تأتي الانتخابات الرئاسية المقبلة في الجزائر وتونس في ظل توترات سياسية كبيرة واتهامات بممارسات غير ديمقراطية. وفي كلا البلدين، يثير استبعاد مرشحي المعارضة تساؤلات حول نزاهة العملية الانتخابية وفعالية التدابير الخاصة التي تهدف إلى تأمين هذه الانتخابات.
لقد شابت الانتخابات الرئاسية الجزائرية المقرر إجراؤها في السابع من سبتمبر 2024 مزاعم بممارسات غير ديموقراطية وعادلة. ويتنافس ثلاثة مرشحين فقط، بمن فيهم الرئيس الحالي عبد المجيد تبون، بعد استبعاد 13 مرشحًا محتملًا. وقد أدى هذا التضييق في المنافسة إلى اتهامات بنظام انتخابي مزور مصمم للحفاظ على الوضع الراهن، حيث أكدت شخصيات معارضة أن الحكومة تعمل بشكل منهجي على تحييد وعزل الأصوات المعارضة..
وقد أفادت الهيئة الوطنية المستقلة للانتخابات بوجود ديناميكية إيجابية في تسجيل الناخبين، لكن الافتقار إلى الاختيار طغى على هذه الادعاءات. ويزعم المحللون السياسيون أن النظام الحالي يستخدم آليات قانونية وقضائية لقمع أصوات المعارضة، مما يخلق فعليًا واجهة للديمقراطية مع تعزيز قبضة السلطة على الوضع الراهن.
كما تكثفت الإجراءات الأمنية في الفترة التي سبقت الانتخابات، حيث زعمت السلطات أنها أحبطت مؤامرات مزعومة تهدف إلى تعطيل العملية الانتخابية. وقد تم تأطير الاعتقالات الأخيرة للأفراد المرتبطين بأنشطة إرهابية مزعومة في إطار رواية التهديدات والمؤامرات الخارجية، وخاصة من المغرب، مما يبرر الإجراءات القمعية التي اتخذتها الحكومة. ويزعم المنتقدون أيضا أن هذه التدابير لا تؤدي إلى خنق المنافسة السياسية فحسب، بل إنها تنتهك الحريات المدنية أيضاً، مما يثير الشك حول إمكانية إجراء انتخابات حرة ونزيهة..
أما في تونس، فإن المشهد السياسي محفوف بالمخاطر بنفس القدر. فالانتخابات المقبلة في السادس من أكتوبر 2024، تجري في ظل ترسيخ الرئيس قيس سعيد المثير للجدل لهيمنته على السلطة . فمنذ حل البرلمان في عام 2021 وحكمه بفصول المراسيم، فكك قيس سعيد العديد من المؤسسات الديمقراطية التي أنشئت بعد ثورة 2011. وقد أدى هذا إلى تراجع كبير في الحكم الديمقراطي، حيث ينظر الكثيرون إلى ممارساته المتسرعة على أنها “انقلاب ذاتي” يقوض أسس النظام السياسي التونسي..
يتميز المشهد السياسي الحالي بتقييد شديد للحريات المدنية، بما في ذلك قمع المعارضة واستهداف السياسيين البارزين. فقد واجهت حكومة قيس سعيد انتقادات بسبب إجراءاتها الاستبدادية، والتي شملت إصدار مذكرات اعتقال دولية للمنتقدين المقيمين في الخارج واستخدام قوانين غامضة لإسكات أصوات المعارضة..
وتُعَد الانتخابات الرئاسية المقبلة بمثابة اختبار حاسم للديمقراطية في تونس، مع دعوات للعودة إلى المعايير الديمقراطية واستعادة السلطة البرلمانية. ومع ذلك، فإن أجواء التوجس والقمع السائدة تثير المخاوف بشأن شرعية العملية الانتخابية وقدرة المواطنين على التعبير بحرية عن إرادتهم السياسية..
إن استبعاد مرشحي المعارضة في كل من الجزائر وتونس يشكل عاملاً حاسماً يقوض من دون شك مصداقية العملية الانتخابية في البلدين على حد سواء. ففي الجزائر، أدى رفض العديد من المرشحين إلى الافتقار إلى البدائل القابلة للتطبيق للناخبين، مما عزز التصور بأن الانتخابات محددة سلفاً لصالح الرئيس الحالي قيس سعيد. ويتفاقم هذا الوضع بسبب رواية الحكومة للتهديدات الخارجية، والتي تعمل على تبرير تدابيرها القمعية وتشتيت الانتباه عن المعارضة الداخلية..
وفي تونس، يتسم المناخ السياسي بالقيود على نحو مماثل، حيث تستخدم حكومة قيس سعيد تكتيكات لتهميش أصوات المعارضة. ولا يؤدي غياب المجال الانتخابي التنافسي إلى تقليص ثقة الشعب في العملية الانتخابية فحسب، بل ويهدد أيضا بتنفير المواطنين من المشاركة السياسية تماما. ويشير تراجع المعايير الديمقراطية في كلا البلدين إلى أن التدابير الخاصة التي تم تنفيذها لتأمين الانتخابات قد تفشل في نهاية المطاف في تحقيق الهدف المقصود منها، حيث يُنظر إليها على أنها أدوات للقمع وليس جهودا حقيقية لتعزيز المشاركة الديمقراطية..
إن الانتخابات الرئاسية المقبلة في الجزائر وتونس تسلط الضوء على حالة الهشاشة التي تعيشها الديمقراطية في بعض دول شمال أفريقيا. إن استبعاد مرشحي المعارضة وتنفيذ تدابير أمنية صارمة يثيران مخاوف كبيرة بشأن نزاهة العملية الانتخابية في كل من البلدين. وبينما تستعد الجزائر لانتخاباتها في السابع من سبتمبر وتتطلع تونس إلى السادس من أكتوبر، فإن مدى نجاح هذه التدابير الخاصة في تعزيز العملية الديمقراطية الشرعية يظل غير مؤكد ومثيرا للشكوك والمخاوف. وسوف تعتمد المسارات السياسية في كل من البلدين إلى حد كبير على قدرة مواطنيهما على التعامل مع هذه الأوضاع الصعبة وتأكيد حقوقهم الديمقراطية في ظل الاستبداد المتصاعد.