خاضت القوى السياسية العراقية المختلفة خلال العام الماضي مفاوضات شاقة وعسيرة استمرت عدة شهور حول نظام توزيع مقاعد مجلس النواب على ضوء نتائج الانتخابات البرلمانية الاخيرة التي جرت في الثلاثين من شهر نيسان-ابريل الماضي، وطرحت على طاولة البحث والنقاش عدة انظمة من بينها نظام العتبة الانتخابية، الذي تم استخدامه خلال الانتخابات الاولى والثانية في عام 2005 وانتخابات مجالس المحافظات في عام 2009، والانتخابات البرلمانية في عام 2010، وهو يقوم على اساس قسمة عدد المقترعين في المحافظة على عدد المقاعد المخصصة لها في البرلمان، ومن يحصل على عدد من الاصوات تساوي او تزيد على ناتج القسمة يحصل على مقعد برلماني ومن يحصل على اقل من ذلك يخرج من دائرة التنافس، اي بعبارة اخرى ان التنافس ينحصر بين المرشحين الحائزين رقماً أعلى من رقم العتبة الانتخابية، وترتفع العتبة الانتخابية كلما ازدادت نسب المشاركة في الانتخابات.
وميزة ذلك النظام انه يحرم القوى الصغيرة من دخول البرلمان حتى لو حصلت على ارقام مقاربة للعتبة الانتخابية، في ذات الوقت يتيح لاخرين لم يحصلوا الا على ارقام قليلة من دخول البرلمان بفضل نظرية توزيع المقاعد المتبقية على الفائزين الكبار وليس افضل الخاسرين، وهو ما يطلق عليه (الباقي الاقوى).
الفرص الافضل والتأثير الاكبر
وبسبب الكثير من الاعتراضات والتحفظات والملاحظات، استبدلت المحكمة الاتحادية العليا نظام العتبة الانتخابية بنظام سانت ليغو في انتخابات مجالس المحافظات العام الماضي، ويقوم هذا النظام على قسمة عدد الاصوات التي حصلت على كل قائمة على الارقام الفردية تباعا (3، 5، 7…)، وبعد الانتهاء من عمليات القسمة يصار الى اختيار اعلى الارقام من مختلف القوائم لشغل المقاعد المخصصة، وميزة ذلك النظام انه يتيح للقوائم الصغيرة الحصول على موطئ قدم وفرص افضل، ويقطع الطريق على الكثيرين ممن حصلوا على اصوات قليلة ولكنهم يمكن ان يحصلوا على مقاعد لانهم رشحوا ضمن قوائم انتخابية متصدرة وفائزة، في ذات الوقت فإن ذلك النظام يقلل من تبديد الاصوات، ولا نقول يمنعها بالكامل.
انتخابات العراق
ولم ينج ذلك النظام من الانتقادات والملاحظات والاعتراضات، وهذه المرة من الكبار لا من الصغار، لانه يعطي فرصا اكبر للصغار ويجعل منهم ارقاما مؤثرة في بعض المفاصل، وهذا ما حصل في انتخابات مجالس المحافظات، وتشكيل الحكومات المحلية على ضوء نتائجها، حيث نجح فائزون من كتل صغيرة في شغل مواقع متقدمة في الحكومات المحلية، بحكم خضوع القوائم الكبيرة للامر الواقع، والمتمثل بالتفاهم مع القوائم الصغيرة والنزول عند بعض شروطها ومطالبها، وما كرّس هذا الاتجاه في بعض المحافظات، هو اخفاق القوى الكبيرة في تحقيق تفاهمات وتحالفات فيما بينها، لا تكون من خلالها بحاجة الى الصغار.
وبعد الكثير من الشد والجذب، استقر الامر على اعتماد نظام سانت ليغو المعدل، الذي يختلف عن “سانت ليغو” بأن عملية القسمة لمجموع اعداد المصوتين لكل قائمة تبدأ على 1.6 ثم على الارقام الفردية تباعا. وهذ الطريقة تضمن فرصا اكبر للقوائم المتوسطة والكبيرة في الحصول على مقاعد اكبر على حساب القوائم الصغيرة، بيد انها تضمن عدالة اكبر من طريقة-او نظام العتبة الانتخابية-وتوزيع المقاعد المتبقية على اكبر الفائزين.
وبما ان اعتماد نظام سانت ليغو جاء بعد اعتراض عدد من منظمات المجتمع المدني ورفعها دعوى قضائية امام المحكمة الاتحادية العليا، التي اصدرت حكمها بعدم اعتماد نظام العتبة الانتخابية والباقي الاقوى، فإن ذلك لم ينه الجدل والسجال، الذي اسفر فيما بعد عن اقرار العمل بنظام “سانت ليغو المعدل”، وهذا لم يتم الا بعد مفاوضات شاقة جدا، وخصوصا من قبل الجانب الكردي، والتي انتهت بزيادة عدد مقاعد البرلمان من 325 مقعدا الى 328 مقعدا خصص اثنان منها للاكراد والثالث للمكون الإيزيدي في محافظة نينوى، علما ان ذلك المكون قريب جدا من الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتزعمه مسعود البارزاني.
واذا كان نظام سانت ليغو المعدل سيعود بالنفع على القوائم الكبيرة مثل ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، وائتلاف المواطن بزعامة السيد عمار الحكيم، وائتلاف متحدون بزعامة اسامة النجيفي، فإن القوائم والكتل المتوسطة مثل ائتلاف الوطنية بزعامة اياد علاوي، والقوائم الكردية التي لم تتحالف فيما بينها، والتحالف المدني الديمقراطي، وائتلاف العراق وغيرها، ستكون اكثر نفعا منه، ليجعل حضورها في البرلمان المقبل اكبر، لكنه ليس بالضرورة ان يكون مؤثرا اذا لم تصطف وتتحالف مع قوى وكيانات كبيرة بيدها قرار الحسم وزمام الامور.