23 ديسمبر، 2024 1:50 م

انا و(انجي) .. يوم في بغداد

انا و(انجي) .. يوم في بغداد

نادرا ما افتح خط هاتفي على اتصال مصدره رقم غريب ، لكن في ذلك اليوم رفعته بخلاف طبيعتي … واذا بصوت نسائي يتكلم اللهجة اللبنانية … ليس غريبا علي ، لكن كأني لم اسمعه منذ فترة طويلة ، فازداد فضولي وحماسي لاعرف صاحبة الصوت ، وبعد جهد جهيد كشفت عن شخصيتها ، وتذكرتها بالحال … انها صديقتي (انجي) التي تعرفت عليها في احدى جولاتي باحدى الدول الغربية .

وكانت المفاجئة بانها تقطن في احدى فنادق بغداد منذ اكثر من اسبوع ، اذ ان هذه المفاجئة اثارت في نفسي غريزة الكرم العراقي ، لارد جزءا من حفاوتها التي قدمتها لي عندما كنت في وطنها … وفعلا ذهبت في مساء نفس اليوم الى الفندق الذي تقطن فيه والتقيت بها ، لكن بدت لي كئيبة مع لمسة حزن بعكس الصورة التي تعودت ان اراها بها ، فسألتها عن مصدر هذا الحزن ، فاجابتني بانها خرجت لمرة واحدة للشارع وقررت ان لا تخرج لكونها تعرضت لتحرش لفظي من بعض الشباب في منطقة الكرادة … وطلبت ان تتجول في بغداد بدون سيارة وسيرا على الاقدام لترى بغداد كيف صارت بعد 2003 .

لكن في اول لحظة وضعنا ارجلنا على احد شوارع بغداد ، ادركت صعوبة المهمة بسبب ملابس (انجي) التي كانت تلائم بلدها الغربي الذي تعيش فيه ، ولا تلائم العراق ، البلد الشرقي ، اذ ان ملابسها تثير شفق الشباب المندفع المتحمس ، الا انني كنت مجبرا ان اقوم بمهمتي بكل رحابة صدر ، لعدة اسباب اولها كما قلت سابقا ردا لجميلها عندما كنت انا في بلدها ، وثانيا لرغبتي بان اريها كيف يعيش العراقيون وكيف يفرحون رغم الاستهداف الذي يتعرضون له . مع هذا كانت انجي فرحة والبسمة لا تفارق وجهها .

مشينا مسافة طويلة نسبيا من اجل ان البي طلبها بان تذهب الى منطقة تتواجد فيها العوائل العراقية ، وكانت محطتنا في شارع ابو نؤاس ، وما ان جلسنا على احدى المسطبات هناك حتى فتحت حقيبتها واخرجت علبة سكائرها وبدأت تدخن امام انظار الشباب من هم في ربيع العمر … وقلت لها : هل ستدخنين هنا . قالت : نعم وما المانع … قلت : ليس هناك ما يمنع لكن تعلمين ان مجتمعنا شرقي ، يمكن له ان يرى امرأة عجوز تدخن في اماكن عامة ، لكن بنفس الوقت قليل ان يرى شابة تدخن في هذه الاماكن .

انا لم اقل كل الحقيقة .. التي احتفظت بها لنفسي ، وهي الشكل العام الذي خرجت به (انجي) … بنت جميلة بملابس مثيرة وسكارا في يدها … هذا الامر كما توقعت اثار الشباب العراقي الذين بدأوا يحومون حولنا بشكل لفت انتباهي وانتباه (انجي) ، وكأنهم يريدوا ان يسترقوا السمع لمعرفة ما يدور من حديثنا .

استبقتني (انجي) وطلبت مني الخروج من المكان الذي يبدو لم يعجبها لشعورها بالمضايقة ، فتوجهنا الى منطقة الكرادة وتناولنا وجبة خفيفة من الكباب العراقي وبعدها الى الفندق سيرا على الاقدام مرة اخرى . وهنا كانت المعاناة ، حيث تعرضت (انجي) الى الصياح المتكرر الذي كان مصدره عدد من السيارات المسرعة المارة .

لا اخفي انزعاجي من هذه التصرفات ، لكن بنفس الوقت كنت ابدو طبيعيا غير متأثرا لمحاولة تصوير المسألة على انها طبيعية .

بكل الاحوال كانت التجربة جميلة لـ (انجي) التي عبرت عن شكرها وسعادتها ، ولم تعترض على ما تعرضت له ، لكنها استغربت من التراب المتطاير من شارع العاصمة .