23 ديسمبر، 2024 8:03 ص

اليورانيوم المنضب THE STONE UNTURNED

اليورانيوم المنضب THE STONE UNTURNED

• ترجمة – وليد خالد احمد
• كتابة –  دان فاهي
يبحث هذا التقرير في استخدام الاسلحة الحاوية على اليورانيوم المنضب وتأثيراتها فاليورانيوم المنضب عبارة عن فضلات نووية مشعة وسامة كيمياوياً يحفظ عادة في مستودعات الفضلات المشعة. كما تم استخدامه في القاذفات المخترقة للعجلات المدرعة لانه معدن شديد الكثافة وثقيل ويتم توفيره مجانا لصانعي الاسلحة. ومع ذلك فعندما يستخدم عتاد اليورانيوم المنضب في ساحة المعارك فان نتائج ذلك على الصحة والبيئة خطيرة واكيدة. وعلى الرغم من الانتشار السريع لاسلحة اليورانيوم المنضب منذ حرب الخليج الثانية 1991 يمكن ان يسرّع من التلوث على بر الكرة الارضية بكاملها. فيمكن تجنب تأثيرات هذه الاسلحة اذا ما تم الحد من انتاجها واستخدامها منذ الآن.

مدخل:
لقد دخل اليورانيوم المنضب في قذائف الدروع والدبابات الحاوية عليه واستخدم لاول مرة خلال عمليات (حرب الخليج 91) فقد اطلقت الطائرات والدبابات الاميركية والبريطانية مئات الالاف من مخترقات الدروع الحاوية على هذا العنصر على الدبابات والعجلات المدرعة العراقية. وعندما تصيب قذيفة اليورانيونم المنضب احد الاهداف يحترق 70% منها مما يسبب تبعثر غبار مشبع وسام كيمياويا من الهدف ذاته وما حوله. ويمكن ان ينتقل هذا الغبار بواسطة الريح او المياه، ويمكن ان يدخل جسم الانسان عن طريق استنشاقه او ابتلاعه او تلوث الجروح به، كما يمكن ان يصاب الجنود به  بجراح وهم داخل العربات التي تصيبها  قذائف اليورانيوم المنضب بجروح تسببها شظاياه.
لقد كشفت تقارير الجيش الاميركي التي اعلنت او تم تسريبها، بان القادة العسكريين كانوا على علم بالنتائج الخطيرة لاستخدام قذائف اليورانيوم المنضب على الصحة والبيئة وذلك قبل عمليات (حرب الخليج 91). حيث حذر تقرير عسكري نشر في تموز 1990 باحتمال تعرض اعداد كبيرة من الجنود لتلوث اليورانيوم المنضب في ميدان المعركة، كما بينت ذلك التقارير ان الاثار الصحية الطويلة والقصيرة الامد لجسيمات اليورانيوم المنضب التي يتم استنشاقها تسبب امراض السرطان ومشاكل الكلى والعيوب الخلقية. وفي الوقت الذي اتخذ القادة العسكريون اجراءات عديدة لحماية القوات الاميركية من التعرض لعوامل الحرب الكيمياوية والبايولوجية فقد تم التكتم على التحذيرات الاساسية وعدم اطلاع  جنود الولايات المتحدة وقوات التحالف عليها والتي تتعلق باستخدام ذخائر اليورانيوم المنضب وطرائق تجنب التعرض له. وصرح مسؤولون عسكريون انهم يعتقدون ان بامكانهم اهمال جميع اجراءات السلامة الخاصة باليورانيوم المنضب خلال عمليات الهجوم بما في ذلك نشر تحذيرات امان والتي تعد حماية اساسية لقوات الصولة، ان امراض السرطان والمشاكل الصحية الخاصة بهذا النوع من السلاح، قد لا تظهر الا بعد بضع سنوات من تعرض الجندي له في ساحة القتال.
لم تكن اي من القوات الاميركية تقريبا على علم  بأستخدام قذائف اليورانيوم المنضب، فقد اقترب عشرات الالاف من الجنود من العجلات التي تلوثت بغباره او تنشقت دحان النيران الحاوية على قذائف اليورانيوم المنضب.
ولم يزل المدنيون في الكويت والعراق معرضين الى اكثر من 600 الف رطل من غبار اليورانيوم المنضب وجزيئاته التي بقيت فوق ساحات المعارك وقد حذر تقرير وضعته هيئة الطاقة االنووية في المملكة المتحدة في عام 1991 من ان اليورانيوم المنضب المتروك في ساحات المعارك يمكن ان يؤدي بحياة 500 الف جندي ومدني تعرضوا له  ، ومع تزايد الوعي باستخدام اسلحة اليورانيوم المنضب ومخاطرها تنامى عدد الجنود الذين طلبوا فحصهم ومعالجتهم بسبب مشاكل صحية تتعلق باليورانيوم المنضب، الا ان طلبهم هذا رفض. ولسوء الحظ عبرت كل من وزارة الدفاع وشؤون المحاربين الاميركية عن اهتمام بحماية مستقبل استخدام اسلحة اليورانيوم المنضب وتجنب تكاليف الرعاية الصحية وتعويضات العوق للجنود الذين تعرضوا لليورانيوم المنضب اكثر من تقبلهما المسؤولية عن الاثار الصحية والبيئية لهذه الاسلحة.
ان التهديدات العالمية لصحة الانسان والبيئة التي يسببها استخدام ذخائر اليورانيوم المنضب هي شيء حقيقي وخطير ولكن يمكن بل ينبغي تجنبها. ينبغي على الولايات المتحدة والدول الاخرى المسؤولة عن بيع هذا النوع من الاسلحة ان تتوقف عن نشرها السريع الذي بدأ منذ (حرب الخليج 91) وان تتحمل مسؤولية البشر والبيئة اللذين تعرضا للتلوث بالفعل بسببها.
بداية استخدام اليورانيوم المنضب:
ان اليورانيوم المنضب عنصر مشع وسام كيمياويا وهو ناتج عرضي عن عملية تخصيب اليورانيوم، فخلال هذه العملية يتم استخدام كمية قليلة من نظير عالي الاشعاع نوع (U-235) من خام اليورانيوم لاستعمالها في الاسلحة والمفاعلات النووية. وما يتبقى من اليورانيوم المنضب تكون نسبة اشعاعية 60% من اليورانيوم الموجود طبيعيا وهو ذو نصف عمر يساوي (4,5( مليار سنة.
تقارير الجيش الاميركي من جهتها اعترفت من ان اليورانيوم المنضب هو عبارة عن نفايات ذات نشاط اشعاعي واطئ وعلى ذلك يجب وضعه في مستودع خاص ومرخص له  ، وفي الواقع تحتفظ وزارة الطاقة الاميركية في الوقت الحاضر بمخزون كبير يصل الى (1,1) مليار رطل من مادة فضلات اليورانيوم المنضب.
