23 ديسمبر، 2024 2:25 ص

انتخابات ابو اسراء ؟!

انتخابات ابو اسراء ؟!

عشر سنوات مرّت والمعمعان الطائفي والعرقي يطحن العراق برحاه الثقيلة، فلم نعد نرى من بلادنا الا زوبعة غبار وقعقعات اسلحة موسومة بشعارات بالية انتهت صلاحياتها ببروز القانون المدني ، ولاننا شعب لم يزل ينوء تحت نير تعاليم القرن السابع الهجري وسقيفة بني ساعدة وصلح الحديبية وفدك وضلع الزهرة ، فقد اضطررنا الى فتح كليات مختصة لتعليم ابنائنا ان الناس متساوون في الحقوق والواجبات ، ولكن لم تصمد مناهج هذه الصروح العلمية امام خطبة تنتهي بعبارة ” اسلم تسلم ” او عبارة ” والسلام على من اتبع الهدى ” .
على ان الهدى كل الهدى ان نبصر بعيون لا تطبع عليها اصابع فقهائنا المعتوهين غشاوة الغرض الديني المؤدلج الذي يريد اعادتنا الى كهف حراء ننتظر عنكبوتا وحمامة ليصنعا لنا معجزة من السماء .
قد يتفاخر التوانسة والليبيون والمصريون بثوراتهم التي خرجوا بها من اجل قتل حاكميهم او ملاحقتهم قضائيا ، وان كانت هذه الثورات اقرب نسبا للثيران وليست للثوار ، حيث تقهقرت هذه البلدان قرنا او اكثر الى الوراء ، ولكن بماذا يتفاخر حاكمو العراق في ذكرى سقوط بغداد بيد الاحتلال ؟ فهم ليسوا  ثوارا وليسوا ثيرانا ايضا ، انما ضباع اتبعوا دبابة القاتل ليقتاتوا من بقايا ضحاياه ، ولكي يبقى الغازي بوجهه الحضاري الذي يدعيه فانه نصب هؤلاء الضباع بدستور كتبه على مقاساتهم ، حكاما لا تخطؤهم الديمقراطية ولا ينكرهم القانون الدولي ، فهل من المقبول عنه دوليا ان يتقاسم ثلاثين شخصا او زد عليهم عشرة اخرين ، خزينة بلد مثل العراق ومصير بلد مثل العراق ودماء شعب مثل شعب العراق ؟
اربعون شخصا ، اكثر او اقل من ذلك بقليل ، يفجرون وينهبون ويزورون ويهجرون ويعتقلون ويزنون ويعربدون ويمنحون ويمنعون ، وواحد وثلاثون مليونا تنام على الخنا والخوف واليأس والظلم والرعب ليلا وتستيقظ على الحيرة والشك والضياع والتشرد ووسائل الاعلام ودوائر التطبيل الحكومي تتغنى بالديمقراطية التي لا احد من تلكم المتسلطين يستطيع ان يقول لنا ماهيتها واين تباع وما شكلها ولونها ، فمن انواع الديمقراطية في عراق بعد الاحتلال ان تذبح جيرانك لانه يخالفك بالمذهب ، ومن انواعها الاخرى ان تتهم من تشاء بما تشاء اذا قال لك انك غير كفء في عملك ، ومن انواعها الاخرى ان تصادر السلطة الحاكمة حياتك وحياة عائلتك اذا قلت ان لبنها حامضا ولا يصلح مزّة على مائدة بار بغدادي ، ومن انواعها الكثيرة الاخرى ان تسرق خزينة دولتك باسم عقود وهمية ، ولكن لم يقل لنا احدا من هؤلاء الاربعين قاتلا اين ذهبت سبائك الذهب التي كانت في البنك المركزي العراقي صباح الاحتلال ، ولماذا لم تتم المطالبة بها ، او اين حل الدهر بمكتبات تاريخية لا تقدر محتوياتها بالماس ، واين مقتنيات المتاحف ، واين هو الانسان العراقي الذي لم تبق منه الا اطلال بعد ان هدموه ببرامج التجهيل المتعمد .
ان الانتخابات في بلد مثل العراق هي عمل باطل قانونا لانه لم يستوف شروطه ، واليكم ما ينقض شرعيتها .
اولا: ان القوائم التي تمثل الاحزاب المرشحة للانتخابات هي قوائم قتلة يجب احالة اعضائها لمحاكم دولية ، فجماعة المجلس الاسلامي ومشتقاته انما هم ” فيلق بدر” مهما غيروا اسماءهم وشعاراتهم وطبيعة نشاطهم فان دماء عشرات الالاف من العراقيين تبقى تلطخ ايدي اعضاء هذه القائمة ، وجماعة ” كتلة الاحرار ” انما هي عصابات ” جيش المهدي ” الذي لا يحتاج الى ارشيف كتابي لاظهار وحشيته التي ارشفتها الافلام المبثوثة على مواقع الانتريت ، وجماعة ” العراقية ” انما هم بعض  البعثيين والاخوان المسلمون وقيادات من القاعدة ،الذين قتلوا الاف العراقيين بدوافع مذهبية ومصلحية وثأرية ، وجماعة ” مسعود وطلباني”  الذين سرقوا معدات الدولة واعتقلت وقتلت ملشياتهم ” بيشمركة واسايش” الاف العراقيين لاسباب عرقية تافهة ، او لوجستية مخابراتية لاقتطاع اكبر جزء من جسد الضحية التي اسمها العراق ، اليس مكان هؤلاء هو قفص المحكمة وليس دائرة الانتخاب ؟
ثانيا : ان بلدا مثل العراق تتجاوز الامية في بعض قراه 80 بالمئة وفي بعض محافظاته ونواحيه 60 بالمئة ، يكون التصويت فيه لمرشح عبارة عن تزوير واضح ، فالمواطن الاميّ لا يستطيع ان يقرأ عن مرشحه شئيا ولا يعلم عنه شيئا ولم يره ، لان القوائم مغلقة ، ولا ولاية لمجهول كما يقول جهابذة الاسلام ، فكيف تشرعن نتائج انتخابات جلّ المصوتين فيها اميون ؟
ثالثا : على هئية النزاهة ان كانت لديها نزاهة ان تحيل الكتلة السياسية التي تريد الترشح للانتخابات الى المحاكم الجنائية الدولية لاستجلاب شهادة براءة ذمة من الدم العراقي قبل ان تسمح لهذه الكيانات والكتل بخوض الانتخابات ، اليس هذا الامر اوجب من مطالبة المرشح ذاته بجلب نسخة من سجله الجنائي؟
رابعا: ان العراق بلد تحت البند السابع اي انه فاقد لسيادته بالشرع الدولي ، وفاقد لاهليته ، فكيف تجرى فيه انتخابات ، وتعريف الانتخابات هو سيادة الشعب ، فاين هو الشعب ؟ ان نصف العراقيين تتقاذفهم المنافي والسجون والمقابر الجماعية على الخط السريع الدولي وخلف السدة في الثورة ، واما النصف الاخر فمقسم الى جيش وشرطة بحدود مليونا شخص ، ومخبرين ومتملقين ورداحة وهتّافون وشتامون يدافعون بضراوة عن مذهبهم ، وما بقي من المصوتين فهم الخائفون والسائرون مع القطيع واهل الله الذين يريدون دفعها بقصبة .
هذا جزء بسيط من عورات الانتخابات العراقية التي يراد لها ان عطرا يغطي على رائحة الجيفة التي تفوح من جسد العراق، فيا ايها العراقي النبيل ابصق على اوراق انتخاباتهم ودعهم يشموا رائحة غضبك البركان .
[email protected]