18 ديسمبر، 2024 2:51 م

امبراطورية الفساد فـي بلاد النهرين

امبراطورية الفساد فـي بلاد النهرين

لا مبالغة ولا تضخيم، فالفساد في بلادنا امبراطورية .. بلادنا أعني بها بلاد الرافدين التي كانت ذات أيام امبراطوريات عظيمة بتحضّرها وتمدّنها وبخيرها ورغد عيشها، وصارت اليوم شبه دولة تشحذ رواتب موظفيها ومستحقّات مقاوليها من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وسواهما.
امبراطورية الفساد في بلادنا متماسكة البنيان ومكتملة الاركان، لا يعوزها شيء من الموارد البشرية أو منشآت البنية التحتية أو الهيئات السياسية الحامية والقانونية الضامنة.
لهذه الامبراطورية حكومة تؤدي واجباتها على خير ما يرام، فوزراؤها لا يتردّدون حتى عن بيع تراب وزاراتهم، ولا يتوانون عن تزوير الوثائق الرسمية لتسجيل أملاك الغير باسمائهم على انها املاك آبائهم وأجدادهم الذين لم يكن الواحد منهم يملك بسطيّة .. ضمنوا وضعهم وأمّنوا حالهم بالتعاون الوثيق مع المفتشين العمومين في وزاراتهم، واستظلّوا بالظلّ الوارف لأحزابهم وائتلافاتها، وتقاسموا ما “قسمه الله” لغيرهم مع زعمائهم وقادتهم الذين هم بعمائم سود أو بيض أو بأربطة عنق وياقات منشاة وبذلات مصنوعة خصيصاً.
وفي هذه الامبراطورية مجلس نواب، يتميّز أعضاؤه عن سائر الاعضاء في برلمانات العالم بأن الفاسدين منهم هم الأعلى صوتاً ضد الفساد ومع الإصلاح (يشكلون جبهات إصلاح!) ومع المدنية (يعلنون عن تأييدهم للدولة المدنية مع إنهم إسلاميون). ومن ميزاتهم أيضاً أنهم صرحاء، لا يخشون من الاعتراف بمدّ أيديهم الى المال العام والخاص، حتى إذا ما سعت هيئة النزاهة الى أن تحقّق معهم وفقاً لقاعدة “الاعتراف سيد الأدلة”، أو لمبدأ ” من فمك أدينك”، صعدوا إلى المنابر والمآذن أو أمسكوا بكاميرات القنوات الفضائية ومايكروفوناتها ليشتموا هيئة النزاهة ومسؤوليها ويتهموهم بالفساد الإداري والمالي.
ولامبراطورية الفساد في بلادنا “إعلام” تقليدي وآخر جديد، ينشط على مدار الساعة في خدمة وزراء الفساد ونوابه وزعماء أحزابه وائتلافاتها … خدمة باتجاهين: تبييض وجوه هؤلاء الفاسدين والمُفسدين، وتسويد صفحات النزيهين من الوزراء والنواب والزعماء .. والإعلاميين وسائر المثقفين كذلك.
امبراطورية الفساد في بلاد الرافدين لديها أيضاً سلطة قضائية لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، في ما يتعلق بخدمة الفاسدين والمفسدين .. الحكم “العادل” جاهز دائماً لدى قضاتها: عدم قناعة القاضي بالوثائق التي تملأ صناديق تعبئ بدورها (لوريات)، ولا بشهادات الشهود العيان والكتّاب العدول.
هل تبدو الصورة هنا مكبّرة؟.. إنها في الواقع مصغّرة ومختصرة، فمن يزور مقر هيئة النزاهة ويسأل عمّا يجري في مكاتبها وأروقتها وعمّا تواجهه يجد واقعاً حافلاً بالوقائع الصادمة والصاعقة والمروّعة عن الفساد – الامبراطورية في هذي البلاد التي كانت في غابر الايام امبراطوريات مُترفة قبل أن تعرف النفط ،ثم قبل أن يجثم على صدرها البعث ومن بعده الاسلام السياسي، فيصيبانها في مقتل، بالحروب والفساد.
نقلا عن صحيفة المدى