23 ديسمبر، 2024 1:06 م

امريكا تمارس “يوغا”  الموت السريري

امريكا تمارس “يوغا”  الموت السريري

ازمة الميزانية في الولايات المتحدة هي ازمة في الموازين الامريكية وفي ميزان القوى المتصارعة من اجل المزيد من النفعية والمزيد من المكاسب الاقتصادية والراسمالية والسياسية  .هذه الازمة صحيح انها ارث عن ازمات سابقة الا ان التجاذبات السياسية الجارية حولها كشفت للعيان الكثير من الخفايا والاسرار التي كانت تتلفع بها في السنوات الماضية وازاحت الستار عن واقع افتعال الازمات في كواليس السياسة الامريكية دون النظر الى مخلفاتها واستحقاقاتها القادمة لان التمحور حول المكاسب الانية الضيقة يعني اغفال اية مخاطر او مستحقات يمكن ان تترتب عليها .ان انفجار ازمة الميزانية لم يكن استفزازا للعقل السياسي المعمول به في واشنطن بقدر ما هو مؤشر على تشكيل قناعات بخطورة نموذج الكيان الامريكي الحالي ووجود منحنيات جديدة قد تدفع به الى شفير الهاوية الاقتصادية وربما السياسية ايضا. لانغالي اذا قلنا ان فضاءات الازمة الاقتصادية الحالية في واشنطن تحمل في طياتها الكثير من التداعيات منذرة باحتمال امتدادها لفترة طويلة، الأمر الذي سيؤدي في حال استمرارها الى تكبد الاقتصاد الأمريكي خسائر تصل إلى 300 مليون دولار يومياً على الأقل، بل إن نسبة الخسائر هذه سترتفع إذا ما استمر المأزق الحالي داخل الكونغرس، لأن الوكالات والبرامج الحكومية ربما تنفد من الأموال من دون تلقي اعتمادات جديدة .حتى إن (وكالة موديز للتصنيف الائتماني) قدرت احتمالات تكلفة الإغلاق، إذا استمر بين ثلاثة وأربعة أسابيع، بتراجع النمو الاقتصادي للولايات المتحدة خلال الربع الأخير من العام بنسبة 1،4 في المئة، علاوة على ارتفاع معدل البطالة .وبالطبع فان بعض المراقبين يرون هذه الازمة وتداعياتها  تتعلق في جزء منها بمحاولة الجمهوريين عرقلة إقرار الميزانية الجديدة، لحمل الإدارة الأمريكية على تأجيل تنفيذ مشروع الرعاية الصحية، الذي سيتم تنفيذه في بداية العام المالي الجديد – أي في الأول من الشهر الجاري – على الرغم من أن الرئيس الأمريكي تصدى بقوة لهذه المحاولة الجمهورية، من دون أن يفلح بذلك، وكي لا يكون في وضع محرج أمام ناخبيه الذين أوصلوه الى الرئاسة، بعدما وعدهم بتنفيذ هذا المشروع الذي أقره الكونغرس الذي كان تحت سيطرة الديمقراطيين آنذاك .ومن التجاذبات الساخنة بين مجلس النواب وإدارة أوباما، فإن كل الاحتمالات تشير الى أن الكونغرس قد وصل الى طريق مسدود حيال هذه الأزمة التي تتضاعف يوماً بعد آخر، وأن المباحثات المعقدة بين الديمقراطيين والجمهوريين على هذا المنحى في هذا الوقت، لم تسفر عن حل مناسب، يفضي الى تمرير الميزانية، حتى لو كان مجلس النواب قد صوّت على مشروع قانون موازنة مؤقتة لتفادي عملية الإغلاق، لكن هكذا مشروع لم يتضمن تمويلاً لمشروع الرعاية الصحية . ومن هنا يرى بعض خبراء الاقتصاد ان هذا الفشل في تمرير تمويل الدولة الفيدرالية، الذي قاد الحكومة الى اللجوء الى إغلاق جزئي للادارات التابعة لها اظهر ان مصالح الطبقة الحاكمة في امريكا هي فوق قوت الشعب وفوق مصالحه .وعليه فان هؤلاء يعتقدون ان ادارة اوباما حاولت التظاهر بمطهر الحريص على مصالح الشعب حيث قامت  بتقديم رواتبهم الشهرية على شكل اقتطاعات من الاجازات وسمحت لبعض الدوائر بالعمل بشكل وقتي ومن هنا يستنتج هؤلاء ان حكومة اوباما تتعاطى مع الوضع بشكله الاني بمعنى ان الديمقراطيين يحاولون تقديم انفسهم وكانهم منقذين بينما يقدمون الجمهوريين على انهم يتناقضون  مع مطالب الشعب وحتى قضية الدعم الصحي يراها هؤلاء بانها مجرد دعاية للديمقراطيين اكثر منها قناعة بتوفير الراحة والاستقرار للمواطن الامريكي ولذا يشاغب الجمهوريون على هذا المكسب السياسي الذي يحاول الديمقراطيون الاستفادة منه لاغراضهم الدعائية ومن هنا يكون الصراع الصراع سياسيا والضرر اقتصاديا والنتيجة ان الاقتصاد الامريكي بات مصابا بالشلل. وعلى واقع التضارب في المواقف بين الجمهوريين والديمقراطيين، فإن التسوية تبدو صعبة بين الطرفين على الأقل حالياً، كما أن الرئيس الأمريكي لن يقدم على تنازلات للجمهوريين قد تؤدي الى ركود اقتصادي .