بدأ الجيش الاميركي ومنذ السبعينات بأجراء البحوث الخاصة باستخدام معدن اليورانيوم المنضب في مخترقات الطاقة الحركية ودروع الدبابات. ان مخترقات الطاقة هي سهام معدنية كثيفة بامكانها خرق الدرع عند انطلاقها بسرعة. وقد اكتشف خبراء الجيش الاميركي من خلال اجرائهم البحوث والتطوير والتجارب ان مخترقات اليورانيوم المنضب اكثر فاعلية من افضل بدائلها سبيكة (التنكستن/ Tungsten) في خرق الاهداف المدرعة، وفي الوقت ذاته وجد الجيش ان وضع اليورانيوم المنضب في درع الدبابة يجعلها اقل عرضة لاختراق القذائف التقليدية.
امضى كل من الجيش وصانعي اسلحة اليورانيوم المنضب الاميركان عقدين من الزمن في فحص فاعلية مخترقات ودروع اليورانيوم المنضب ولكنهم اخفقوا في تنسيق تخطيط واداء التجارب الخاصة بالتقييم الصحي والبيئي لليورانيوم المنضب، ومع هذا تمت الاشارة لمخاطر اسلحة اليورانيوم في العديد من التقارير التي انجزت قبل عمليات (حرب الخليج 91). وأحد هذه التقارير الذي احتوى على تحذيرات صارمة من استخدام مخترقات اليورانيوم المنضب وضعته الشركة الدولية للتطبيقات العلمية في تموز من عام 1990 لصالح جيش الولايات المتحدة.
لقد حذر هذا التقرير الموسوم بـ (النتائج الصحية والبيئية لمخترقات الطاقة الحركية) ان استخدام مخترقات اليورانيوم في الهجوم يمكن ان يكوّن كميات كبيرة من غبار اليورانيوم المنضب الذي يشكل الخطر الاكبر على صحة الانسان عندما يستنشقه او يبتلعه وعندما تصيب مخترقة يورانيوم منضب احد الاهداف فان 71% من الهيكل المخترق سوف يحترق ويتأكسد على شكل جزيئات صغيرة.
لقد تنبأ التقرير وحذر بان تعرض الجنود لهباء اليورانيوم المنضب الجوي في ساحة المعركة يمكن ان يكون له تأثيرات ملحوظة كالاشعاع والتسمم.
يمكن لليورانيوم المنضب ان يدخل الجسم نتيجة لاستنشاق الدخان الحاوي على جسيماته او ينتقل من الايدي الى الفم نتيجة لمس العربات الملوثة او استنشاق او ابتلاع الجسيمات المعاد تعليقها او ابتلاع الغذاء او الماء الملوثين باليورانيوم المنضب او تلوث الجروح بهبائه الجوي او من خلال الجروح الناشئة عن شظايا اليورانيوم المنضب.
عندما يتم استنشاق جسيمات اليورانيوم المنضب التي يمكن تنفسها تحبس حوالي 25% من تلك الجسيمات في الرئتين حيث يمكن ان تبقى لسنوات، وما يقدر بثلثي اليورانيوم المنضب الذي يتم استشاقه من دون ان يحبس في الرئتين يتم ابتلاعه في ما بعد وسوف تنتقل هذه الجسيمات وغيرها عبر الجسم خلال مجرى الدم وتترسب لاوقات مختلفة في نخاع العظم والكبد والاعضاء التناسلية والكليتين، وتعتبر الكلية هي اكثر الاعضاء تحسسا لسمية اليورانيوم المنضب. ويذكر التقرير بان التاثيرات قصيرة الامد للجرع الاشعاعية العالية يمكن ان تؤدي الى الموت بينما تؤدي التأثيرات طويلة الامد للجرع الاشعاعية الواطئة الى الاصابة بالسرطان.
كما عبر التقرير عن القلق من احتمال حظر مخترقات اليورانيوم المنضب عندما يتم ادراك اثارها على الصحة والبيئة ادراكا كاملا (هذه وجهة نظر الجيش الاميركي):
(فعند انتهاء المعركة ستصبح حالة ميدانها والمخاطر الصحية طويلة الامد التي يتعرض لعا السكان والعسكريون قضايا تسهم في تقبل الاستمرار في استخدام مخترقات الطاقة الحركية الحاملة لليورانيوم المنضب في العمليات العسكرية).
ان ذلك التقرير، الذي اكتمل قبل احداث اب 1990 ببضع اسابيع وقبل (بدء حرب الخليج 91) ببضعة شهور، قد توقع المشاكل الصحية والبيئية التي يمكن ان تنشأ عن استخدام قذائف اليورانيوم المنضب، ومع هذا فان السلطات العسكرية لم تتخذ اي خطوات لمنع او تقليص اثار اليورانيوم المنضب على السكان والمحاربين قبل استخدام قذائف اليورانيوم المنضب في (حرب الخليج 91).
لقد حاول العديد من مسؤولي الجيش الاميركي وصانعي اسلحة اليورانيوم المنضب الذين امعنوا النظر في تقرير الشركة آنف الذكر، ان يرفضوا مخاوف الشركة المتعلقة باليورانيوم المنضب واكدوا ان مخاطر الهجوم تثير اهتماما اكبر مما تثيره المخاطر طويلة الامد على الصحة بسبب اليورانيوم المنضب. ذكرت الشركة جوابا على هؤلاء المنتقدين (نحن ببساطة نؤشر الاحتمال القائم لمستويات تعرض الافراد العسكريين لليورانيوم المنضب خلال الهجوم والتي يمكن ان تكون غير مقبولة خلال العمليات في زمن السلم).
كما انذر تقرير اخر اعده مختبر الابحاث البالستية التابع للجيش الاميركي من التعرض لليورانيوم المنضب في العمليات الحربية في الخليج فقد ذكر احد الخبراء العسكريين باليورانيوم المنضب (ان الدراسة السابق ذكرها التي اكتملت في كانون الاول 1989 قد اكتشفت ان الافراد داخل العجلة المدرعة او القريبين منها (على بعد اقل من 50 متراً تقريبا)وفي وقت تعرض هذه العربة للهجوم بذخائر اليورانيوم المنضب يمكن ان يصابون بتعرض داخلي ملحوظ (اي اولئك الذين يتعرضون الى اكثر من المستويات المسموح بها).
