23 ديسمبر، 2024 12:49 م

الى متى يا رئيس الوزراء !

الى متى يا رئيس الوزراء !

يطلق رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي  يوميا مداخلات خطابية لا تنقصها البلاغة عن محاربة الفساد و سيادة القضاء و استقلاليته، حتى نتخيل أن سويسرا أقفلت أبوابها  خجلا من العدالة المؤجلة في العراق، أو أن النمسا ” استحت ” من قائمة الغاء الأحكام التعسفية في أرض السواد، أما فرنسا فقد أنحنت اجلالا لحقوق الانسان المصانة و المحفوظة في مجمدات ردهات الطب العدلي وسط بغداد، بدلا من الاستمتاع بخيرات ” ديمقراطية ” العراق التي لا تشبه غيرها في دول العالم” الحر جدا”، حيث كل شيء مؤجل، حتى أن المالكي لم يضبط عقارب الساعة بعد ، فملامح تأخر الاحتلال شاخصة في الذاكرة رغم الحديث المزمن عن استعادة العراق لسيادته الوطنية.
وينسى رئيس الوزراء بحكم المشاغل اليومية الطارئة واستشارات المزايدن، أن سيارات الهمر و تسميات الشرطة الاتحادية و المحكمة الاتحادية و قوات سوات و المفتشيات ولجان النزاهة و غيرها من عناوين ، هي في مجملها وجه أخر للاحتلال يتسبب في ازهاق الأمل في النفوس، بينما كان من المطلوب العودة الى سياقات الدولة المدنية في العراق و التخلص تدريجيا من توزيع الجريمة على دم القبائل للحماية المتورطين المقربين ، على غرار ملفات الفساد التي لم تصل الى درجة أصدار الحكم النهائي ، بسبب مجاملات سياسية تحول المجرم الى قاضي و السارق الى شريك مخلص ليضيع معها” الخيط والعصفور” كما يقول العراقيون الطيبون!!
 
وربما لا يعرف رئيس الوزراء أنه لا يوجد متنفس اجتماعي  غير مدفوع الثمن في العراق، حيث تفرض قائمة طويلة من المدفوعات ، حيث تم تحويل كل شيء الى دولار، يتزاحم المسؤول حتى على ” كراج” السيارات ، بعد تحويل المرافق العامة الى مضاربة تجارية أمام شعب يلوذ بالصمت من قساوة السلطة و شهيتها المفتوحة ، ولو ان المالكي أجهد نفسة لخمس دقائق من اجل خدمة الشعب لوجد في متنزه الزوراء جوابا على غضب المواطنين، و احتجاجاتهم التي تواجه بالعنف بدلا من التفهم و لغة الحوار، حيث تخشى القيادات السياسية بكل تشكيلاتها و أجهزتها من غضب المواطن أكثر من الجماعات المسلحة ، التي تحصد ارواح المواطنين ولا تصل الى مقاعد المسؤولين ، الذين ربما يرردون مع أنفسهم قول ” بآسهم بينهم شديد”!!!!
ومن هنا فان أمام رئيس الوزراء طريقين لا ثالث لهما، ركوب الموجة القومية عكس قناعاته المعلنة ، أو تقديم المصلحة الوطنية على غيرها تحت أي ضغط أو مساومة، ففي الثانية يكسب شعبه و في الأولى يفوز برضا المزايدين و المغامرين الذين تعودوا العيش في ضيافة المال العراقي، والفرق بين الأثنين كبير جدا، مثل البكاء على النظام السوري و ترك المفخخات تحصد ارواح العشرات من العراقيين الطيبين!! أو حول الرشوة الى وجاهة بعد ان كانت وصمة عار اجتماعية! و قائمة المفارقات تطول جدا، بما فيها “لف” السياسة بعباءة الدين!!
لا يتحمل رئيس الوزراء العراقي المسؤولية كاملة لأن معه شراك لا يعملون و يجتهدون للفوز بملذات شخصية و عائلية و حزبية، لكنهم يسرحون و يمرحون و الشعب يراقبهم و يعرفهم بالأسماء، لكن الجواب ” المالكي ساكت عليهم “، نعم رئيس الوزراء يتحمل الفشل الأمني و السياسي لأنه لم يصارح الشعب بالأسباب، كما أن الايحاءات لا تعبر عن قرارا ناضج و جريء، مثل ” ضياع” ملف رئيس الجمهورية و معه الأوراق المستنسخة في برلين بكفالة الدولة العراقية، أو استمرار علميات الذبح الممنهج تحت أنظار مسؤولين أمنيين لا يعرفون غير الراتب و الصفقات و لغة التهديد الجوفاء بوجوه خائفة وآلسن مرتعدة و عدم ثقة تجتاج الشارع الرسمي قبل الشعبي، لذلك يحمل العسكري في حقيبته أكثر من بدلة مدنية، و يغيب المدراء عن دوائرهم بنسب مئوية متفق عليها نهاية كل شهر!!
السيد رئيس الوزراء .. نحن لسنا من المشغوفين الا باستقرار العراق و كرامة شعبه، لذلك نخاطبك بالحقائق بلا رتوش، ونضع أمامك الممكن من الحلول التي لن تسمعها بعد نصف قرن، و”عمرك طويل” من الجماعة المقربين الذين يربطون مستقبلهم بوجودك و يتعمدون خرق السفينة في ذات الوقت  فاحذرهم حتى قبل المسلحين، وتوجه الى شعبك دون السياسيين بالحقائق فقد يساندونك رغم التأخير في قول الحقيقة، بعيدا عن المراهنة على ثقب ذاكرة شعبية، و بعيدا عن اعتبار كل شخص يعارضك خصما، فعند المظلوم قد تجد الحكمة، ونحن هنا لا نزاود على خبرتك الدينية!!لكننا نذكر فقط اننا في” نفس الحمام و الطاس” مع فوارق بسيطة.. فالرفيق تحول الى مولانا و ” الفيكات و البوزات و الشوارب المفتولة” اختصاص رجال الأمن، أما ” العجل فتحولت الى أكلك” بكسر الكاف، و الحمايات ذاتها مع فارق في السيارات و التسليح و نسق الملابس، أما المسؤول فهو يقلد في كل تصرف سلوكيات الأمس، فمتى نتقنع بأن التغيير سلوك شخصي لا فرائض مذهبية!!

رئيس تحرير ” الفرات اليوم”
[email protected]