بالطبع نجد ان فريقي الازمة يحاولان تارة التقليل منها وتارة اخرى تهويلها بشكل مثير للانتباه وعليه يمكن القول انه مهما حاول الجمهوريون من التقليل من شان الازمة ومهما حاول الديمقراطيون من التهويل منها الا ان المسؤولية تقع على الجميع وان نتائجها ستطال الجميع  وهذه الازمة لها دلالات وارتباطات بالسباق الحزبي الذي يسبق انتخابات الكونغرس ومن هنا راينا كيف ان الرئيس أوباما يتحدث عن هؤلاء الأمريكيين العاديين، ويقول إن الجمهوريين يلحقون بهم الضرر من أجل حفظ ماء الوجه لدى المتشددين في أوساط حزبهم الذين لا يمكنهم قبول نتائج الانتخابات الأخيرة.هذه النقطة الأخيرة كان لها صداها في الداخل. هذا أمر يتجاوز قيام الجمهوريين بالضغط من أجل الحصول على بعض التنازلات من الرئيس أوباما. وتدرس القيادات الجمهورية الوضع وتشعر أنها محاصرة، حيث أنها قدمت طلبات يعلمون أنه لن يتم تلبيتها، بل سيتهمون بالضعف وأن المتشددين في حزبهم قد خذلوهم.إنه من دواعي السخرية أن أكثر من يقدرون النظام الأمريكي يسعون إلى الكشف عن أخطر عيوبه.وهناك من سيقولون إن هذه هي الطريقة التي يعمل بها هذا النظام، وإذا لم يتم التوصل لاتفاق، ولم يحدث شيء بعد ذلك، فإن تخفيض الدوائر الحكومية سيكون الخيار الأفضل.ربما يكون لدى هؤلاء سبب وجيه، لكن إدارة شؤون الحكم وسط الترنح من أزمة إلى أخرى، والإمساك برهينة، لا يحسن من صورة الولايات المتحدة في عيون العالم. وعلى كل حال، فإن هذا الشلل الأمريكي أو إغلاق الحكومة الأمريكية الفيدرالية، سيشكل خطراً على أمريكا والعالم إذا ما استمر، حسبما صرح به رئيس البنك الأوروبي المركزي في باريس . والملاحظ ان تكريس المصالح في تعامل الاحزاب الحاكمة في امريكا هو الذي يقف فعلا وراء الازمة ناهيك من التكاليف المفرطة التي تدفعها امريكا وراء مغامراتها العسكرية المرتبطة اساسا بمصالح اللوبي الصهيوني كما ان ازمة الميزانية في تداعياتها القادمة ستؤدي الى اشكاليات خطرة على الواقع الاقتصادي وستعقد الازمة وستضيف اليها مردودات جديدة تساهم في تفكيك مفاصل الاقتصاد وترهق المواطن الامريكي بالمزيد من زيادة الضرائب وتزيد من ارتفاع السلع وغلاء المعيشة مما سيفجر حسب بعض المراقبين دعوات للولايات للانفصال من الاتحاد الامريكي خاصة في ظل التفاوت بين ولايات مفلسة وبين ولايات ثرية مما يجعل الولايات الثرية لاعالة الولايات المفلسة وهذا ما ترفضه هذه الولايات لكنها ومع وجود القوة الامريكية تلجأ الى التململ حاليا لكنها عندما تجد الفرصة مواتية وفي استمرار الضعف الامريكي فان تفكك الولايات المتحدة سيكون ممكنا سيما وان الامريكان اعتادوا على حياة اقتصادية معينة لايمكنهم الاستعاضة عنها باوضاع متردية كما هو الحال الراهن . وبالنظر الى معطيات هذه الازمة ومايجري من سجال سياسي حولها داخل دوائر صناعة القرار الا ان الملفت هو  ما اشارت اليه بعض التقارير بخصوص حصول بعض التحولات الفكرية لدى بعض شرائح المجتمع الامريكي حيث رات هذه التقارير ان بعض الامريكيين باتوا يعون ان مايجري بين الحزبين انما هو صراع مصالح وتقاسم على ثروات البلد ليس الا وان هذه الازمات تاتي في سياق الكسب السياسي والمناورات السياسية متجاهلين بان هذه السياسات لها بلا شك انعكاسات واثار غير انية لكنها ستتراكم مع مرور الوقت لتفرز نتائج غاية في السلبية وستشكل كوارث تطال الولايات المتحدة وتطال ثوابتها ومقدراتها  وساعتها لاينفع التلاوم ولاينفع الندم ذلك لان الاقتصاد الراسمالي القائم على الاحتكار والنفعية سيتضرر بسهولة وسيعكس نتائج كارثية لاي خلل في دائرته المصلحية ومن هنا تبدو الصورة ضبابية في امريكا وهناك محطات تدهور واتجاهات باتت تحاول الانتفاض على الواقع القائم .