 كما اقرت الدراسة بان ما معدله 99% من جسيمات اليورانيوم المنضب المحمولة جواً التي تقاس باتجاه الريح السائدة من العجلة المصابة هي بحجم قابل للتنفس (اقل من قطر 10 مايكرون) وهذا يعني انه اذا ما تم استنشاقها فيمكن ان تحبس في الرئتين وعلى نحو دائمي.
وذكر التقرير بانه عندما تصيب قذيفة يورانيوم منضب هدفا ما فان قصبة المخترق تتجزأ او تحترق بسبب قابلية الالتهاب لمعدن اليورانيوم ودرجات الحرارة المفرطة بالتوهج المتولدة عن الصدمة. وقد اظهرت الفحوصات التي اجراها مختبر الابحاث البالستية انه بالرغم من ان جسيمات اليورانيوم المنضب المحمولة جواً يمكن ان تنتقل باتجاه الريح اما اكبر كمية ممكنة من غبار اليورانيوم المنضب الناشئ عن الاصابة فانها تأتي لتستقر داخل العجلة المخترقة بالاضافة الى كميات من غبار اليورانيوم المنضب التي تتجاوز المستويات المسموح بها للسلامة الصحية والتي تبقى على السطح الخارجي وعلى بعد عشرة امتار من الهدف.
كما اظهرت نتائج الفحص بان الجنود الذين يلامسون العجلات الملوثة يمكن ان يستنشقوا غبار اليورانيوم المنضب او ان يبتلعوه من خلال الطعام او تدخين السجائر.. وذلك قبل ان يغلسوا ايديهم ووجوههم.
ويقترح التقرير ان الجندي الذي لامس عربة ملوثة واحدة وقصيرة قد يستنشق او يبتلع كمية كبيرة من غبار اليورانيوم المنضب، ومع ذلك اخفق التقرير في تصوير سيناريو يشابه عملية (حرب الخليج 91) حيث تم اطلاق مئات الالاف من قذائف اليورانيوم المنضب على الاف الاهداف كما قام الاف الجنود بتسلق او دخول العديد من العجلات من دون العلم بوجود تلوث باليورانيوم المنضب من دون استخدام اي رداء واق.
لقد بين بوضوح هذان التقريران وتقارير اخرى اعدت لصالح جيش الولايات المتحدة قبل عملية (حرب الخليج 91) بان المسؤولين العسكريين كانوا يعلمون بان مخترقات دروع الدبابات الحاملة لليورانيوم المنضب قد تستخدم في الهجوم بشكل استثنائي.
الا ان القادة العسكريين في الوقت نفسه كانوا على علم ايضا باحتمالية التعرض واسع النطاق للقوات الاميركية الى غبار اليورانيوم المنضب خلال عملية الهجوم وما بعدها. واحتمال ان يصاب العديد من الجنود بالسرطان ومشاكل الكلى او ينجبون اطفالا بعيوب خلقية نتيجة لتعرضهم ذاك.
استخدام اليورانيوم المنضب والتعرض له خلال (حرب الخليج 91)
وفرت العمليات العسكرية في (حرب الخليج 91) الفرصة الاولى لتجربة اليورانيوم المنضب كسلاح خارق للدروع في ساحة المعركة. فقد رأى الجنود الاميركيون مباشرة تأثير القذائف المخترقة للدروع الاتية من الدبابات والطائرات الاميركية ضد الاهداف المدرعة العراقية بالرغم من ان معظم الجنود كانوا يجهلون بان هذه القذائف قد صنعت من اليورانيوم المنضب وبسبب عدم تحذير القادة العسكريين لجنودهم ضد استخدام هذه النوعية من الاسلحة ومخاطرها، فقد صعد الالاف من العسكريين على ظهر العجلات المدرعة الملوثة، ودخلوا فيها، او تنشقوا الدخان المتصاعد من النيران الحاوية على قذائف اليورانيوم المنضب.
وخلال عمليات (حرب الخليج 91)، اطلقت طائرة A- 10 ما تسمى (بقاتلة الدبابات) حوالي 40 الف قذيفة يورانيوم منضب عيار خفيف بينما اطلقت الدبابات الاميركية من نوعي (MIAI, MI) حوالي اربعة الالاف قذيفة يورانيوم منضب عيار ثقيل خلال الهجوم. تحتوي كل قذيفة عيار 3 ملم اطلقتها طائرة A- 10 على مخترق يورانيوم منضب يزن حوالي ثلثي رطل كما حوت القذائف عيار 105 ملم التي اطلقتها دبابات (MI) على مخترق يورانيوم منضب بوزن 8,5 رطل في كل قذيفة عيار 120 ملم تطلقها دبابة (MIAI) هناك سهم خارق يزن 10,7 رطل.
برهنت مخترقات اليورانيوم المنضب على فاعليتها الكبرى خلال اول تجربة لها في حرب الخليج 91، فقد تم اختراق وتدمير العديد من العجلات المدرعة العراقية قذائف اليورانيوم المنضب، حيث اخترقت هذه القذائف الدبابات العراقية التي تبعد عن مصادر اطلاقها مسافة ميلين، كما تمكنت تلك القذائف التي اطلقت من خلال ممر رملي من اختراق وتدمير الدروع العراقية، وبرهنت حوادث الاطلاق العرضية التي شاركت MIAI من ان قذائف اليورانيوم المنضب يمكنها ايضا اختراق الدروع الحاملة لليورانيوم المنضب. ولكن كان عدم امتلاك العراقيين لمخترقات اليورانيوم المنضب ترسانة اسلحتهم قد سبب جزئيا عدم تمكن الدبابات العراقية من تدمير الدبابات الامريكية.
وقد اشار تقرير المؤسسة الدولية للتطبيقات العملية في تموز/ 1990 من انه في ظروف الهجوم فان اكثر الافراد تعرضا هم من فرق المشاة الذين يدخلون ساحة المعركة مرة اخرى اما سيرا على الاقدام او في وسائط نقل سيارة وذلك اثر تبادل اطلاق ذخائر اختراق الدروع.
واذا كان من المتوقع ان يواجه الجنود حقول الغام او عوامل حرب كيمياوية في ساحة المعركة فمن الواجب اعلامهم بوجود هذه المخاطر وطرائق تجنب التعرض لها، مع ذلك فان الافراد الاكثر تعرضا هم الذين ارسلوا الى ساحة المعركة في الكويت والعراق دون ان يتم تحذيرهم من استخدام ذخائر اليورانيوم او من وجود التلوث به او طرق تجنب التعرض له.
ولعدم قيام القادة العسكريين باعلام قواتهم عن استخدام اليورانيوم المنضب فقد صعد الالاف من المجندين والمجندات على ظهر الدروع المصابة ودخلوا في العربات المصابة بقذائف اليورانيوم المنضب او قاموا بالفعلين معا من دون اية دراية بوجود التلوث ومن دون استخدام اي رداء واق. لقد صعد الجنود او دخلوا الى العربات للبحث عن الجنود العراقيين المختبئين او لنقل العدد الصالحة للاستعمال او لفحص انظمة الاسلحة العراقية وتصويرها.
