23 ديسمبر، 2024 8:29 ص

اليوم الذي لم يكتمل

اليوم الذي لم يكتمل

لم يحتفل العراقيون في ذكرى التاسع من نيسان و هو التأريخ الرسمي لسقوط النظام الديكتاتوري الذي حكم البلاد لأكثر من ثلاث عقود ، و هذه واحدة من غرائب العراق ! فلماذا يمر هذا اليوم الذي يرمز إلى انتهاء حقبة حكم البعثيين القتلة ، و كأنه أي يوم آخر بالنسبة للكثيرين ، بل أن الدوائر الرسمية باستثناء بعض المحافظات لم تعطل الدوام الرسمي و لم تعطل أعمالها ؛ سيقول البعض أن جدليات هذا اليوم هي السبب في أفراغه من محتوى رمزية نهاية حكم الظالم صدام حسين ، فالتاسع من نيسان يعني جدلية التحرير و الاحتلال ، إلا أن ذلك ليس بحقيقي بالمرة ؛ فلو أن أنصار نظرية الاحتلال ذاتهم وجدوا أن هذا التأريخ يعني بداية عهد العدالة في العراق لما أصروا على موقفهم المناهض لاستذكاره باعتباره انتهاء حقبة الظلم ، فهذا اليوم فقد معناه المفترض فقط لأنه لم يكتمل ؛ و في العادة الأعمال و الأشكال مهما كانت عظيمة إلّمْ تكتمل لن تكون لها أي قيمة ، هذا ما حصل مع هذا التأريخ ؛ فما أكتمل منه جزء عظيم و هو انتهاء سيطرة الظالم على حكم البلاد ، لكن للأسف لم يأتي العدل إلى ألان ، و هذا ما جعل اليوم كأن لا قيمة له عند العراقيين .

ظن قسم كبير من العراقيين عانوا من جور النظام السابق بل من جور الأنظمة السابقة و هم العراقيون من المسلمين الشيعة أن العدل في العراق هو بحصولهم على المناصب الأكثر صلاحية في إدارة الدولة ، و ظن قسم كبير من العراقيين أن عمقهم ( المذهبي ) الكبير في المنطقة و تسنمهم إدارة الدولة العراقية طيلة الفترة الماضية ، يجعل منهم أولى بإدارة الدولة ، فيما رأى الكرد أن العدالة هي باستعادة ما سلب منهم من أراضي و ثروات لكي يتحقق طموحهم العادل بدولة كردية .

هذه بتقديري الأسباب العليا التي أجهضت عصر العدالة أن يولد في العراق ، و أما كل الأسباب الأخرى التي تذكر من مخلفات الاحتلال و الإرهاب و الفساد لا تعدوا كونها نتائج طبيعية للمحاصصة الطائفية و الاثنية ، فالعدالة الحديثة ليست بذات البساطة التي كانت تتحقق بمجرد أن من يتسنم الملك أو الخلافة رجل عادل و أمين ، العالم و الانسانية بلغت من التطور و التعقيد الشيء الكبير ، و إدارة شؤون الناس صار واحد من أكثر الأعمال تخصصية ، فهل يوجد في مفاهيم الإدارة و الحكم الحديث ، أن جماعة تشترك بالمذهب الفقهي و العقائدي لإنها الأكثر عددا فينبغي هي أن تحكم البلاد ، أو أن جماعة أخرى لإن من خلفها بلدان كثيرة تساندها تشترك معها في المذهب الديني هي من ينبغي أن تحكم ، أو جماعة إثنية وقع عليها  حيف عرقي و استطاعت أن تمكن نفسها من حكم جزئي و لذلك ينبغي أن تستكمل ما تعتقد أنه من حقها عبر المشاركة المرحلية من أجل حق تسعى إليه . حتما أن هذا التصور الثلاثي لن يبني دولة و لن يدير دولة و لن يحقق أي معنى من معاني العدالة