تخيل نفسك وانت جالس قبالة مشهد بانورامي يمثل الحياة بأكملها، كيف ستكون الصورة حينها؟ متكاملة وشاملة وتمنح القدرة على المسك بخيوط الفاعلية وادارة الأمور بكفاءة ودقة متناهية.
وهكذا هو حال من ينظر إلى الأحداث بتعمق وتدقيق، دون ان تشغله ظواهرها، او يقع في فخ تسطيح قضاياها، فيكون وقتذاك الأقدر والأجدر على فك رموزها وحل ألغازها، واعادة تشكيل صورة الواقع الراهن بالشكل المطلوب.
لذلك، لن تكون تقديرات الموقف او خطط التوظيف اللاحقة لها مثمرة دون ان تستحضر المعرفة الحاضرة بهذا المستوى من الادراك والوعي والفهم، ممزوجة باستيعاب درس الماضي البعيد والقريب، واستجلاب المعنى النفسي والمجتمعي للسلوكيات والأفعال.
والدول والمجتمعات ـ كما نعلم جميعنا ـ مثل الكائن الحي، تمر بأطوار النشأة والشباب والشيخوخة والموت، لكنها في ذات الوقت تملك القابلية للاستئناف والنهوض والتمكين مجدداً، متى ما ادركت حقيقة مرضها، واهتدت ـ بعد طول تأمل وتفكير ـ إلى الترياق والعلاج.
على ان ذلك التدارك المطلوب لن يوجد إذا بقينا ننظر إلى ما يحيط بنا بالسطحية وعدم الغوص في معانيها، بل ان ذلك قد يفوت الفرص المتاحة للانبعاث الجديد، والتي قد تلوح في لحظة غفلة وكسل يستلذ به البعض، او يأس تتآكل بسببه النفوس، او لقطة من المشهد لا ينتبه لها من أصيب بقصر النظر الحضاري!
اما من ينظر إلى المشهد البانورامي، فتراه وقد انتبه بتعجب مملوء بالسرور إلى الومضة النادرة التي قد توقف سيول الانهيار.
ولا بد من العلم أن الفرصة تلوح وقد لا تعود.. والعاقل من اتسع نظره واستثمرها وتحمل ضريبة التفاؤل الغريب للوصول إلى اشراقة الشمس الغائبة منذ زمن، في نقطة تجلي قد يراها بعض القاصرين لحظة جنون او غرق في بحور الأوهام… ذلك أن أكثر الأمور غرابة مشهد انبعاث الحياة من وسط الركام!!.