تناولت في مقالات سابقة موضوع الإخفاق الحكومي في التعامل مع الملف المتفاقم لأزمة الكهرباء، وتضمن العديد من تلك المقالات الكثير من مقترحات لحلول مستندة على خلاصة خبرات وتجارب ميدانية موفقة لمعالجة جوانب الضعف في عمل المنظومات الكهربائية المسؤولة عن توفير الطاقة الضرورية لحاجات المواطن ومرافق الحياة المختلفة.
أقبل الصيف على العراقيين وستشهد حياتهم زيادات في استهلاك الكهرباء، على نحو متصاعد، مع ارتفاع درجات الحرارة وسيتزامن ذلك مع ظهور تحديدات في القدرات الإنتاجية للوحدات التوليدية العاملة في المحطات الكهربائية…
ينكب المعنيون في قطاع الكهرباء سنوياً، وعلى وجه التحديد، العاملون في دوائر التخطيط، على وضع الأرقام المتوقعة لتطورات الزيادة في الطلب على الطاقة الكهربائية في فصل الصيف والذي يطلق عليه (موسم ذروة الطلب) ويسخر لذلك قاعدة بيانات واسعة لدعم هذه العملية التي تسمى تنبؤات الأحمال ويجري ذلك بجهود هندسية متخصصة ومتمرسة وتدعم ببرامج حاسوبية متطورة بهدف الوصول إلى توقعات تقترب بدقتها (ما أمكن) من الحدود الفعلية التي تؤشر بموجبها متطلبات توفير شروط الإيفاء لتحقيقها بوساطة تطوير الإمكانات المتاحة أو إسنادها بعوامل وقدرات مضافة ويشمل ذلك حلقات السلسلة الخاصة بخدمة الكهرباء كافة مثل (الإنتاج.. النقل والتحويل.. التوزيع) وما يتصل بها من حلقات ثانوية أخرى.
غالباً ما يتم إنجاز هذا النوع من الفعاليات: (التنبؤ بالاحمال) قبل مدة زمنية مناسبة من حلول مواسم الصيف ذات الأيام اللاهبة، فهل يا ترى تم الانتهاء من وضع الخطط المستقبلية اللازمة وتوفير مستلزمات تنفيذها لتجاوز أزمة الكهرباء المتوقعة في الصيف المقبل أو جرى توفير جزءٍ منها لتخفيف تأثيرات هذه الأزمة؟ وهل سيكون تجهيز التيار الكهربائي لعموم المناطق أفضل من الصيف الماضي؟ وهل ستكون الإفاقة من جرعة التخدير الربيعية صادمة للمواطن أمام تردي خدمة خدمة الكهرباء أو فقدانها (لا سمح الله) في المقبل من الأيام بعد أن كانت شبه مستمرة بفعل الأجواء المعتدلة للأيام الربيعية الماضية؟
وماذا عن وعود إنجاز الربط الكهربائي الخليجي مع الشبكة السعودية؟ وماذا عن إنجاز فعاليات الصيانة السنوية لمكونات المنظومة الكهربائية كافة؟ وهل رفدت شبكات التوزيع بمحولات إضافية لمواجهة زيادة الأحمال المتوقعة؟ وماذا عن ضمانات استمرار تدفق كميات الغاز والكهرباء من إيران؟ وهل وهل وهل؟؟؟؟؟
أسئلة كثيرة سوف تكون أجوبتها (في حالة توفر الدقة والشفافية فيها) قادرة على رسم صورة ما هو متوقع من مستوى أداء المنظومة الكهربائية الوطنية التي ستكون بائسة على وفق ما متوفر وظاهر من مؤشرات أولية تدل على حالة التخبط والفشل في توفير أدنى متطلبات مواجهة الأحمال الكهربائية (الثقيلة) المتوقعة في هذا الصيف وذلك بفعل العجز الحكومي عن وضع المعالجات الجذرية الحاسمة لمشكلات قطاع الكهرباء المركبة والمختلفة بعيداً عن الحلول الترقيعية المكلفة.
قبل الاحتلال سنة ٢٠٠٣ كانت المنظومة الكهربائية العراقية تعاني العديد من جوانب الضعف في الاداء نتيجة لإجراءات الحصار الاقتصادي الخانقة التي فرضت على المؤسسات الحكومية المختلفة حيث استمرت هذه الإجراءات لغاية إعلان الاحتلال فماذا فعلت الجهات الحكومية المسؤولة عن ملف الخدمات، بعد رفع العقوبات الدولية عن العراق (إجراءات الحصار)، بعد سنة ٢٠٠٣؟ هل تم ترميم هذه المنظومة المتعبة خلال ١٨ سنة مضت في ظل ما تم رصده لها من عشرات المليارات الدولارية لانتشال واقعها إلى حالة تعافٍ؟
وهل استطاعت هذه المنظومة العمل بشروط ومواصفات آمنة لرفد مرافق المجتمع المختلفة بطاقة كهربائية مستقرة لتوفر إحدى متطلبات رفاهية وراحة المواطن العراقي المشروعة، بعد انتظار طويل كانت معاناته كبيرة نتيجة تردي إحدى الخدمات الرئيسة (خدمة توفير الكهرباء) .
أغلب الظن أن الصيف المقبل سيكون أسوأ من الذي سبقه فالعراق يعيش حالة ما بعد الخراب الآن وذلك ما يتوقع أن يزيد أوار الثورة الشبابية المظفرة استعارا.