المطروحة إذن هل تحققت هذه الشروط والجواب طبعا كلا لم يتحقق أي منها إضافة إلى المطالبة بالإشراف الدولي لعدم ثقة الشعب بالجهات المشرفة على الانتخابات والمتحكمة بزمام الدولة والمال والسلاح وما الذي سيختلف هذه المرة عن عمليات الانتخابات المزيفة السابقة وخاصة انتخابات عام 2018 التي قاطعها الشعب العراقي ولم تتجاوز نسبة المشاركين العشرين بالمائة ولكن لا يمكننا ان نتغافل عن بعض الفوارق فهناك هرجه إعلامية كبيرة لتسويق الأكاذيب والمزاعم حول ضمان شفافية ونزاهة الانتخابات ولا ندري كيف ؟! كما إن البرلمان الحالي بعيد كل البعد عن تمثيل مصالح الناس وفشل فشلا ذريعا وعجز عن اصدار قانون واحد يخدم الشعب او يعالج المصائب المستمرة والنواب ليسو سوى ثلة طفيلية نفعية غارقة بالامتيازات .
نلاحظ مواصلة رئيس الوزراء الحالي حملته في إطلاق الوعود الكاذبة وهويعتقد واهما بان الجماهير تنسى أكاذيبه السابقة وتدعي أبواقه بان مهمة حكومته هي فقط القيام بانتخابات مبكرة فأين أصبحت إذن وعوده في محاكمة قتلة شباب الانتفاضة في حين نجد أن الاغتيالات مستمرة وأين هي أجواء الأمن والاستقرار اللازمة لإجراء انتخابات نزيهة في وقت تعترف الحكومة بعظمة لسانها باستخدام أجهزة الدولة وأموالها في الدعاية الانتخابية من قبل فاقدي الشرعية من العناصر الفاسدة المتنفذة وليس هذا فحسب بل نجد وقاحة الحاكمين تصل درجة محاولة إعادة تسويق عناصر مجرمة مسئولة عن تسليم ثلث البلد لداعش وتبذير المليارات من ميزانيات انفجارية طيلة ثماني سنوات من استيزاره إضافة إلى محاولة إعادة تسويق الوجوه الفاسدة الكالحة القبيحة القديمة من قبل كافة الكتل تلك الوجوه التي عجزت أنظمة الحكم المتعاقبة عن محاسبتها وإيداعها السجن .
إن المتوقع أن لا تكون مقاطعة انتخابات الشهر القادم اقل من مقاطعة انتخابات عام 2018 مما يعني إن البرلمان القادم لن يكون أفضل من البرلمان الحالي الفاقد للشرعية رغم المحاولات اليائسة للإسلام السياسي الحاكم ومعه القوميون الشوفينيون وشتى الفاسدين الذين يحاولون تزييف إرادة الشعب عبر تشكيل أحزاب كارتونية “مدنية” مزيفة لإيهام الناس بمصيرية ! هذه الانتخابات كما إن المقاطعة هذه المرة منظمة وديناميكية وتشترك فيها ليس معظم القوى التشرينية فحسب بل القوى الديمقراطية العلمانية وأحزاب عريقة علمانية تقدمية والمقاطعة ليسن سلبية بل تستهدف رفع وعي الجماهير وفضح الخداع والتضليل الذي تمارسه القوى الفاشلة المهيمنة على مصير ومقدرات العراق والتي لا تؤمن بالديمقراطية أصلا بل تمرست طيلة الخمسة عشر سنة الماضية بأساليب الكذب والتضليل وحرفت بنود الدستور وتنكرت لمعظم مواده وشوهت محتواه بالحكم الطائفي و المحاصصة .
