23 ديسمبر، 2024 12:57 ص

ام بولص رمز لتالف اطياف المجتمع العراقي

ام بولص رمز لتالف اطياف المجتمع العراقي

تررعت في دار كان بابها مفتوح على مصراعيه للجميع حيث شكل بيتنا ملتقا لاطياف متعددة من فسيفساء مجتمعنا العراقي الرائع بانتماءته المختلفة.
ام بولص كانت واحدة من تلك الشخصيات، التي لم تمحي العقود الأربعة الماضية، صورتها من ذاكرتي فقد كانت امرأة مصلاوية ارمنية، انامل أكف يداها تلف بالحرير. خبيرة، من بين العديد من الأطباق التي تعدها، في تحضير اللحم بالعجين والباسطرما التي ما زال مذاقهما يداعب غدد لعابي.
ابتسامتها العريضة لم تكن تفارق وجهها السمح الكريم كانت تفترش مع المرحومة والدتي طاولة الطعام وتهيا بحرفية عالية ولساعات طوال أصناف الطعام الأرمنية كاللحم العجين والباسطرما.
كان استعدادها للبدء بتحضير تلك الاطباق الفاخرة وحرصها على النظافة شبيهة باستعداد الطبيب الجراح. كنت وانا طفل اتابع حديثها باللهجة المصلاوية المتبل باللكنة الأرمنية وابتسامة لا تفارق محياها وهي تحضر الطعام.
كانت فنانة مبدعة تتحرك بخفة بين الطاولة التي كانت تحضر عليها إطباقها وبين فرن وغاز مطبخنا الواسع الفسيح ينبعث منه روائح لاتقاوم وصوت سليمة باشا أو عفيفة اسكندر يصدح من المذياع.
خالتي ام بولص تلتقط “باكورة” إنتاجها من اللحم بعجين الساخن وتقدمه لي ملفوفا وهي قائلة “الف عافية” عيوني.
كانت تلك “طقوس” تحضير الذ الاطباق المصلاوية والأمنية من الكبة والباسطرما واللحم العجين في مطبخ يعج بام بولص، والدتي ونعيمة وچحلة، اربع نساء عملن بتناسق عجيب كفرقة موسيقية تديرها المايسترو ام بولص.
سويعات طوال كان مطبخنا يعمل كخط انتاج متكامل لامرأة عشقت الطبخ وكان “نفسها” يتناغم مع نفس طبخ المرحومة والدتي.
واليوم اتذكر تلك السيدة العظيمة التي كانت تحبنا ونحبها وتتربع مع الكثير من سيدات بغداد على اختلاف اطيافهن بمجلس والدتي.
رحم الله ام بولص، ايام ومذاقات ولت لكنها محفورة بذاكرة ذاك الصبي الذي تلقف “لفة” اللحم العجين الساخنة من خالته ام بولص وهو ينفخ بها ليبردها.