22 ديسمبر، 2024 12:07 م

انتخابات العراق المحلية.. هل من حقائق ومعطيات جديدة؟

انتخابات العراق المحلية.. هل من حقائق ومعطيات جديدة؟

تعد انتخابات مجالس المحافظات في العراق، المزمع اجراؤها في الثامن عشر من شهر كانون الاول-ديسمبر المقبل، هي الانتخابات المحلية الرابعة خلال العشرين عاما المنصرمة بعد الاطاحة بنظام حزب البعث في ربيع عام 2003. ففي اواخر عام 2005 اجريت الانتخابات المحلية الاولى بالتزامن مع الانتخابات البرلمانية، بعد الاستفتاء العام على مشروع الدستور الدائم في منتصف شهر تشرين الاول-اكتوبر من ذلك العام. وفي كانون الثاني-يناير 2009 اجريت الانتخابات المحلية الثانية، وفي نيسان-ابريل 2013 اجريت الانتخابات الثالثة، وكان مقررا بحسب الدستور، ان تنتهي تلك الدورة في عام 2017، وتجرى انتخابات جديدة، بيد ان جملة عوامل وظروف حالت دون ذلك، لعل ابرزها استحقاقات وتبعات وتداعيات الحرب ضد تنظيم داعش الارهابي، وهو ما استدعى ان تبقى الامور على حالها ويصار الى استمرارية عمل الدورة الثالثة، حتى عام 2019، حينما صوت البرلمان العراقي على التعديل الثاني لقانون انتخابات مجالس المحافظات والاقضية والنواحي الذي تضمن تعليق تلك المجالس لعدم دستورية وجودها نظرا لتجاوز فترتها المحددة.

وبعد حوالي عامين قطعت المحكمة الاتحادية العليا في البلاد، الجدل والسجال المحتدم حول شرعية او عدم شرعية انهاء عمل المجالس المحلية من قبل البرلمان، بعد تقدم اعضاء مجالس عدد من المحافظات، بينها كركوك ونينوى بالطعن بقرار البرلمان، اذ اعلنت المحكمة مطلع حزيران-يونيو 2021، بأن “تعليق عمل مجالس المحافظات موافق للدستور ولا يعني إلغاء وجود تلك المجالس كهيئة محلية دستورية.. وان استمرار عملها سواء كانت مجالس وطنية او هيئات محلية بعد انتهاء دورتها الانتخابية يمثل خرقا لحق الشعب في التصويت والانتخاب والترشيح وتجاوزا لإرادة الناخب”.

وفضلا عن السياقات والاطر والمحددات الدستورية-القانونية، فأنه لايمكن بأي حال من الاحوال اغفال وتجاهل الظروف والعوامل السياسية التي افضت الى تجميد او تعليق عمل المجالس المحلية، لاسيما وان قرار البرلمان المتعلق بذلك صدر بالتزامن مع جملة من الخطوات والاجراءات التي اتخذتها حكومة رئيس الوزراء الاسبق حيدر العبادي(2014-2018)، لمحاربة الفساد الاداري والمالي والتقليل من مظاهر الترهل والفوضى والتخبط في هياكل ومؤسسات ومنظومات الدولة.

ولم يكن ممكنا في خضم تصاعد حدة الحراك الجماهيري-وان بدا انه مسيّس نوعا ما-منذ اواخر عهد حكومة العبادي، ومرورا بعهد حكومة عادل عبد المهدي، ثم في عهد حكومة مصطفى الكاظمي، الحديث عن امكانية عودة مجالس المحافظات بأي شكل من الاشكال، لاسباب مختلفة، لعل من بينها، ان تلك المجالس مثلت في بعض جوانبها حلقة من حلقات الفساد الكثيرة، وانها مثلت ساحات اخرى للصراع والتدافع السياسي-الحزبي على السلطة والنفوذ والامتيازات، اكثر مما كانت صوتا للناس واداة لتقديم وتوفير الخدمات لهم، ناهيك عن ضبابية مهامها وادوارها المتداخلة بين الجانبين الرقابي والتنفيذي، والمتداخلة بشكل او باخر مع مهام وادوار اعضاء البرلمان الممثلين لابناء محافظاتهم ومناطقهم.