لقد بين مسحان مستقلان شملا اكثر من 10 الاف محارب في (حرب الخليج 91) ان حوالي ثلثي المحاربين قد دخلوا العجلات العراقية المدمرة التي تلوث العديد منها بغبار اليورانيوم المنضب، كما نقل عن بعض القوات انها تنشقت الدخان المتصاعد من العجلات المحترقة التي اصابتها قذائف اليورانيوم المنضب، اضافة لذلك فان عدداً غير معروف من افراد الكادر الطبي الذي عالج الجنود (التحالف والعراقيون) ربما يكونون قد تعرضوا لغبار اليورانيوم المنضب عن طريق الملابس.
وبعد اكثر من اسبوع على وقف اطلاق النار، نشرت قيادة الجيش الاميركي للاسلحة والذخائر والسلاح الكيمياوي في 7 اذار 1991 رسالة الى الوحدات في الخليج محذرة من ان اية منظومة اصابها مخترق اليورانيوم المنضب يمكن افتراض تلوثها. كما حذرت الرسالة نفسها بان على الافراد تجنب الدخول الى المنظومات الملوثة وان على الافراد المعرضين للتلوث باليورانيوم المنضب غسل المناطق المعرضة والتخلص من ملابسهم، وعلى الر غم من ان هذا التحذير كان ينبغي نشره قبل بدء العمليات العسكرية بشهور وكان ينبغي نشره على نطاق واسع خلال سلسلة القيادة والحكومة والتقارير والمقابلات مع العديد من المحاربين، فانه يظهر انه حتى بعد ارسال الرسالة لم يتم اعلام القوات الاميركية ابداً باستخدام مخترقات اليورانيوم المنضب او بوجود تلوث في ساحة المعركة. وخلال التحقيق الذي خرج به تقرير مكتب المحاسبة العام في كانون الثاني/ 1993، قام المحققون بمقابلة المحاربين من فرقة المدفعية الالية 24 وسرية التجهيزات والخدمات المسماة بـ (نيوجيرسي) رقم 144. لقد عمل الجنود في الوحدتين اعلاه في انقاذ وصيانة عربات الهجوم الاميركية المتضررة او المدمرة بما فيها 29 دبابة وحاملة جنود تلوثت باليورانيوم المنضب نتيجة حوادث اطلاق صديقة (اي من قبل قوات التحالف).
وذكر التقرير انه كان الاحرى ان يدعى بالجيش غير المهيأ بشكل ملائم للتعامل مع التلوث الناتج عن اليورانيوم المنضب، وكشف ايضا ان حوالي 27 جندياً من السرية 144 قد عملوا على او في داخل العربات الملوثة لمدة ثلاثة اسابيع في الاقل (يذكر المحاربون ان المدة هي ستة اسابيع) من دون معرفة بوجود التلوث باليورانيوم المنضب او بمخاطر الاشعاع ومن دون استعمال ملابس واقية.
وفي الحقيقة، ذكر جندي واحد في الاقل من السرية 144 بانه لم يكن على علم بانه قد عمل فوق عجلات ملوثة باليورانيوم المنضب حتى طلب اليه المحققون مقابلتهم في حزيران/ 1992.
ان حقيقة كون الجنود المسؤولين عن انقاذ وصيانة العجلات الاميركية الملوثة لا يعلمون بوجود مخاطر التلوث باليورانيوم المنضب انما يؤشر المدى الذي وصل اليه كتمان المعلومات الخاصة باسلحة اليورانيوم المنضب عن جميع افراد القوات الاميركية وعندما تساءل  المحققون عن نقص المعرفة المنتشر بين القوات الاميركية فيما يتعلق باستخدام ومخاطر ذخائر اليورانيوم المنضب، ذكر المسؤولون العسكريون ان طرائق الوقاية لليورانيوم المنضب يمكن تجاهلها خلال الهجوم والمواقف التي تكون فيها الحياة مهددة .
بما ان المخاطر الصحية المتعلقة باليورانيوم المنضب هي غير ذات اهمية مقارنة مع مخاطر الهجوم، ولسوء الحظ، كانت طرائق الوقاية من اليورانيوم المنضب التي تجاهلها القادة العسكريون تشتمل نشر التحذيرات من استخدام ومخاطر اسلحة اليورانيوم المنضب والتعليمات الخاصة بطرائق تجنب التعرض لها وتوفير ملابس واقية للقوات التي من المحتمل ان تتعرض لها. وعلى الرغم من شدة المخاطر المباشرة للهجوم فان امراض السرطان ومشاكل الكلى والعيوب الخلقية والعواقب الاخرى على الصحة بسبب التعرض لليورانيوم المنضب هي من الخطورة بحيث تسوغ الالتزام بطرائق الوقاية من اليورانيوم.
وبعد بضعة شهور من عودة معظم محاربي (حرب الخليج 91) الى ديارهم، تعرضت القوات الاميركية مرة اخرى لليورانيوم المنضب نتيجة للحريق الهائل في منطقة خزن الذخائر والعجلات في احدى القواعد التابعة للجيش الاميركي في الدوحة، فخلال ست ساعات من الانفجارات الكبيرة وثماني عشرة ساعة اخرى من بقايا الحريق، دمرت كميات كبيرة من الذخائر والعدد بما فيها 660 قذيفة دبابة عيار ثقيل حاملة لليورانيوم المنضب وقذائف عيار خفيف 720. وعجلات حاملة لليورانيوم المنضب واربع دبابات نوع MAI ذات درع مشبع باليورانيوم المنضب.
في ظروف الحرائق الكبيرة كتلك التي حصلت في الدوحة، تحترق قذائف اليورانيوم المنضب وتتأكسد فتصبح على شكل مسحوق وعلى ذلك فمن اصل 9,006 رطلا من مخترقات اليورانيوم المنضب التي فقدت في الحريق من المحتمل ان تأكسدت عدة الاف الارطال من اليورانيوم المنضب وتبعثرت حول المجمع خلال ساعات الانفجار العنيفة وحملتها الريح التي استقرت على سرعة 8 عقدة نحو الجنوب الشرقي.
وعندما كانت النيران مشتعلة، حذر فريق التخلص من المتفجرات الذي كان في طريقه الى الدوحة وبارشاد القادة من المخاطر التي تشكلها الاف الارطال من اليورانيوم المنضب المحترقة وحثهم على ابعاد جنودهم عن اتجاه الريح وإلباسهم اقنعة واقية.
