المقالة : تحدثنا في الحلقة السابقة عن الدور الغير مباشر الذي لعبه كل من معاوية بن أبي سفيان و علي بن أبي طالب في قتل الحسين بن علي بن أبي طالب و ٧٦ شخص من بني هاشم في صحراء كربلاء أوائل سنة ٦١ هجري … لم نحتاج الى كتابة أكثر من جملة واحدة لإقناع قراء تلك الحلقة ان يد معاوية كانت ” ملطخة ” بدم الحسين ; ولكنا كتبنا الكثير عن دور علي في مقتل الحسين وقلنا ان من قتل الحسين وطفله الرضيع وغيرهم من شهداء كربلاء كانوا ” يغرسون ” رماحهم وسيوفهم في جسد علي بن أبي طالب وليس في جسد هؤلاء ، انتقاماً منه لما حدث بينهم في صفين والنهروان وغيرها !! .. ففي يوم واحد ترك عشرة آلاف مقاتل علي وجيشه وأصبح علي هو عدوهم الأول .. لذلك ادرك علي هذه الحقيقة ، فعندما حضرته الوفاة طلب من ولديه الحسن والحسين أن يدفنوه في مكان سري وفي عتمة الليل لكي لا يعبث اعداءه بقبره ; وحصل له ما أراد ، ولم يٌعرف مكان قبره .
طيب ، عرفنا دور معاوية وعلي في قتل الحسين ، فما هو الدور الذي لعبه الحسين في قتل الحسين نفسه ؟؟ .. اخبرتكم ان آل علي و آل عقيل وآل جعفر وآل العباس غادروا الكوفة الى المدينة المنورة سنة ٤٠ هجري ولم يعودوا اليها إلا أوائل سنة ٦١ هجري عندما استجاب الحسين لرسائل أهل الكوفة بالعودة وقيادتهم … كيف يتصرف الحسين وقد ترك بلداً قبل٢١ سنة ؟؟ .. كم يحتاج من ” الإحماء والتدريب ” لكي يعود الى قيادة الناس بعد استرخاء دام أكثر من ٢٠ سنة ؟؟ علماً ان التاريخ لم يخبرنا أن الحسين لبس يوماً ” قبعة ” القيادة حتى في عهد أبيه ; حيث كان في ” الظل ” على عكس أخيه الحسن ، علماً ان فرق العمر بينهما هو سنة واحدة فقط …. للأسف التاريخ كان معنا شحيحاً بمعلوماته ، لم يخبرنا ماذا كان يصنع الحسين طيلة ٢٠ سنة كاملة في المدينة ؟ .. هذه هي مشكلة التاريخ فانه ” يركض ” خلف الأضواء ; لا ” ينام ” إلا في العواصم .. فعندما كانت مدينة الرسول هي العاصمة في عهد النبي محمد (ص) وأبو بكر وعمر وعثمان ، كان التاريخ لا يبرح تلك المدينة وأخبارها .. وعندما نقل علي الخلافة الى الكوفة ، هجر التاريخ مدينة الرسول ولم يكاد يذكرها مرة كل ١٠٠ سنة ; حتى ان عودة الحسن والحسين لها بعد غياب ٤ سنوات فقط لم يشفع لتلك المدينة ، اذ سرعان ما ذهب التاريخ الى دمشق ليستقر فيها !!
بما أن الحسين قبل الدعوة وقرر تنفيذها فوراً رغم اعتراض ابن عمه عبدالله بن عباس وعبدالله بن عمر بعدم الذهاب وذكراه بوالده ومشاكله مع أهل العراق .. لذلك كانت خياراته محدودة .. رفض الحسين للمرة الثانية اقتراح عبدالله بن عباس وعبدالله بن عمر بعدم اصطحاب الأطفال والنساء معه وتركهم في المدينة والذهاب الى الكوفة بدونهم وجلبهم عندما يستتب أمره في الكوفة .. وهذا هو الخطأ الأول الذي وقع فيه اثناء تنفيذه للعملية حيث وجود الأطفال والنساء معه افقده حرية الحركة والمناورة ، بالإضافة الى العناء والإجهاد الغير مبرر الذي عرضَهم اليه .. وقد قلتها سابقاً ” هل سمعتم بقائد ثورة يضع طفله الرضيع جنبه ويقود دبابته لاقتحام اسوار القصر الجمهوري ” !!؟؟
أما الخطأ القاتل الذي وقع فيه الحسين فهو على عكس ما يتصوره الناس وقراء التاريخ ; هو ارساله ابن عمه مسلم بن عقيل الى الكوفة ” ليتحرى ” الموقف ” ويتأكد ” ان دعواتهم للحسين كانت صادقة ، ثم بعدها يتوجه اليهم .. تصرف منطقي ، ولكن لماذا اعتبرناه خطأً قاتلاً اجهض ثورة الحسين حتى قبل أن تبدأ ؟.. لأن ظهور مسلم بن عقيل العلني في الكوفة قضى على عنصر المفاجأة وأعطى معلومات غزيرة لحاكم الكوفة الدموي ابن زياد عن كل خطط وتحركات الحسين !! … قتل ابن زياد مسلم بن عقيل بعد أن سلمه أهل الكوفة له تسليم اليد ، ثم اعطاهم جثة مسلم بن عقيل فسحلوها في شوارع الكوفة وهم يهتفون ” ما كو ولي إلا علي ونريد حاكم جعفري ” !!!
تحرك الحسين الى الكوفة بناءا على معلومات بعثها مسلم بن عقيل انتهت صلاحيتها EXPIRED بعد ٧٢ ساعة ! وساهمت بشكل كبير في استدراج الحسين وقتله .. ارسل ابن زياد قوة عسكرية كبيرة خارج الكوفة تنتظر وصول الحسين لتحصره في صحراء كربلاء وتمنع وصوله الى الكوفة حتى لا يلتحم بالجماهير التي وصفها الشاعر الفرزدق للحسين حين صادفه في الطريق عائداً من العراق ” قلوبهم مع أهل البيت وسيوفهم مع بني أمية ” !! .. فشلت المفاوضات بين الحسين وجيش ابن زياد وبدأت المعركة بينهم في صحراء كربلاء وانتهت بقتل الحسين وكل من جاء معه بما فيهم طفله الرضيع عدا النساء وشاب مريض (ابن الحسين) لم يغادر الخيمة…. في الحلقة القادمة سوف نتحدث عن دور زينب والبقية في قتل الحسين .