ولانه وفقا للدستور لايجوز لاي جهة الغاء مجالس المحافظات، الا عبر تعديل دستوري يخضع للاستفتاء الشعبي العام، ومن غير الصحيح بقائها معلقة، ولان انفراجات الاوضاع السياسية ومتغيرات الاوضاع الامنية، بدت واضحة وملموسة الى حد كبير، لاسيما بعد مجيء حكومة محمد شياع السوداني في تشرين الثاني-نوفمبر الماضي، فقد بات لزاما اعادة فتح هذا الملف، ولم يكن ممكنا فتحه الا عبر بوابة الانتخابات، والتي يبدو انها ستجري في موعدها المقرر، لان الظروف مواتية لذلك، على عكس الظروف والتحديات التي سبقت الانتخابات البرلمانية المثيرة للجدل العام الماضي.

ورغم ان الصورة العامة للمشهد الانتخابي المقبل لم تتضح بما فيه الكفاية، الا ان هناك معطيات ومؤشرات اجمالية من المهم جدا التوقف عندها، لانها في النهاية ستساهم بنسب متفاوتة في رسم وصياغة الخارطة السياسية خلال المرحلة المقبلة، وتشكل مقدمة للانتخابات البرلمانية القادمة التي لم يتبين حتى الان موعد اجراؤها، ومن هذه المعطيات والمؤشرات:

*انخفاض نسبة المشاركة الجماهيرية في الانتخابات، مثلما حصل في الانتخابات البرلمانية الاخيرة، حيث لم تتعد نسبة المشاركة فيها 30%، نظرا لانعدام او تراجع ثقة فئات وشرائح اجتماعية واسعة بعموم الطبقة السياسية والقوى والاحزاب المشاركة في ادارة شؤون البلاد بصورة مباشرة او غير مباشرة.

*بشكل او باخر، سيكون لرئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني حضورا جيدا في الانتخابات المحلية المقبلة، بسبب القبول والارتياح الشعبي العام الذي حظي به ارتباطا بأدائه المختلف بشكل كبير عمن سبقوه في التصدي لمنصب رئاسة مجلس الوزراء، واذا كان تيار الفراتين الذي يتزعمه السوداني منذ تأسيسه مطلع عام 2021، قد حصل على ثلاثة مقاعد في الانتخابات البرلمانية الاخيرة، فأنه على الارجح سيحقق نتائج افضل في انتخابات مجالس المحافظات. فضلا عن ذلك، فأن اطرافا عديدة ستسعى الى التحالف معه لضمان تحقيق افضل المكاسب.

*مشاركة التيار الصدري او عدم مشاركته في الانتخابات، يؤثر الى حد كبير على نتائجها ومخرجاتها، وبالتالي على طبيعة استحقاقاتها السياسية، نظرا للثقل الجماهيري الكبير للتيار، والتزامه الصارم بتوجيهات واوامر قيادته العليا المتمثلة بالسيد مقتدى الصدر.

ورغم ان التيار الصدري انسحب من العملية السياسية، وفسح المجال لغريمه الاطار التنسيقي لتشكيل الحكومة الجديدة مع الاكراد والسنة، الا انه مازال يشكل هاجسا لمعظم الاطراف، لاسيما الشيعية منها، ولايمكن بأي حال من الاحوال تجاهله، حتى وان كان خارج دائرة العملية السياسية لاي سبب كان، وكذلك من الصعب بمكان التنبوء بخطواته وقراراته المستقبلية.

*رغم ان قوى الاطار التنسيقي الشيعي، تحالفت فيما بينها ونجحت في تشكيل الحكومة الحالية بعد انسحاب التيار الصدري من العملية السياسية، رغم حصوله على العدد الاكبر من مقاعد البرلمان مقارنة بالقوى الاخرى، الا انها قررت خوض الانتخابات المحلية المقبلة بصورة منفردة او من خلال تحالفات وائتلافات محدودة، وهذا يعني ان التنافس فيما بينها في مساحات جماهيرية متداخلة، تتمثل بمدن الجنوب والفرات الاوسط وجزء من العاصمة بغداد، قد يعيد انتاج ذات المشكلات والازمات السابقة في بعض او اغلب المحافظات ذات الاغلبية الشيعية، خصوصا حينما تفرض المساومات والترضيات والاشتراطات نفسها عند اختيار المحافظين وكبار المسؤولين في الحكومات المحلية.

