يقول اوليفر هيفيسايد وهو مهندس كهرباء بريطاني “هل أرفض دعوة على عشاء فاخر لمجرد اني لا أفهم آلية الهضم؟” كذا الحال بالنسبة لمن يروج لمقاطعة الاستحقاق الانتخابي القادم، بحجة أنه سيكون قائما على التزوير والاستغلال، لإعادة تدوير الوجوه التي لم تقدم شيئا منذ دخول التجربة الديمقراطية للعراق، والذي أحدث خللا فكريا كبيرا، فالشعب واجه مصاعب كبيرة وفادحة في هضم النظام، وكافة التفاصيل المنبثقة عنه، واهمها الانتخابات النيابية، والتي تضمن للفرد وجود ممثل له في السلطة التشريعية، ولكن الحق ربما يميل لهذا الفرد، الذي جرب ولاكثر من مرة صناديق الاقتراع، لكن الأعم الأغلب من النواب الذين حالفهم الحظ بالفوز، لم يكونوا موفقين في إيصال صوت هذا الفرد، وتمثيله بالشكل الذي يُلبي احتياجاته من قوانين ورقابة وكافة المهام المناطة بهم، ليكون الحال اليوم (لن انتخب الفاسدين، وسنقاطع صناديق التزوير) تلك الحالة المأساوية التي تهدد ثقة الفرد بالعملية الانتخابية من جهة، وتهدد بقاء النظام الديمقراطي الذي دفع العراق تضحيات جمة من أجل الوصول إليه.
ما هي ضمانات إجراء انتخابات حرة ونزيهة..؟
لا يختلف اثنان، على أن التجارب الانتخابية السابقة، شابتها الكثير من الشبهات، تارة بسبب السلاح المنفلت والمال السياسي، وأخرى بسبب سياسة الضغط على إرادة الناخبين واستغلالهم، وصولا لتزوير الأصوات عبر النفوذ الذي مكّن البعض من السيطرة على مراكز الاقتراع، لينتج لنا فجوة واسعة وكبيرة وأزمة ثقة في العلاقة بين الشعب والقوى السياسية، ولكن الأمر الذي يدعو إلى التفاؤل في انتخابات تشرين ٢٠٢١، إن الأساليب المتبعة والتي جاءت بفضل تضحيات حراك تشرين، تبشر بالخير في إنتاج معادلة شفافة ونزيهة، بعيدا عن التدخلات التي عاثت بالديمقراطية وعبثت بمصلحة الفرد، من أجل المكاسب والمطامع الشخصية، وأبرز تلك الأساليب اعتماد قانون انتخابي جديد، بمفوضية وإجراءات جديدة وشفافة ومعلنة، وفق رقابة محلية وأممية واسعة، ناهيك عن تطمينات الحكومة والمفوضية، بصون الاستحقاق الانتخابي، والحفاظ عليه قدر الإمكان، بعيدا عن أساليب التجارب السابقة، والتي أفرزت نتائج غير منطقية، سيما وأن الأساليب المتبعة سابقا، كانت توفر الفرص المناسبة على طبق من ذهب، للقوى المتنفذة بالتحكم بصناديق الاقتراع، حتى لو وصل الحال إلى حرق المخازن كما حصل في ٢٠١٨، اما الأساليب المتبعة حاليا، فهي أقرب انسجاما للواقع، سيما وأنها تعتمد بطاقة ناخب بايومترية بالإضافة إلى أجهزة انتخاب مطورة، ونتائج أولية تعلن خلال ٢٤ ساعة وفق تعهدات الحكومة والمفوضية، الأمر الذي يقطع الشك باليقين بالتحكم بتلك النتائج سلفا، وتبقى نافذة التزوير مفتوحة ولكن بمتسع بسيط جدا، لا يتجاوز الـ٥٪، وهذا ما لا يمكن السيطرة عليه حتى في أعظم الدول الديمقراطية.
كيف يصبح التغيير ممكنا في انتخابات تشرين..؟
أولى الضمانات التي سيقدمها الاستحقاق الانتخابي القادم، هو التمثيل المناطقي العادل، وفق نظام الدوائر المتعددة، بعيدا عن الإقصاء والتهميش للافراد الذين انتخبوا وجوها لم يروها بعد الانتخابات، اما ثاني الضمانات والتي يتحملها المواطن، تكمن في المشاركة الواسعة والفعالة والاختيار الأمثل، فبناء مؤسسات الدولة وتقويتها، يحتاج لقوى تؤمن بمشاريع ستراتيجية وفعالة، وبعيدة كل البعد عن المصالح الشخصية و “الكومنشنات” وفوضى السلاح المنفلت.
الخلاصة..!
لا ترفض المشاركة في الإنتخابات، وتفسح المجال أمام الجمهور الحزبي والسياسي، بأن يأخذ حقك في خيارات بعيدة كل البعد عن طموحك كناخب عراقي، فالمقاطعة ليست الحل الأمثل لبناء الدولة، خصوصا وأن المشاركة مهما كانت نسبتها، لا تُلغي شرعية نتائجها، ابحث عن الخيار المناسب، وشارك في الانتخابات، كي لا تضيع فرصة وجود ممثل لك في البرلمان، لأنك لا تؤمن بشخص أو مشروع معين.