تلجأ الأحزاب الحاكمة والحكومة الحالية إلى عملية تشويه ممنهجة لانتفاضة تشرين متجاهلين جوهرها الحقيقي كانتفاضة شعبية شبابية انطلقت بسبب المعاناة والفقر والظلم الذي تعاني منه الشريحة المليونية للشباب رافعين شعارات معبرة رائعة ك “تريد وطن”
و” نازل اخذ حقي ” أو ” باسم الدين باكونا الحراميه ” فمرة يتهمون التدخل الخارجي بوقوفه خلف اندلاع الانتفاضة متناسين بانهم جاؤوا ونصبوا من قبل الأجنبي المحتل وأصبح الكثير منهم الآن ذيولا “للأرجنتين” كما ويتهمون دول الخليج المستفيدة من حكمهم بتمويل الانتفاضة في نجد رموزهم في زيارات متكررة لدول الخليج لاستلام الأموال والعطايا مقابل إفشال ميناء الفاو مثلا أو إيقاف عجلة أي تقدم صناعي أو زراعي للعراق و تستهدف هذه الأحزاب الفاشلة تكريس بقاؤها في الحكم ، كان هدف الانتفاضة تحقيق التغيير المنشود عبر الانتخابات المبكرة وعند فشل الحكومة في توفير الأجواء الأمنية والاجتماعية المطلوبة لذلك توجه معظم شباب الانتفاضة إلى مقاطعة الانتخابات ليس لعدم الإيمان بالعملية الانتخابية بل لإدراكهم الوعي لعدم تغيير هذه الانتخابات الوضع المزري الحالي ولا ينبغي أن ننسى بان البرلمان ليس هو الطريق الوحيد للتغيير كما أثبتت انتفاضة تشرين الباسلة بتضحياتها الجسام وان مقاطعة الانتخابات هو أيضا إيفاء لدماء الشهداء التي عجزت الحكومة عن محاكمة قتلتهم .
تحاول أجهزة السلة التهريج ورفع أهمية مشاركة بضعة مئات من المراقبين الدوليين في حين كانت المطالبة بإشراف دولي لعدم ثقة الناس بالأجهزة الحكومية والمفوضية في منع التزوير إن لم نكن متواطئة معه وتناست أجهزة السلطة وجود مراقبين في معظم عمليات الاقتراع السابقة والمراقبة لم ولن تمنع التزوير وكانت ممثلية الأمم المتحدة في العراق شاهدة زور تزكي بشكل كاذب نزاهة انتخابات مزورة في الدورات السابقة والمعروف ان التزوير وصل حدودا غبر معقولة حتى بمقاييس دول العالم الثالث ولو كانت لدينا عملية انتخابية نزيهة عام 2018 أو قبلها في عام 2014 لتخلص الشعب العراقي من هذه الفئات الرثة والقاها قي مزبلة التاريخ كما حصل مؤخرا لحزب الإخوان المسلمين في المغرب
الخلاصة إن هذه الانتخابات لن تختلف عن سابقاتها وهي تكرار لنفس الأساليب الفاشلة السابقة في تزوير إرادة الناخبين وشراء الأصوات والتهديد بسلاح المليشيات ونتائجها معروفة مسبقا في إبقاء نفس الطبقة الفاسدة التي انتهى مفعولها منذ زمن طويل في الحكم عير الصفقات وتقاسم المناصب والمنافع بعيدا عن أرادة الشعب المحروم من ابسط مستلزمات الحياة الكريمة والخدمات الأساسية من الماء والكهرباء والسكن اللائق والمستشفيات الصحية والتعليم المتوائم مع القرن الواحد والعشرين ومحاربة البطالة التي تجبر مئات الآلاف من الفقراء البحث عن معيشتهم بين المزابل في وقت تترفه مجموعة من عصابات السراق بالحكم وتواصل نهب خيرات البلد عبرسرقة النفط العلنية و اللجان الاقتصادية والمشاريع الوهمية والاستثمارات الكاذبة ومزاد العملة المشبوه دون وازع ضمير .
ان الخلاص من هذه الطغمة المتسلطة يعتمد على إرادة ووعي الجماهير وخاصة جيل الشباب الذين اثبتوا استعدادهم للتضحية والثبات للخلاص من هذه الزمرة الحاكمة وواهم من يعتقد بانطفاء جذوة انتفاضة تشرين طالما إن الحاكمين عاجزين عن تحقيق أي تغيير والمقاطعة هي وسيلة لنزع الشرعية المجتمعية عن هذا الهزيل وسقوطه حتمية تاريخية .