*ولاتختلف الامور كثيرا في المحافظات ذات الاغلبية السنية، كالانبار ونينوى وصلاح الدين وديالى، ان لم تكن حمى التنافس الانتخابي فيها اكثر حدة واحتداما من محافظات الجنوب والفرات الاوسط. ومن الواضح منذ وقت مبكر ان التحالفات السنية التي سبقت واعقبت الانتخابات البرلمانية الاخيرة، راحت تتصدع وتتشضى، نتيجة تقاطع المصالح والتسابق المحموم للاستئثار بالمناصب والامتيازات. وقد لايبقى شيء اسمه “تحالف السيادة” بقطبيه الرئيسيين، بزعامة كل من رئيس البرلمان الحالي محمد الحلبوسي، وخميس الخنجر، فضلا عن امكانية بروز اصطفافات جديدة بترتيبات من اطراف اقليمية تمثل بشكل او باخر مرجعيات سياسية للقوى السنية.

*ربما تكون محافظة كركوك، بحكم تركيبتها السكانية المتنوعة المؤلفة من العرب والاكراد والتركمان، والسنة والشيعة، والمسلمين والمسيحيين، النقطة الاكثر حساسية في مجمل العملية الانتخابية لمجالس المحافظات، علما انه في اوقات سابقة لم تجرى فيها الانتخابات بسبب وضعها الاستثنائي.

وفضلا عن التقاطعات الحادة بين مكوناتها العربية والكردية والتركمانية، فان القوى الكردية الرئيسية التي لم تنجح حتى الان في التوصل الى صيغة توافقية فيما بينها حول انتخابات برلمان الاقليم، ناهيك عن الملفات الخلافية الاخرى، ستجد نفسها في حالة صدام وتنافس حاد حيثما كان هناك وجود اجتماعي كردي في بعض المدن والمحافظات خارج حدود الاقليم، كما هو الحال في كركوك ونينوى وديالى، وهي بدلا من ان تتحالف مع بعضها البعض في قبال القوى الاخرى، فأنها ستوسع مساحات خلافاتها الى ما وراء اربيل والسليمانية، تلك الخلافات التي تجلت واضحة في بغداد خلال الشهور القلائل الماضية، وتحديدا تحت قبة البرلمان الاتحادي، عند مناقشة الموازنة المالية الاتحادية والتصويت عليها، وبعد ذلك تجلت في الشارع الكركوكي عندما حاول الحزب الديمقراطي الكردستاني ان يستعيد وجوده الذي كان قد فقده في المدينة عام 2017.

*ومثلما كانت هنا فرصة جيدة للمستقلين على تنوع اتجاهاتهم ومشاربهم في الانتخابات البرلمانية الاخيرة، فانهم يمتلكون ذات الفرص، ان لم تكن افضل، بيد انهم من الصعب ان ينجحوا في لملمة صفوفهم وتوحيد مواقفهم ليكونوا كتلة مؤثرة وفاعلة ورقما مهما، لذلك ربما سيكون خيار الكثير منهم هو الاصطفاف مع الكتل الكبيرة كما حصل في السابق.

وارتباطا بهذه الحقائق والمعطيات والمؤشرات، فأنه من غير الصحيح القول بأن الانتخابات المحلية المقبلة، ستؤسس الى مشهد سياسي جديد مختلف تمام الاختلاف عن سابقاته، او ان ستجلب معها حلولا ومعالجات عملية وواقعية وسريعة وشاملة لمشكلات شائكة ومعقدة، او تكسر القواعد والقوالب التقليدية القائمة منذ عقدين من الزمن، وفي ذات الوقت من الخطأ افتراض انها ستكون نسخة طبق الاصل للانتخابات السابقة لها.

—————————-

*كاتب وصحافي عراقي