23 ديسمبر، 2024 12:03 م

الى اين يقودنا حزب الدعوة الاسلامية؟

الى اين يقودنا حزب الدعوة الاسلامية؟

دعونا نتفق مع ادبيات حزب الدعوة ونبدأ من الفكرة الشائعة ان حزب الدعوة الاسلامية تأسس قبل ثورة تموز بسنة. اي عام ١٩٥٧ حتى لايكون تأسيسه ردا على الثورة الوطنية . بيد ان تاريخ ١٩٥٧ يقع في زمن الحرب الباردة  ولابد من تصنيف حزب الدعوة في خانة المعسكر الامريكي. انا لا اعني ان حزب الدعوة امريكي ولكن بالضرورة يقف ضد المعسكر الاشتراكي السوفييتي في ذلك الوقت. وهو ما  اكدته مواقف  المرجع الديني المرحوم السيد محسن الحكيم  الذي عارض سياسيات الزعيم عبد الكريم قاسم وايد انقلاب شباط البعثي الدموي عام ١٩٦٣
وكذلك ما تؤكده تحركات الحزب السري في ذلك الوقت وكثير من ادبياته بانه كان ردا على تصاعد المد الشيوعي وشيوع الافكار الاجتماعية الحرة وتراجع دور الدين في حياة المجتمعات وظهور العلوم وتطبيقاتها وانتشار الافكار السياسية الجديدة بعيدا عن الانطلاق من الدين.
في تلك المرحلة كان الصراع شديدا جدا بين الاشتراكية والرأسمالية  وبين الليبرالية الغربية والمركزية الشيوعية التي سحقت القوميات وقمعت الشعور القومي لشعوب الاتحاد السوفياتي.ومن يقرأ مؤلفات السيد محمد باقر الصدر يعثر مباشرة على الاتجاه الثالث الذي اراد الصدر طرحه بديلا عن الاشتراكية والرأسمالية خاصة في ميدان الاقتصاد الذي اعتقد المرحوم الصدر انه بنى نظرية خاصة في الاقتصاد الاسلامي.
اما في الواقع فان حزب الدعوة الاسلامية كان يقف في المعسكر الغربي ضد المعسكر الاشتراكي لسبب ديني لان الافكار الشيوعية تعتبر الدين افيونا للشعوب ، وهي فكرة شهدت صراعات عميقة وطويلة في المجتمعات الاسلامية دفعت المعسكر الغربي آنذاك الى دعم الحركات الدينية بشكل مكشوف وبشكل غير مكشوف، بشكل مباشر او بشكل غير مباشر ، وآخرها دعم حركات اسلامية اصولية بعد احتلال السوفييت لافغانستان عام ١٩٧٩ وهو مانعاني منه حتى الآن.
من هذه المقدمة اريد الوصول الى التحالفات الاخيرة بين الدعوة والبعثيين. ففي عام ١٩٦٣ وجد كثير من المعممين وابناء المرجعيات في صفوف الحرس القومي مثل آل الخالصي وآل الصدر وآل الصغير لايمانهم بان حزب البعث مع الدين وضد الاشتراكية والشيوعية. وكان حزب البعث حزبا شيعيا دون ان يدرك ذلك كثير من العراقيين لانهم كانوا يقسمون تقسيما حزبيا وسياسيا وليس طائفيا. فاكثر من ثلث القيادة القطرية للبعث في ذلك الانقلاب كانت من الشيعة ومن عوائل مرتبطة بالمرجعية الدينية مثل هاني الفكيكي ومحسن الشيخ راضي وابو طالب الهاشمي وعمار علوش وناظم كزار وكانت تتفق مع السيد الحكيم في الموقف من عبد الكريم قاسم والشيوعيين والديمقراطيين . وهو مبدأ اساسي من الاسس الفكرية لحزب الدعوة الاسلامية. فالاساس  رقم ٤ من اسس حزب الدعوة يقول(الدولة ككل على ثلاثة انواع: النوع الاول الدولة القائمة على قاعدة فكرية مضادة للاسلام كالدولة الشيوعية والدولة الديمقراطية الرأسمالية. فان القاعدة الفكرية الرئيسية للدولة الشيوعية تناقض الاسلام تماما وكذلك القاعدة الفكرية الرئيسية للدولة الديمقراطية الرأسمالية فانها وان لم تمس الحياة والكون بصورة محددة الا انها تناقض نظرة الاسلام الى المجتمع وتنظيم الحياة، فهي ايضا قائمة على قاعدة فكرية مضادة للاسلام وهذه الدولة دولة كافرة لانها لاتقوم على القاعدة الفكرية للاسلام.. وحكم الاسلام في حق هذه الدولة انه يجب على المسلمين ان يقضوا عليها وان ينقذوا الاسلام من خطرها اذا تمكنوا من ذلك بمختلف الطرق والاساليب التبشيرية والجهادية لان الاسلام في هذه الدولة حتى بصفته عقيدة موضع للهجوم وموضع للخطر فتكون الحالة معها حالة جهاد لحماية بيضة الاسلام)(١)

