تشهد محافظات جنوب العراق في الآونة الأخيرة ظاهرة مقلقة تهدد النسيج الاجتماعي وتنذر بكارثة إنسانية متفاقمة، إذ تتزايد حالات انتحار الشباب بشكل لافت، في وقت ما زالت فيه أسباب هذه الظاهرة غامضة إلى حد كبير، وسط غياب الحلول الحكومية الفاعلة.
أرقام مقلقة من ذي قار والبصرة
محافظة ذي قار تصدّرت عناوين الأخبار مؤخرًا بعد تسجيل أربع حالات انتحار معلنة خلال أسبوع واحد فقط، تنوّعت أساليبها بين الشنق والحرق وطرق أخرى مأساوية. وفي البصرة، لم يمضِ أسبوع واحد حتى سُجّلت حالتان جديدتان لشابين لم يتجاوز عمراهما العشرين عامًا. الأخطر من ذلك أن بعض المنتحرين لجأوا إلى تصوير لحظاتهم الأخيرة قبل الإقدام على الفعل، في مشهد يثير الفزع ويدل على عمق الأزمة النفسية والاجتماعية التي يعيشها هؤلاء.
أسباب معقّدة وضغوط متراكمة
ورغم عدم وضوح الأسباب المباشرة في كثير من الحالات، إلا أن خبراء الاجتماع والنفس يشيرون إلى جملة من العوامل المتشابكة التي قد تكون وراء هذه الظاهرة، أبرزها:
الأزمات الاقتصادية والبطالة: نسبة كبيرة من شباب الجنوب يعانون من انعدام فرص العمل وضبابية المستقبل.
التفكك الأسري وضعف الروابط الاجتماعية: ما يزيد شعور الشباب بالعزلة والاغتراب.
الإدمان والمخدرات والكحول: وهي آفة تنتشر على نطاق واسع، وتفاقم من حالات الاكتئاب وفقدان الأمل.
غياب الدعم النفسي والتثقيف الصحي: حيث تفتقر المؤسسات الصحية والمدارس والجامعات إلى برامج فاعلة لرصد ومعالجة الحالات المعرضة للانتحار.
دعوات عاجلة للتحرك
ناشطون ومختصون يؤكدون أن مواجهة هذه الأزمة تتطلب تحركًا حكوميًا عاجلًا على أكثر من مستوى، من خلال:
1. إطلاق حملات توعية حول مخاطر الانتحار وطرق طلب المساعدة النفسية.
2. توفير مراكز دعم نفسي مجانية أو بأسعار رمزية، مع خطوط ساخنة للتدخل السريع.
3. تشديد الرقابة على المخدرات والكحول وتجفيف منابع انتشارها.
4. خلق فرص عمل للشباب وتبني برامج لتمكينهم اقتصاديًا واجتماعيًا.
مجتمع أمام مفترق طرق
ظاهرة انتحار الشباب لم تعد حالات فردية معزولة، بل أصبحت جرس إنذار يهدد استقرار المجتمع العراقي بأسره. وإذا لم تتحرك الحكومة بجدية لمعالجة جذور الأزمة، فقد تتسع الدائرة لتلتهم المزيد من الأرواح الغضة التي لم تجد من يصغي إلى صرخاتها المكتومة.
إنقاذ شباب العراق لم يعد خيارًا، بل ضرورة وطنية عاجلة تتطلب تكاتف الدولة والمجتمع، قبل أن تتحول هذه الظاهرة إلى مأساة جماعية يصعب احتواؤها.