23 ديسمبر، 2024 4:44 ص

امام القلوب والشرعية الخالدة؛ بين الامس واليوم

امام القلوب والشرعية الخالدة؛ بين الامس واليوم

رجل بجسم نحيل، يكسر احدى قوانين الفيزياء القائلة؛ ان الجاذبية تزداد بأزدياد كثافة الجسم، فهذا موسى الكاظم الامام الضئيل، يجذب تلك
الملايين اليه، بقوة أصرة لم تهن ولم تضعف منذ قرون، في مشهد يستدعي الكثير من التأمل والوقوف عنده.

عند الخوض في غمار حياة الامام، لا يمكن ان تفهم خط مسيره بمعزل عن الحياة الاجتماعية والجو السياسي السائد انذاك، لان للسلطة الحاكمة
تاثير في موجات التغيير الاجتماعي والاقتصادي، كثيراً ما تتردد عبارة ان “التأريخ يعيد نفسه” لكنها في الحقيقة دورة حياة كاملة، ومقدمات ونتائج لا
تحتمل الخطأ، فمتى ما اجتمعت نفس المقدمات انتهينا الى ذات النتائج، هكذا يعيد التأريخ نفسه!

اذ شهد العصر العباسي الذي عاصر حياة الامام الكاظم ظلم وطغيان واضح تمارسه السلطة ضد الرعية، واصبح الفقر والمرض ينهش بهم بعد
فرض الضرائب الجائرة من جهة، وبذخ رجال السلطة على المغنين والشعراء، كما يعرف اليوم ب”الاعلام المأجور” والصحف الصفراء، التي تعمل
على تظليل الرأي العام وحشو العقول بحقائق مغايرة للواقع، من جهة اخرى واستنزافهم قوت الناس، انتهت تلك الممارسات الى” بيت مال المسلمين”
خال من المال، تماما كميزانية عاجزة!

عندما يجتمع ثالوث الموت، الجوع، والفقر و المرض وغضبٌ من حكم ظالم للشعب في مكان واحد فأعلم ان ثورة قادمة بالطريق لا محالة، لهذا
هزت اركان الحكم العباسي ثورات متعاقبة وانهارت صورة العهد الذهبي، وبدأت الدولة المركزية ببغداد تفقد هيبتها، عندما تدخلت نفوذ خارجية في
ادارة شؤؤن البلاد كالبرامكة وغيرهم، لهذا استاء الناس كثيرا وتعالت الصيحات للقيام بثورة هنا وهناك، كرد فعل لتردي الاوضاع وتدهورها.

كما ان سياسة الاقصاء التي اتبعها العباسيون جيل بعد جيل تجاه أل البيت وذريتهم، زادت من نقمة الناس عليهم، اذ كان أئمة ال البيت الاطهار
يشكلون هاجس مخيف للخليفة العباسي أيا كان، لانه على يقين ان أل البيت هم مصدر السلطة الحقيقي واصحاب الشرعية الوحيدة، لذلك اجتهد
الطغاة بأخفاء اثر الامام عن المجتمع، لسنين طوال في سجون مظلهمة ومسودة كسواد عقولهم وقلوبهم، وسواد ضمير الزمان.

في ذكرى استشهاد الامام الكاظم، ونحن على بعد اكثر من ألف سنة عن ذلك الجسد المسجى على جسر الرصافة، انخفضت اصوات السجانين
المنادين “هذا امام الرافضة”وولو هاربين وهم خائفين من جموع الزائرين اليوم، في مشهد يخبرنا ان الشرعية ليست طيعة للطغاة فأمارتهم على الاجساد
فقط، اما القلوب فهي مأموره بأمامها .