18 ديسمبر، 2024 8:02 م

اليسار العراقي وحطام انقلاب 14 تموز…!

اليسار العراقي وحطام انقلاب 14 تموز…!

للمرة الثانية أكتب وبصوت عال عن اليوم الأسود في تاريخ الشعب العراقي  يوم بداية استرخاص الدم والسحل والتعذيب وشهوة سفح الدم والقتل المجاني وضياع حرمة القانون ومعايير العدالة وتغييب مؤسسات الدولة حيث البزات العسكرية الهادرة بمارشات القتل وما يسمى محاكم الثورة ، ذلك اليوم الأسود الذي بدأ  وأستمر لعقود كثقافة أسادها العسكر عندما تدخل بالسياسة مع ما يسمي ظلما ( ثورة ) تموز ، فهنا اندلع حريق حكم الثكنة ، حكم الشلة الطائشة من المغامرين العابثين والمغرمين حد الموت بحب الزعامة والحماقات ( الثوروية ) في تغيير العالم على حساب قضايا الأئّمة برمتها، لقد توصلت إلى هذه القناعة الأكيدة بعد دراسة معمقة وجادة ومحايدة معرفيا لتجارب سائر الشعوب التي حكمها العسكر والتي دفعت ثمنا باهظا من نهضتها ودماء أبنائها التي سحقتها شعارات الضباط المصروعين بالمغامرة وحكم الشعوب بعقلية فتح الأمشاط حيث لازالت هي الأبرز تخلفا اليوم عبر ذلك القطع القسري الحاد في محاولات نموها وتطورها التاريخي بسبب ثقل زحف ذوي البساطيل الخانقة لكل هواء التقدم والحرية وعقلية بناء الأمم على أسس علمية منضبطة ومعها إيقاف وتدمير أي سعي جاد لتشكيل الدولة الوطنية الحديثة الهادفة إلى المساواة في المواطنة وفي المقام الأول حفظ حق الناس بالحياة والسعي فيها بشم هواء من الرحمة والاخوة والمؤازرة وقيم التضامن …!

لقد اُختزلت الأمم بشخص الجنرال وعقله ، فلا نظريات اقتصادية أو سياسة أو قانونية أو أكاديمية أو تخطيطية أو برامج تعلو فوق ذكاء شلة العسكر ، فهؤلاء كانوا هبة الرب في سلخ عقول الملاين من الانتليجسيا ليستعاض بها بعقل ضابط فاشل وأهوج تدرج في النياشين وسط ساحات العرضات والأوامر وإذلال الرتبة الأصغر …!

من القارة اللاتينية شيلي ، الأرجنتين ، كولومبيا ، هاييتي، المكسيك ، هندوراس ، غواتيمالا… بلدان أكثر تخلفا وتصحرا وحياة مأساوية.. ، مرورا بأكثر البلدان تخلفا في أوربا اليوم هي التي تحملت تبعات العسكر مثل البرتغال واليونان وأسبانيا ..مرورا بالكوارث الفظيعة لهذه الأنظمة في أكثر البلدان العربية التي كانت يوما منارات للتطور والمعرفة  والنهضة والتاريخ النير والواشم عميقا مثل مصر وسوريا والعراق واليمن والسودان وليبيا ..الثورات العربية شاهد على الفراغ الهائل الذي تركه العسكر في بنية ونسيج هذه الشعوب على جميع الأصعدة….!

لقد زرت عدد غير من هذه البلدان التي زعقت أرواحها العساكر ولا زالت تدفع ذلك الثمن الغالي من معوقات اللحاق بركب العالم السريع التطور وشاهدت بالملموس أي ظلام دامس وتغييب مورس بحقها وحق إنسانها في العيش ولو بالحدود الدنيا حق الحياة فقط…!

