انزعجت واشنطن، بل وغضبت على صديقها المالكي جراء ماتداولته وسائل الاعلام الامريكية من أن طائرات ايرانية تحمل اسلحة ومعدات عسكرية تمر عبر الاجواء العراقية باتجاه سورية مما يعزز من موقف النظام السوري العسكري تجاه المعارضة المسلحة المدعومة خليجياً وغربياً. وإذا أردنا أن نصف إن أمريكا بأنها ذات وجهين فنكون قد ظللمناها، فهي تملك الف وجه، وهي منافقة بامتياز أيضاً. فواشنطن تعلم بإن حكومة بغداد لا تمتلك قدرات تفتيش الطائرات الأمريكية في الجو ولا أمكانية لديها لإجبار تلك الطائرات على النزول في المطارات العراقية لتفتيشها. فالحكومة العراقية لاتمتلك قوة جوية قطعاً، ولا تمتلك اسلحة أرضية لاسقاط الطائرات العابرة لأجوائه إن لم تستجب لأوامر الهبوط لغرض التفتيش. وأمريكا تعلم ذلك تماماً لأنها هي وحدها قد احتكرت تسليح الجيش العراقي وقد استجابت لمطالب البارزاني وغيره بابقاء الجيش الاتحادي اعزلاً من الطائرات المقاتلة أو الدفاع الجوي .
أن امريكا هي الطرف الأقوى الذي يسيطر على أجواء العراق ولاتستطيع أية طائرة أن تعبر من أيران الى سورية عبر اجواءه من دون أن تعترضها الطائرات الامريكية ومن دون أن ترصدها الاجهزة الالكترونية التي (تحرس) السماء العراقية ليلاً ونهاراً. وأمريكا، بهذا الموقف الذي تدعو فيه العراق لتفتيش الطائرات الايرانية تكون قد بلغت اعلى مراتب النفاق السياسي وأدنى درجات الانحطاط الاخلاقي. لأنها تعلم عدم قدرته على ذلك، في الوقت الذي تتوفر لديها امكانية منع الطائرات الايرانية من عبور الاجواء العراقية او اسقاطها .
وللذين لايعرفون مدى سيطرة أمريكا على العراق عسكرياً نقول: إن هذا البلد، وإن إنسحبت منه القوات الامريكية قبل عامين، لكن ذلك الانسحاب لم يكن تاماً، بل مايزال هناك وجود للقوات الامريكية في العديد من القواعد الجوية العراقية. يضاف إلى ذلك فأن أقمارها الاصطناعية ماتزال ترصد كل شبر من أرض العراق. وليس في هذا مبالغة فالعراقيون يعرفون ذلك والايرانيون أيضاً، وغيرهم من دول الجوار. وعلى هذا، فأن أمريكا تستطيع، حتى من دون مشاورة الحكومة العراقية أن تمنع نقل الاسلحة إلى سورية عبر الجو، أو عبر الأرض في اقليم كردستان.
أما أن تفتعل الادارة الامريكية أزمة اعلامية مع العراق بحجة تسهيله نقل أسلحة الى سوريا، فأن ذلك تضليلٌ للرأي العام العالمي وخديعة للحكام العرب الذين يجيشون المرتزقة لاسقاط النظام السوري.
لاينكر أحد أن حكومة بغداد لها مصلحة في بقاء نظام بشار الاسد، لأن البديل عنه خطير ويشكل تهديداً لدول الاقليم بما فيها العراق. ولو كان من يأتي الى الحكم بعد سقوط نظام الاسد حاكماً ديمقراطياً لكان الأمر مطمئناً للعراق ولغيره. وغيره هنا: هما الأردن وتركيا، فهذان البلدان غير جادين في الاشتراك بحملة اسقاط نظام الاسد، فالاردن له دوافعه الاقتصادية في الاصطفاف مع السعودية وقطر، لكن دوره ظل حتى الآن تحريضياً ضد النظام السوري، ولكن باستحياء! بينما نرى العثمانيين الجدد في تركيا يتقدمون خطوة ويتراجعون عشرات الخطوات في (حربهم) على سورية.. وآخر دليل نسوقه هو طرد قيادات وقوات الجيش السوري الحر في الأراضي التركية مؤخراً، ومرور عشرات السفن العسكرية الروسية عبر الدردنيل باتجاه الموانيء السورية .
وعلى أية حال فأن أمريكا نفسها تماطل في اتخاذ قرار شن الحرب على سورية سواءً كان أوباما أو غريمه نك رومني هو من سيفوز في الانتخابات المقبلة . وستظل واشنطن تبتز حكام الخليج لمدة طويلة لاستنزاف ثرواتهم على أمل اسقاط النظام السوري من دون أن تقدم على خطوة جدية في هذا المجال .