لايعني هذا طبعا سوى ان حزب الدعوة يعمل على تقويض اساسات النظام الديمقراطي الهشة في العراق باتجاه تحويل العراق الى دولة اسلامية صرفة لاتعترف بالديمقراطية ولا بتبادل السلطة ولا بالتسامح المفروض في انظمة الحكم الديمقراطية ولا بالتعددية التي تلازم اي مجتمع يعيش نظاما ديمقراطيا، خاصة وان السيد محمد باقر الصدر قد عدل عن نظريته السياسية في ولاية الامة القاضية ( بان الامة اذا كانت قد حررت نفسها من الطاغوت وحكم الظالم هي مصدر السلطات وهي صاحبة الحق في ممارسة السلطة التشريعية والتنفيذية ويستند هذا الحق الى فكرة الخلافة العامة التي تقوم على اساس قاعدة الشورى التي تمنح الامة حق ممارسة امورها بنفسها) كما ورد في كتابه(الاسلام يقود الحياة)(٢) الى تبني نظرية ولاية الفقيه التي اعاد الامام الخميني احياءها من بطون كتب الشيعة التي تم تأليفها في القرون التي تلت نهاية عصر الائمة المعصومين الاثني عشر للشيعة.بالذات ما رواه اسحاق بن يعقوب عن الامام المهدي بشأن الولاية.
نحن ماضون اذن مع حزب الدعوة الى اعلان ولاية الفقيه ، وربما يكون اصرار المالكي وجناحه في حزب الدعوة على التمسك بولايات غير محددة في رذاسة الوزراء تمهيدا لاعلان دولة الممهدين لحكم المهدي . وفي كتابه(عصر الظهور) يقول الشيخ علي الكوراني مؤلف الكتاب(في ايران تشعر ان حضور المهدي المنتظر عليه السلام هو الحضور الاكبر من الثورة وفادتها فهو القائد الحقيقي للثورة والدولة الذي يذكر اسمه ادة الثورة والدولة باحترام وتقديس فيقولون: ارواحنا لتراب مقدمه الفداء، وانما البلد بلده، وغاية مانرجوه ان نسلم البلد الى صاحبه الاصلي عليه السلام) (٣)
ويؤكد المؤلف انه (مهما قال القائلون في تقييم الثورة الايرانية سياسيا، فان المتفق عليه انها من ناحية عقيدية حركة ممهدة للامام المهدي عليه السلام)، وهذا يعني وضع كافة اجهزة الدولة ومواطنيها في حركة عقائدية تؤمن بانها في خدمة ظهور الامام المهدي ولاحاجة للحريات والحقوق والمطالب الدنيوية في هذه الدولة.
ولتاكيد هذه الفكرة فقد قام حزب الدعوة الاسلامية في العراق بقيادة رئيس الوزراء نوري المالكي بتقسيم حزب البعث الى حزبين حسب الانتماء الطائفي، حزب البعث الشيعي وحزب البعث السني. ونفذ  هذه الاجندة اذ اعاد تعيين مئات من الضباط البعثيين الشيعة منهم ٨٧ ضابطا كبيرا بدرجة عضو شعبة وعضو فرقة مما يشملهم قانون اجتثاث البعث الذين يقودون القوات المسلحة العراقية ويؤكدون ولاءهم للمالكي شخصا ومنهم ١١ بدرجة فريق اول منهم مدير مكتبه العسكري الفريق اول فاروق الاعرجي وكان يعمل مساعدا لحسين كامل في التصنيع العسكري واخوه سامي الاعرجي البعثي المعروف سابقا وهو رئيس هيئة الاستثمار المسؤولة عن مليارات الدولارات وعبود كنبر المالكي قائد عمليات بغداد وهو قائد في سلاح البحرية في عهد صدام.