لقد وضعنا العسكر أمام  طاحونة الموت النازفة من كل جانب …وتحول العويل والمراثي والحزن لسفر قاس في حياة إنساننا ..لقد توسعت المقابر الزاحفة على الصحاري ومعها حرقة الدموع وعذابات أمهاتنا وأخواتنا ، وأصبح مشهد الدم المراق أمرا يقف في المشهد الأخير في حرمته ومحاولة إيقافه في تلافيف عقلية أصحاب الشعارات حيث الزعيم ( الذي زود العانة فلس ) وفي إصلاح زراعي كوميدي وفي تأميمات وظفت تلك الأموال القادمة في بناء السجون وجلب أدوات القهر والتعذيب والمشانق وذلك الرصاص الحاصد لأحبتنا…خيم الموت على عراق كان مهدا للحضارة والخضرة والثقافة والفن وتهويمة حب الدنيا…لقد أصبحت أيامنا مجرد موت عبثي مجاني وأصبح صاحب حظوة من الذي دفعته الأيام منفيا على موائد ( الإمبريالية ) كما يردد البعض المجنون بالشعار العبثي ، للأسف أن بعضهم يغمس خبزته فيها لكن ما أن يشد الرحال إلى العراق حتى يعود إلى ( مجد ) أيام  خوالي من الثورية  الزائفة التي انتهكت كرامة بل وغيبت وإلى الأبد الملايين من البشر …!

هناك حراك جاد في بلدنا لا نريد له أن يفشل لتشكيل يسار جديد متصالح مع العالم ودارس لتاريخ العراق بشكل محايد وعلمي وجاد وغير مؤدلج بفحيح الشعارات ..هذا اليسار يجب إن يبتعد وبجدية عن تمجيد واختزال التاريخ عبر الأهازيج والترديد الأعمى ، على اليسار إن يضع المحطات الكبرى في تاريخ العراق كإشكاليات قابلة للاختلاف والخلاف وان يركنها جنبا كونها التزام مطلق في عمله بين الناس وأن ينظر بعين مفتوحة وبرؤية واسعة لعذابات العراقيين وشقائهم إبان هذه الحقب المتلاحقة من صراع الضباط على السلطة والسلطة فقط..من يرى في الزعيم والجنرال مُنقذا هذا شأن خاص به لكن أن يضع كل اليسار ثقله خلف محطات بائسة في التاريخ لأمر صعب تفهمه حقا…!

ليس بالضرورة إدانة العسكر وانقلابهم يعني تأييد الملكية فهناك إشكاليات قابلة للنقاش دوما كما في سائر أنظمة الحكم في العالم ، اليوم نحن نحكم على النتائج دون أن ننسى طبعا أن في التاريخ القريب من انقلاب تموز كانت هناك مكارثية في أمريكا ودكتاتوريات في أوربا وكل العالم…كان العراق أكثر انفتاحا ورحمة مع أبناءه …!

لقد بدأت الشبيبة العراقية التي يعول عليها بناء عراق جديد دراسة تاريخ الوطن بشكل أكثر عمقا منا ، لهذا بدأ هناك فهم للمأساة العراقية الذي فتحها هذا الانقلاب ..في مقالة لي السنة الماضية اندهشت من كم التفهم لمقالتي وتأييد الأفكار الواردة فيها والإضافات الهامة عليها سواء عبر التعليق المباشر أو في الرسائل التي وصلتني وخصوصا من شباب الوطن في الداخل ومن فقراء العراق تحديدا…!

نعم ليسار يرفض كل إشكال القتل والسحل والتدمير في تاريخ العراق الذي عُجّن بالعنف والموت والدمار للأسف..!

علينا أن نخرج من عباءة مكابرات تاريخية بائسة ترفضها أي عقلية منتمية للحداثة والتقدم والحرية وحق تنفس فسحة العيش…!

أوقفوا نزيف الدم العراقي وخذوا كل هذا الهراء الذي يمجد تغييب الناس إلى الجحيم …!

كاتب وسياسي/ السويد