وتؤكد سجلات القيادة المركزية حصول هذا التحذير الا ان القادة لم يحذروا جنودهم من مخاطر اليورانيوم المنضب.
ولم يقتصر الامر على ذلك بل ان اغلب الجنود الذين عملوا في التنظيف بعد الحريق بايام لم يرتدوا اي واقيات تنفس او ملابس واقية لدى استخدامهم للشفلات والمكانس لتنظيف المجمع الملوث.
ان الجيش لا يعرف او لن يعترف بماهية المخاطر التي شكلتها بقايا التلوث باليورانيوم المنضب على الجنود الاميركيين المنتشرين في الدوحة وقتها.
وعلى الرغم من ان التقرير الختامي للجنة الاستشارية الرئاسية حول امراض محاربي (حرب الخليج 91) قد قللت من اهمية الصلة ما بين التعرضات السمية العديدة بما فيها اليورانيوم المنضب والمشاكل الصحية الحالية التي يعاني منها محاربو (حرب الخليج 91) فقد لاحظ انه:
• كان يمكن للجنود الاميركيون (في الخدمة) ان يتعرضوا لليورانيوم المنضب لو انهم تنشقوا جسيمات غبار اليورانيوم المنضب، او لو انهم عاشوا او عملوا في مناطق لوثها غبار اليورانيوم المنضب الناتج عن حرائق ذخائر حدثت صدفة، وعلى هذا يمكن ان يحصل تعرض غير ضروري للعديد من الافراد.
• كما لاحظت اللجنة بما ان اليورانيوم هو مادة مسببة للسرطان فان التعرض له يمكن ان يؤدي الى زيادة طفيفة في مخاطر الاصابة بسرطان الرئة بعد عقد او عقدين من نهاية الحرب.
• ليس من الاكيد ان الزيادة في سرطانات الرئة ستكون طفيفة او ملحوظة لان وزارة الدفاع وشؤون المحاربين قد رفضتا تقييما لمدى تعرض الجنود الى 600 الف رطل من التلوث باليورانيوم المنضب على ارض المعركة اثناء (حرب الخليج 91)
  التردد بين اجراء الفحص وعدمه
حذرت تقارير الجيش ما قبل العمليات الحربية من احتمالية تعرض واسع النطاق لليورانيوم المنضب عند استخدام القذائف الحاملة له في الهجوم وتنبأت ايضا ان الجنود والمدنيين المعرضين له يمكن ان يعانوا من السرطان ومشاكل الكلى والتأثيرات الصحية الاخرى نتيجة التعرض له في ساحة المعركة، وبالرغم من انه كان ينبغي فحص الجنود للكشف عن نسبة اليورانيوم المنضب في اجسادهم بمجرد خروجهم من ساحة المعركة فان طول الوقت الذي مضى منذ (حرب الخليج 91) بالاضافة  الى ان جسم الانسان يطرح طبيعيا بعض اليورانيوم المنضب مما يجعل فحص محاربي (حرب الخليج 91) الان بالغ الصعوبة. ومع غياب الطرائق الفعالة لفحص اليورانيوم المنضب فان افتراض التعرض له ينبغي ان يتوسع ليشمل جميع محاربي (حرب الخليج 91) وكذلك توفير الرعاية الطبية والتعويض عن الاصابة بسرطان الرئة ومشاكل الكلى والعيوب الخلقية والاثار الصحية الاخرى المتعلقة بذلك. لقد لاحظ تقرير معهد السياسة البيئية التابع للجيش الاميركي في العام 1995 والخاص باليورانيوم المنضب فائدة فحص المادة داخل جسم الانسان (وان قياس اليورانيوم المنضب التي دخلت جسم الجندي هي شيء عملي بعد تعرضه الاولي ويمكن ان تحسن من قدرة الجيش على كمية التعرض نتيجة لذلك).
وينص التقرير ايضا على ان جرعة الاشعاع في اعضاء الجسم الحساسة تعتمد على الوقت الذي استغرقه استقرار اليورانيوم في الاعضاء، وعندما يتم التعرف على هذه القيمة او يتم تقديرها يمكن بعدئذ تحديد تقديرات خطر الاصابة بالسرطان.
اما العاملون باليورانيوم المنضب مثل اولئك الذين يصنعون مخترقات اليورانيوم فانهم يدخلون دورات منعشة للذاكرة سنويا كما يتم مراقبة تعرضهم للمادة بوسائل عدة كالشالات المغطاة بغشاء رقيق (حساس لليورانيوم) وشالات الحلقة والفحوصات الطبية السنوية وتحاليل الادرار ويعتبر تحليل الادرار طريقة اولية لمراقبة تعرض العمال لليورانيوم المنضب لانه يمكن ان يوفر تقديرات دقيقة عن المادة داخل الجسم ولعدة اسابيع بعد حصول التعرض، اضافة لذلك يتم اجراء فحوصات شاملة اكثر دقة لبعض العمال ولعدة مرات في السنة.
بالرغم من ان اهمية فحص الافراد الذين تعرضوا لليورانيوم المنضب قد حازت على اعتراف الجيش وصناعة اليورانيوم المحلية فقد اعلن الجراح العام في الجيش (ان المتابعة الطبية للجنود الذين مروا بتعرض عرضي لليورانيوم المنضب عن طريق الغبار والدخان هو اجراء لا مبرر له ومع هذا كان التعرض للغبار والدخان الحامل لليورانيوم المنضب وليس غيره قد وصف في تقارير ما قبل الحرب على انه يشكل اكبر خطورة على الجنود في ساحة المعركة وربما اعتمادا على (الجراح العام في الجيش) فقد نبذت كل من شؤون المحاربين ووزارة الدفاع فحص اليورانيوم المنضب في اختبارات التسجيل التي اجريت على اكثر من 90 الف من محاربي (حرب الخليج 91) المرضى.
ولسوء الحظ فان الغالبية الساحقة من افراد الخدمة الحاليين والسابقين الذين يمكن ان يكونوا قد تعرضوا لتلوث اليورانيوم المنضب لم يتلقوا اي فحص او مراقبة اوصى بها معهد السياسة البيئية التابع للجيش او مثل تلك الإجراءات المتوفرة للعمال قبل (حرب الخليج 91).
     كما لم يتوفر اي تدريب للجنود الامريكيين حول استخدام ذخائر اليورانيوم المنضب وطرائق تجنب التعرض له، وكذلك الجنود الذين لامسوا العجلات الملوثة في ساحة المعركة لم تجرى لهم تحاليل الادرار لتحديد مستوى تعرضهم. وحتى اليوم لا يتم فحص الجنود خلال الخدمة فحصا روتينيا لاكتشاف نسبة تعرضهم لليورانيوم المنضب، كما ان تدريبهم على استخدام ذخائره ومخاطرها هو قليل ويكاد يكون معدوما.
