في كتابه القيّم “عالم يحترق” يستشهد الكاتب “ايمي تشوا” على العدالة والمصداقية بسيرة حياة رئيس بيرو “اليخاندرو توليدو” الذي حقق انتصارا ساحقا في الانتخابات الرئاسية في بلاده عام 2001 بفضل مواطنيه الهنود الحمر، الذين كانوا يرفعون صوره ويجوبون شوارع العاصمة مرددين “انت واحد منا، ويجب ان تفوز لاجلنا، بعد 500 عام من الاذلال العرقي”، حيث دأب اليخاندرو المنحدر من الاكواخ الخشبية والاحياء الفقيرة المعدمة ومنذ الساعات الاُوَل التي اعقبت فوزه على رفع الظلم والاقصاء عن عاتق الهنود الحمر ،وكان عند حسن ظن ناخبيه ولم يخيّب املهم فيه، ولم يضيّع اصواتهم، ولم يغض الطرف عن امانيهم ولم يدر ظهره لمطالبهم، بل كان نصيرا للمظلومين منهم حقا.
فالأمران الرئيسان اللذان تعنى بهما الشعوب هما العدل والأيمان، فبالإيمان تصفى القلوب وتتوحد الرؤى، بل بالإيمان تتعافى الصحة النفسية والبدنية لبني البشر على اختلاف مشاربهم والوانهم ومذاهبهم، كما أشار الى ذلك البروفسور الامريكي مايكل ماكلوف في دراسته العلمية التي شملت تحليلاً دقيقاً لـ(42) دراسة ميدانية تخصصت في البحث في العلاقة بين الايمان والصحة السايكلوجية والفسيولوجية التي خلصت الى ان الاستغراق في الصلاة بامكانها ان تقلل نسبة الوفيات بشكل كبير، وفي هذا الشأن ايضا أكد الدكتور (أندرو نيوبرغ) استاذ علم الاشعة في كلية الطب جامعة فيلادلفيا ، ان الايمان بالله تعالى هو تصميم داخلي لا يمكن لأحد ان يتخلص منه تعالياً على الفطرة ، وبإمكان الايمان العميق والاستغراق في العبادة ان يطيلا من عمر الانسان بآلية لا تزال مجهولة للكثير من العلماء، بل بالايمان تنشط الذاكرة في المخ بحسب البروفيسور دوسك بات، واحتفاظ الذاكرة بصور الاحداث التي مرت عليها يعني أن الاجيال ستتناقلها كابراً كابراً وسيكون للعدالة في حال تطبيقها فعليا أثر كبير في امتصاص روح الثأر والانتقام من الاجيال المقبلة.
ولو تخيلنا ان إمام الشهداء الحسين “عليه السلام” كان بين ظهرانينا اليوم، فماذا تراه قائلاً اذا ما تناهى الى سمعه أنين آلاف الاطفال ممن ذهبوا ضحية الفسفور الابيض في الفلوجة؟ برغم ان مجلس النواب لم يناقش الأمر ولم يعده جريمة بحق الانسانية تستحق ان تدرج ضمن جرائم الحرب، وماذا عساه ان يقول اذا ما وقع بصره على آلاف الصور الفاضحة التي كشف عنها النقاب والاف اخرى مازالت حبيسة الرفوف لم تر النور بعد لسجناء كانت اساليب تعذيبهم بين الاغتصاب وسوء المعاملة والاهانة والاغراق في السجون الامريكية في بوكا وكروبر وابو غريب وعلى مدى ثماني سنين خلت، وماذا ترى سيد شباب اهل الجنة قائلاً: لو أنه رأى عشرات الآلاف من الاطفال العراقيين المصابين باللوكيميا والثلاسيميا والانيميا والتشوهات الخلقية والذهنية كنتيجة حتمية لقنابل اليورانيوم المنضب التي القيت على العراق اطناناً؟، وماذا ترى سبط الرسول وابن البتول قائلا: اذا ما وقع بصره على ملايين المرضى الذين لا يملكون تكاليف علاجهم فضلا على عدم توفر الاجهزة الطبية اللازمة لذلك كونها اما مستهلكة، وإما عاطلة، وإما سرقت، والصالح منها لا يتيسر لاداء مهمته الا بعد مضي 3 – 4 اشهر في المستشفيات الحكومية، وماذا تراه وهو الذي لم يخرج بطرا ولا اشرا وانما خرج لغرض الاصلاح في امة جده لو تناهى الى علمه ان سبعة ملايين ونصف المليون عراقي لا يعرف القراءة والكتابة في بلد علم الانسانية كيف تقرأ وتكتب، وماذا لو علم بملايين العوانس والارامل والمطلقات ممن لا يجدنّ قوتهن فضلا عمن يعيلهن او يتزوجهن بسبب ضيق ذات يد الرجال في بلد هو الاغنى في العالم تبلغ ميزانيته 117 تريليون دينار عراقي؟.
قطعا لن يكون راضيا ولا مقتنعا ولا مقرا بما يفعله الكثير من النواب ممن تنصلوا عن وعودهم وعهودهم لناخبيهم، واداروا ظهورهم لهم بعد أن اعمى بصيرتهم وأبصارهم بريق الكراسي وامتيازات المناصب.
برغم دموع التماسيح التي يذرفونها حزناً عليه في وسائل الاعلام.