الانتخاب حق قانوني و دستوري لكل انسان , و وسيلة لمشاركته في صنع القرار السياسي و ادارة دفة الحكم , و تعد طريقة فعالة للتغير في اسلوب الحكم و وسائله و الوجوه التي كانت موجودة و التي اشمئزت منها النفوس لثقلها و عدم قدرتها على تقديم ما هو مطلوب .
اقليم كوردستان العراق كان الاول في ممارسة هذا الحق على مستوى العراق حيث جرت عدة انتخابات في الاقليم و كان العراق لا يزال تأن من قبضة النظام السابق الذي كان انتخاباته لا تخرج من اطار بيعة مضمونة النتائج للقائد الأوحد , لذا قد بات الشعب الكوردستاني ذو تجربة و خبرة في هذا المجال لهذا كان اكثر استعداداً و تفهماً للانتخابات التي جرت بعد تحرير العراق عام 2003 .
اتخذت قوات التحالف و فصائل المعارضة العراقية قبيل عمليات التحرير و بعدها الخطوات اللازمة لبناء عراق ديمقراطي اتحادي فدرالي قائم على مبادئ حقوق الانسان و حماية الحريات العامة بعيداً عن العسكرتارية المقيتة فتم تصديق الدستور لعام 2005 بعد استفتاء شعبي صوّت لصالحه بنسة عالية و تتخذ من الانتخاب وسيلة لتداول السلطة .
و بهذا فأن الشعب الكوردستاني يمارس نوعين من الانتخابات الاولى هي داخلية تتعلق بانتخابات برلمان كوردستان و مجالس المحافظات و الثانية هي انتخابات اتحادية عراقية لمجلس النواب و لذا فقد لا تمر سنة إلا ويدخل الشعب الكوردستاني في دوامة الانتخاب التي تبدأ بتحديد المرشحين و الحملة الانتخابية و يوم الاقتراع و اعلان النتائج و الطعون و اخيراً تصديقها من قبل السلطة القضائية و بعدها تشكيل حكومة جديدة و بتكليف شخص معين و لكن هذه الانتخابات تتسم بسمات عديدة منها :
تأخير تشكيل الحكومة لتأخير انعقاد الجلسة الاولى للبرلمان و قد يرجع هذا الى الاجراءات و الاصول القانونية المتبعة بعقد الجلسة الاولى برئاسة اكبر الاعضاء سناً و ابقاء الجلسة مفتوحة لفترة طويلة لحين تكليف شخص معين بتشكيل الحكومة الجديدة و لكن السبب الرئيسي في هذا التأخير يعود الى عدم اتفاق الاحزاب السياسية الفائزة على توزيع المناصب و عدد الوزارات في الحكومة الجديدة و ان تشكيل الحكومة العراقية لا تزال مستمرة بعد منح الثقة ل (14) وزيراً و بقاء (8) وزارات شاغرة بعد حوالي ستة اشهر من اجراء الانتخابات و يبدو ان العدوى العراقية اصابت الاقليم فقد تأخر تشكيل الحكومة الجديدة لحوالي شهرين و مازال رئيس الوزراء القادم مجهولاً بعض الشيئ و هذا مما يثقل كاهل الشعب .
من الثوابت التي لا تقبل التغيير مهما جرت من الانتخابات و ما يحصل عليها الاحزاب من المقاعد هو سياسة وثقل الاحزاب فعلى سبيل المثال زيادة عدد مقاعد الكتلة الكوردستانية او نقصانها لا تؤثر باي شكل من الاشكال على القرار السياسي للحكومة الاتحادية تجاه الاقليم فقطع الموازنة و هجوم الجيش و الحشد الشعبي على الاقليم و غلق المنافذ الحدودية و المطارات في العام الماضي جرت على مرامى و مسامع النواب و رغم نداءاتهم و تنديدهم بالعمل إلا انها لم تغيير شيئاً بل عرضوا انفسهم للمسائلة القانونية و من جانب اخر فان زيادة عدد مقاعد الاتحاد الوطني الكوردستاني او نقصانه لا يغيير من المعادلة شيئ لانه يحتفظ بالجغرافية و التاريخ و القوة و السلطة ففي كل انتخاب تطالب بمعاملتها على اساس الواقع و ليس بعدد المقاعد و هذا ما يجري و نرى اليوم يطالب بنفس المقاعد السابقة و زيادة مع حصولها على نصف عدد مقاعد الحزب الديمقراطي الكوردستاني او اقل من النصف .
مهما كانت نتائج الانتخابات في فوز حزب او خسارة اخرى فان الاتفاقات السياسية و الاجتماع حول المستديرة او في الغرف المظلمة هي التي تقرر و ترسم سمات الحكم للسنوات القادمة فعلى مستوى العراق و ما ان تعلن النتائج إلا و تبدأ الوفود بالحل و الترحال و تجتمع و تتفق على المناصب و على مستوى الاقليم تبدأ مشوار المحادثات و الاجتماعات و عقد المؤتمرات الصحفية و اصدار البيانات لتنتهي باتفاق على توزيع المناصب و الوزارات . و هذا ما يبدو الاتفاقات السياسية تحل محل الانتخابات .
ان الاحزاب و الكتل السياسية هي التي تتحكم فيكون النائب اسيراً لحزبه و توجهاته بالقبول او الرفض دون وجود مساحة معينة تمكنه من طرح افكاره و آراءه او مشاريعه دون الحصول على ضوء اخضر من مرجعه و هذا ما يجعل البرلمان تحت تأثير الاحزاب السياسية بصورة مباشرة او غير مباشرة .
و اخيراً نقول بان الانتخابات هي مجرد تغيير في الاسماء و الوجوه و لا تغيير في الخارطة السياسية .وان الادعاء بانه قد فات فاعلية هذا الموضوع نعتقد بعدم صوابه لاننا لا زلنا نتاثر بتداعيات الانتخابات .