وعلى الرغم من احتمال تعرض الاف المحاربين لليورانيوم المنضب في ساحة المعركة فان شؤون المحاربين تراقب صحة 33 جنديا من الذين جرحوا خلال حوادث اطلاق اليورانيوم المنضب العرضية. لقد اصبح هؤلاء (اثنان وعشرون منهم ما تزال شظايا اليورانيوم المنضب في اجسادهم من دون دراية منهم) عبارة عن عينات اختبار لاول دراسة طبية بشرية لتقويم مخاطر اليورانيوم المنضب على الصحة تقويما شاملاً.. اضافة الى ذلك يستخدم هؤلاء المحاربون الثلاثة والثلاثون لتطوير طرائق فحص اكثر حساسية لاكتشاف اليورانيوم المنضب داخل الجسم وبالرغم من تصريح شؤون المحاربين ان ايا من هؤلاء لم يصب بالسرطان او مشاكل الكلى فان محاربين آخرين من الذين اصيبوا بالسرطان او مشاكل الكلى او انجبوا اطفالا بعيوب خلقية منذ الحرب قد حرموا من الفحوصات والمعالجة.
لقد وفرت وزارة شؤون المحاربين مؤخرا فحصاً يشمل على تحليل ادرار بضع محاربين الحوا في طلب ذلك على الرغم من حقيقة معرفة شؤون المحاربين بان تحاليل الادرار لن توفر تقديرات دقيقة عن وجود اليورانيوم المنضب او مستوياته داخل الجسم ولهذه المدة الطويلة من بعد تعرض المحارب له في (حرب الخليج 91)، وبالرغم من ان غبار اليورانيوم المنضب المستنشق يحبس في الرئتين لسنوات فان جزءاً كبيراً من جزيئاته التي تم ابتلاعها تطرح خارج الجسم من خلال الادرار او الغائط بعد بضع اسابيع من التعرض. تقول الدكتورة ميلسا ماكدا ايرمد مديرة برنامج شؤون المحاربين الخاص باليورانيوم المنضب (ان تحليل الادرار يعد حاليا الطريقة العلمية الوحيدة لفحص اليورانيوم المنضب حتى يتم تطوير طرائق فحص وآلية اكثر دقة نتيجة للدراسات التي اجريت على المحاربين الذين ما تزال شظايا اليورانيوم المنضب في اجسادهم، ولكن بغياب طرائق فحص اكثر فاعلية، فان استخدام تحاليل الادرار حاليا لفحص تعرض المحاربين لليورانيوم المنضب من المحتمل جدا ان توفر للمحارب وطبيبه تقديرات غير دقيقة حول وجوده ومخاطره في الجسم).
وذكر التقرير الختامي للجنة الاستشارية الرئاسية حول امراض محاربي (حرب الخليج 91) بأنه وبسبب الوقت الذي مضى منذ تعرض معظم المحاربين لليورانيوم المنضب سيكون من الصعب اكتشاف هذه المادة حتى بأستخدام اجهزة اكثر تطورا تقوم بفحوصات متخصصة مثل فحص الرئة. كما ذكر التقرير بان العاملين الذين سبق ان يعرضوا لليورانيوم يمكن ان يكونوا في خطر اكبر في حالة اصابتهم بمرض كلوي من اولئك الذين  لم يتعرضوا، كما لوحظ ان فقدان 75 بالمائة من وظيفة الكلى لا يمكن اكتشافه سريرياً.
وكما سبق ان عرف الكثير من المحاربين فان، الاطباء لا يمكن ان يتخللهم الشك بان اليورانيوم هو سبب مشاكل الكلى او ان يقولوا ذلك.
ولصعوبة الحصول على نتائج فحص دقيقة لليورانيوم المنضب داخل الجسم بعد هذه المدة الطويلة من انتهاء الحرب ينبغي على  وزارة شؤون المحاربين ان تتوقف عن اجراء فحوصات تحليل الإدرار غير المؤهلة وان تفترض ان جميع محاربي (حرب الخليج 91) قد تعرضوا لتلوث اليورانيوم المنضب وان تعالج وتعوض المحاربين الذين يعانون من مشاكل الكلى وسرطان الرئتين والمشاكل الصحية الاخرى التي يحتمل انها نتجت عن تعرض لليورانيوم المنضب.
التروي والبيانات
لسوء حظ المحاربين الاميركان، ان سياسات كل من شؤون المحاربين ووزارة الدفاع المتعلقة باليورانيوم المنضب قد تأثرت تأثيرا كبيرا بمصالح الميزانية المالية مع بقاء الرغبة في الاستمرار باستخدام اسلحة اليورانيوم المنضب من دون ان تتأثر بالمنطق والعدالة.
فقد اشارت كل من وزارتي الدفاع وشؤون المحاربين عن رغبتهما في تجنب تحمل تكاليف المشاكل الصحية الناتجة عن اليورانيوم المنضب، ويمكن قياس نجاح جهودها في حياة المحاربين غير القادرين على الحصول على الرعاية الصحية وتعويضات العوق لاصابتهم بالسرطان ومشاكل الكلى وانجاب الاطفال بعيوب خلقية والتأثيرات الصحية الاخرى ويمكن ان تصبح اثار ذخائر اليورانيوم المنضب في المستقبل اكثر انتشاراً لان جهود وزاة الدفاع المتواصلة لضمان الاستخدام المستمر لاسلحة اليورانيوم المنضب قد منعت اجراء مراجعة موضوعية للعواقب الصحية والبيئية لذخائر اليورانيوم المنضب.
وكما لوحظ سابقا، لم يعد بالامكان الحصول على نتائج دقيقة للفحوصات الخاصة باليورانيوم المنضب داخل اجساد محاربي (حرب الخليج 91) الذين تعرضوا له، ومع ذلك كان جواب وزارة شؤون المحاربين لقرار اتخذته جمعية محاربي الحروب الخارجية في العام 1996 والذي دعت فيه الى فحص شامل للمحاربين قد شكل فكرة تعكس الدوافع الخفية لمعارضة وزارة شؤون المحاربين اجراء فحص شامل لتحديد مدى التعرض لليورانيوم المنضب بسبب كلفة وصعوبة تحقيق هذه الفحوصات، فقد ذكر احد الاطباء ان تكلفة هذا الفحص هو ما يقرب من 500 دولار للمحارب الواحد، ناهيك عن الصعوبة القصوى في اجراء هذه الفحوصات بسبب حقيقة كون وزارة شؤون المحاربين لا تمتلك سوى جهازا واحدا في المركز الصحي التابع لها في بوسطن. وأشار تقرير معهد السياسة البيئية التابع للجيش في العام 1995 الى ان المصالح المالية هي ايضا تؤثر في السياسات العسكرية الخاصة باليورانيوم المنضب.