وبعضهم يشغل وظائف بدرجة وزير مثل فريق أول طالب شغاتي الكناني مدير جهاز مكافحة الإرهاب  وحتى الوزير شيروان الوائلي عضو فرقة عندما كان مديرا لمكتب علي حسن المجيد لإعمار الناصرية و الفريق حاليا(تمت ترقيته من نقيب  لواء ثم الى فريق) مدير العمليات في المخابرات العامة. وغيرهم ممن وردت اسماؤهم ورتبهم ومواقعهم في تقارير متعددة .
اما اعادة البعثيين المدنيين فقد تم اعادتهم لاحكام قبضة حزب الدعوة على الثقافة ووسائل الاعلام وتكميم الافواه فقد اعيد علي الشلاه المعروف بتبعيته المذلة للسكرتير الثقافي لعدي صدام ، لؤي حقي، واصبح مسؤول الثقافة والاعلام في حزب الدعوة ورئيسا للجنة الثقافة والاعلام في البرلمان وتمت الاستفادة من خبرات مصور حفلات بعثي مغمور هو مؤيد اللامي الذي كان يرتدي بدلة الزيتوني ويتعقب المنتفضين مع الجيش الشعبي في ميسان واصبح نقيبا للصحفيين ومدعوما من قبل المالكي وقد ورطه مؤخرا بحضور حفلات راقصة في عيد الصحافة الذي حشد له المالكي قواه لدعمه وتطويعه ضد حرية التعبير . واعيدت نساء بعثيات معروفات مثل حنان الفتلاوي التي اعادت شقيقها البعثي الفريق صباح الفتلاوي مديرا لشرطة محافظة القادسية على اساس الولاء الشيعي لا اكثر.
اصبح واضحا الى ان يقودنا حزب الدعوة الاسلامية وماذا يريد من التمسك بالسلطة وكيف سيحكم، فهو يطبق سياسة صدام حسين في احكام السيطرة عن طريق الامساك بالمفاصل الرئيسية في الحكم فقد عين عبود كنبر المالكي بمنصب معاون رئيس الاركان في خطوة لازاحة فريق اول بابكر زيباري رئيس الاركان الموالي لمسعود البارزاني والقريب من الامريكان. كما سيطر على جهاز المخابرات وجعله جهازا حزبيا تابعا لحزب الدعوة وهو باشر في تصفية النشاط السياسي لبقية الاحزاب والتضييق عليها قدر ما اتيح له في وضع تعدد السلطات والصلاحيات التي يحاول جمعها في قبضته ، وقد باشر في  وضع الشكل الديني على مرافق الدولة في التعليم والجهاز الاداري  وشغل الشيعة بالطقوس والمراسيم وتواريخ ولادة ووفاة ائمة الشيعة وعوائلهم في عملية تستهدف اولا تحشيد الشيعة باسم المسيرات المليونية التي تستخدم في عملية ارهاب فكري وسياسي وطائفي وثانيا لتهييج العواطف المذهبية بعيدا عن نيل الشعب حقوقه ومطالبه الحياتية في اسلوب تفضيل الآخرة على الدنيا للشعب وتفضيل الدنيا على الاخرة بالنسبة للحكام والمسؤولين.
————————-

(١) حسين بركة الشامي.المرجعية الدينية من الذات الى المؤسسة. منشورات مؤسسة دار الاسلام. مطبعة الصدر. لندن ١٩٩٩. ملحق رقم ٦ الاسس الفكرية لحزب الدعوة الاسلامية. ص٤٩٧
(٢) محمد الحسيني. محمد باقر الصدر.. حياة حافلة.. فكر خلاق. دار المحجة البيضاء .بيروت ٢٠٠٥ص٣٣٦
(٣) الشيخ علي الكوراني العاملي. عصر الظهور.الطبعة العاشرة. دار الهدى٢٠١٠ ص٦