ان مقدمة التقرير لا تخفي نوايا الجيش الحقيقية: “عندما اتهم اليورانيوم المنضب بكونه العامل المسبب لمرض (عاصفة الصحراء) فلابد ان تتوفر للجيش بيانات كافية للفصل بين الحقيقة والخيال من دون التروي والبيانات سيكون علينا الإسراف في صرف الاموال على العوق طويل الامد وتكاليف الرعاية الصحية”.
هذه الفقرة تضمنتها مقدمة التقرير آنف الذكر قام بتسريبها الى عامة الناس مشروع شبكة المواطنين لليورانيوم المنضب في كانون الثاني من العام 1996.
وقد استعملت وزارة الدفاع ايضا تعبير “التروي والبيانات” لتبرير الاستمرار في استخدام مخترقات اليورانيوم المنضب وحتى قبل انتهاء المعارك في (حرب الخليج 91) كان صانعوا السياسة قد خططوا فعلا لضمان استخدام تلك المخترقات مستقبلا. فقد جاء في مذكرة مختبرات لوس آلاموس القومية في آذار 1991 التي اعيد نشرها في هذا التقرير، ان مخترقات اليورانيوم المنضب كانت شديدة الفاعلية ضد الاهداف المدرعة العراقية، ومع ذلك فقد اقترح كاتب المذكرة زيهمان ان القلق من التأثيرات البيئية لليورانيوم المنضب تجعل من القذائف الحاملة له غير مقبولة سياسيا وينشأ عنها خطر لمخترقات اليورانيوم المنضب لذا اوصى بان يتم ضمان مستقبل استخدامها من خلال تأييد وزارة الدفاع المسبق وان تتم كتابة تقارير عملية (عاصفة الصحراء) بشكل تجعل استخدام هذه القذائف شرعيا.
ان سياسة التأييد المقترحة في مذكرة لوس آلاموس قد اصبحت واضحة منذ (حرب الخليج 91).
ويذكر تقريرمعهد السياسة البيئية التابع للجيش (نشر عام 1995) العديد من عيوب مفهوم الجيش عن اليورانيوم المنضب، الا انه تمت كتابته لجعل استمرار استخدام مخترقات اليورانيوم المنضب شرعية. وعلى الرغم من ان القوات الاميركية لم يتم تحذيرها ابدا بشان استخدام اليورانيوم المنضب من المحتمل تعرض الجنود لها خلال (حرب الخليج 91) فان التقرير السابق الذكر قد امتدح سلوك الجيش (بعد مراجعة شاملة لاستخدام منظومات الاسلحة الحاوية لليورانيوم المنضب حيث خلص التقرير الى ان الجيش قد قام بعمل ممتاز لاهتمامه بالتأثيرات البيئية والصحية الناشئة عن هذه المنظومات).
يؤدي هذا التصريح الى التشكك الجدي في قدرة الجيش ووزارة الدفاع الاميركية على التقويم الموضوعي والاهتمام بالنتائج الصحية والبيئية لذخائر اليورانيوم المنضب. ففي عام 1996 قلل الدكتور ستيفن جوزيف الذي كان مساعد وزير الدفاع لشؤون الصحة في ذلك الوقت، من اهمية المخاطر واشار الى فاعلية اليورانيوم المنضب في جوابه على اسئلة الكونغرس ـــــــــ “تدرك وزارة الدفاع إدراكا كاملا المشاكل المتعلقة باليورانيوم المنضب خلال الهجوم، ومع ذلك فاستخدام هذه المادة في تصاميم التروس الخاصة بعجلات الهجوم تزيد بشكل كبير من قابلية الافراد على البقاء احياء في ساحة المعركة، ناهيك عن ان الزيادة الملحوظة في نطاق ذخائر اليورانيوم المنضب توفر نوعا من الامتياز التكتيكي الضروري في تقليص نسبة الاصابات بين قواتنا. ارجو ان تطمئنوا ان وزارة الدفاع ملتزمة التزاما كاملا في اتخاذ جميع الإجراءات الاحترازية لضمان سلامة جنودنا”.
ومع معرفة مدى تستر البنتاغون على التعرض الكيمياوي في (حرب الخليج 91) وتورط الدكتور جوزيف شخصيا في ذلك التستر فليس من المحتمل ان يتقبل المحاربون او الجنود المكلفون او الكونغرس او الناس عامة تطمينات البنتاغون بان جميع “الاجراءات الاحترازية” قد اتخذت في مواجهة تأثيرات اسلحة اليورانيوم المنضب.
قد تكون سياسة التأييد المقترحة في مذكرة لوس آلاموس قد أثرت في شهادة خبيرين من لوس آلاموس ومختبرات لورنس ليفرمور القومية امام اللجنة الاستشارية الرئاسية الخاصة بامراض محاربي (حرب الخليج 91) في آب/ 1996 حيث قلل العالمان من اهمية مخاطر اليورانيوم المنضب داخل الجسم ومن اهمية دوره في عيوب اطفال محاربي (حرب الخليج 91) الخلقية.
لقد اظهرت وزارة الدفاع بالقول والفعل وباستمرار بانها مهتمة بتجنب التكاليف الكبيرة للرعاية الصحية ودفع مبالغ للمعوقين من محاربي حرب الخليج وباستمرارها في استخدام اليورانيوم المنضب اكثر من اهتمامها بمواجهة مخاطر هذه الاسلحة بنزاهة وشمولية. لقد عملت وزارة الدفاع بالاشتراك مع علماء تمولهم الحكومة الفيدرالية وشؤون المحاربين وبدهاء على استعمال تعبير “التروي والبيانات” من شأن مخاطر اليورانيوم المنضب وتفادي مناقشة التعرض واسع النطاق الى غبار اليورانيوم المنضب فوق العجلات المدرعة وفي الدخان وفي حرمان الآف المحاربين الذين تعرضوا للمادة في ساحات المعارك من الفحص والرعاية.

الولايات المتحدة تقدم اعتذارا… الى اليابان:
وكما ترفض وزارة الدفاع تحمل مسؤولية تعرض جنودها لليورانيوم المنضب فانها تنكر ايضا اي مسؤولية عن تنظيف اكثر من 600 الف قذيفة من تلوث اليورانيوم المنضب الذي ما يزال موجودا في الكويت والعراق. لو ان الاخفاق في تنظيف التلوث الذي سببته (حرب الخليج 91) يشكل سابقة فيمكن تركه في ساحات معارك المستقبل في انحاء العالم حيث سيستمر تسميم اجيال من الجنود والمدنيين.
من الصعوبة بمكان تنظيف اليورانيوم بعد اطلاقه في ساحة معركة او تجربة وتأكسده وبعثرته في الهواء او المياه. ان قطع مخترق اليورانيوم المنضب المتروكة على الارض تتآكل وتتأكسد مما يؤدي الى نشر اكثر الجسيمات الملوثة في التربة والمياه الجوفية. ومما يعقد عملية تنظيف اليورانيوم اكثر هو وجود المعدات التي لم تفجر بعد.
لقد ذكر تقرير  الشركة الدولية للتطبيقات العملية قبل (حرب الخليج 91): (اذا افترضنا انه تم إتباع المعايير التنظيمية الاميركية والممارسات الصحية فمن المحتمل ان تظهر الحاجة لشكل من اشكال العمل العلاجي في المكان الذي استخدم فيه اليورانيوم المنضب. ومع هذا وبعد عمليات (حرب الخليج 91) عندما تبعثرت الاف الارطال من اليورانيوم المنضب على مساحة واسعة طمأن معهد السياسة البيئية التابع للجيش المسؤولين العسكريين بالقول انه ما من قانون دولي او معاهدة او تعليمات او اعراف تفرض على الولايات المتحدة ان تعالج ساحات معارك (حرب الخليج 91).
ان التكاليف الكبيرة للتنظيف وكذلك الاعتراف الرسمي بمخاطر اليورانيوم المنضب التي لا بد ان تصاحب اية عملية من هذا النوع يجعلان امكانية قيام وزارة الدفاع بالعلاج الطوعي لساحات معارك (حرب الخليج 91) امرا غير محتمل.
لقد وصلت تكاليف تنظيف ما يقدر بـ 152 رطلاً من اليورانيوم المنضب من مساحة 500 فدان الخاصة بتجارب منطقة جيفرسون/ أنديانا ما بين 4الى 5 مليارات دولار اما تكاليف تنظيف اكثر من 600 الف رطل منتشرة على مئات الاميال المربعة في الكويت والعراق فيمكن ان تصل الى عشرات المليارات من الدولارات.
ومن الجدير بالذكر كان تحذير هيئة الطاقة الذرية في المملكة المتحدة من احتمال وفاة 500 الف جندي ومدني معرضين لليورانيوم المنضب قد استند على تقديرات هي ان 80 الف رطلا من ملوثات اليورانيوم المنضب على ارض المعارك، لقد اصبح التنبؤ البريطاني حقيقة اذ اشارت تقارير من ساحات المعارك جنوبي العراق ان اعدادا كبيرة من الاطفال يعانون الان من اللوكيميا وامراض السرطان التي تنشأ عن التعرض لليورانيوم المنضب.
الا ان وزارة الدفاع اعتذرت مؤخرا لليابان لاطلاقها 1520 قذيفة يورانيوم منضب عيار خفيف في العامين 1995 و 1996 على جزيرة غير مأهولة قرب اوكيناوا. وأمر المسؤولون الاميركيون باخراج حوالي 64 رطلا من اليورانيوم المنضب من الجزيرة اليابانية من اصل 464 رطلا من مخترقات اليورانيوم المنضب التي تم اطلاقها. وحاول المسؤولون العسكريون طمأنة اليابانيين من ان الطلقات ذات إشعاع مساو لإشعاع التلفزيونات الملونة القديمة ولكن بسبب كون مخترقات اليورانيوم المنضب المستعملة (معدن اليورانيوم المنضب دون ترس) له فاعلية مشعة تصل الى 200 في الساعة فانها ترسل جرعة إشعاع x- ray مساوية الى 30 اشعة في الساعة الواحدة.
ولا عجب ان البنتاغون قد عبر عن اسفه لاطلاق 500 رطل من اليورانيوم المنضب في اليابان وذلك بسبب خبرة اليابانيين الاصلية بتأثيرات الاشعاع وعدم ارتياحهم للوجود العسكري الامريكي في اوكيناوا. ولكن في خطوة اكثر توقعا لم يعبر البنتاغون عن اي اهتمام بتحمل مسؤولية 600 الف قذيفة يورانيوم منضب في الكويت والعراق او الاعتذار او حتى معالجة محاربي (حرب الخليج 91) وشعبي الكويت والعراق المستمرين في العيش مع التلوث باليورانيوم المنضب.
لقد اطلقت القوات الاميركية ايضا قذائف اليورانيوم المنضب في البوسنة والسعودية وفي بلدان اخرى ضمن مهمات تدريبية او هجومية. لقد نتج عن ظهور فاعلية مخترقات اليورانيوم المنضب في (حرب الخليج 91) الى التوسع باستخدام ذخائر هذه المادة في ترسانة الاسلحة الاميركية. فمخترقات اليورانيوم المنضب تستخدم الان في كل منظومة هجومية تقريبا يمكن ان تواجه اهدافا مدرعة بما في ذلك طائرة A-10 (قاتلة الدبابات) وطائرة هاربر AV- 8B ودبابات المعارك ابرامز نوع MIAI, MIA2 وعجلة برادلي المقاتلة.
وكما توقعنا فان الولايات المتحدة لن تعد البلد الوحيد الذي يملك ذخائر اليورانيوم المنضب، فقد حصلت عليه وطورته كل من المملكة المتحدة وفرنسا وروسيا واليونان وتركيا واسرائيل والسعودية والبحرين ومصر والكويت والباكستان وتايلند وتايوان ودول اخرى لم يكشف عنها البنتاغون لاسباب تتعلق بما يسمى بالامن القومي.
ان النشر السريع لاسلحة اليورانيوم المنضب في العالم يقلص باستمرار اي تفوق في ساحة المعركة يوفره الان للقوات المسلحة الاميركية لقد ذكر تقرير المعهد متشائما:
(بما ان اسلحة اليورانيوم المنضب قد اصبحت متوفرة بشكل مكشوف في سوق السلاح العالمي فسيتم استخدامها في نزاعات المستقبل وربما يزداد عدد المرضى بسبب اليورانيوم المنضب، ازدياد ملحوظا لان دولا اخرى ستستخدم انظمة حاوية على هذه المادة).
وبازدياد الدول التي تطور وتحصل على ذخائر اليورانيوم المنضب مع توسع العسكرية الاميركية باستخدام المخترقات الحاملة له، سيزداد عدد الجنود الاميركيين الذين سيكونون ضحايا السلاح الذي صنعته ونشرته حكومتهم.

* المصدر
Dan Fhey- Depleted Uranium, The Stone Unturned, 1997
[email protected]