في فترة منتصف الثمانينات كنتُ طالباً في جامعة الموصل، وحينها سمعت من بعض اهالي الموصل الكرام بأن لديهم مثلاً مصلاوياً كان بعض الناس يتداولونه فيما بينهم وهو: (عاشر چلب مچلوب، ولا تعاشر واحد من أهل الجنوب)، عندما سمعت ذلك المثل إشمأزت نفسي من قائله، وصرتُ أنظر اليه نظرةً باحتقار، ولكنني أيقنت بأنه جاهل ولو لم يكن كذلك لما قالها، وعلمتُ فيما بعد بأن ذلك المَثَل يتداوله بعض اهالي الموصل.
وكنتُ أتسائل حينها : مالذي وجده هؤلاء على اهالي الوسط والجنوب؟
ولكنني شعرتُ بأن تلك الأمثال والشعارات كان يستخدمها النظام الصدّامي المجرم للتفريق بين ابناء البلد الواحد وبدواعي متعددة ومختلفة، وكان يتَّبع سياسة: ( فرّق تَسُد ) ، ومن خلال تلك الأمثال وغيرها من الاساليب التي أدّت بالفعل الى تمزيق وحدة ذلك البلد من الناحية الإجتماعية ، وكان من بين تلك الأساليب هو نشر بعض النكات التي تطعن بطائفة دون طائفة، وقومية ضد أُخرى، وبواسطة تلك النعرات استطاع النظام ان يسودَ البلد لأكثر من ثلاثة عقود أدّت بالبلد الى الهاوية ، ثم تكتمل سلسة المشروع الغربي لتهديم البلد منذ سقوط الطاغية عام 2003م ولغاية اليوم والبلد يمر من أزمة الى اخرى، ومن فاجعة الى فاجعة، ومن حكومة الى اخرى، ومن سقوط مدينة الى سقوط اخرى ، ومن القاعدة الى التكفيريين، ومن التكفيريين الى البعثيين والزرقاويين وانتهائاً بداعش الكفر، والقائمة لن تنتهي في ظل حكومات ضعيفة ومغلوب على امرها، ولا تمتلك قراراً مستقلاً، ولابد لها من الرجوع الى اخذ موافقة الامريكي في أية قضية تنوي الحكومة اتخاذها…
واليوم وبعد تحرير مركز مدينة الموصل وفِي ظل البطولات التي قدّمها ابناء الوسط والجنوب لتحرير الموصل، وبما قدّم هؤلاء من تضحيات، وهم لا يرجون بذلك لا حكم ولا منصب ولا رئاسة ولا ان يتسلّطوا على اهالي الموصل ، بل انهم يُقدّمون الأضاحي لتحرير اخوانهم الذين كانوا يقولون عنهم ذلك المثل (عاشر چلب مچلوب، ولا تعاشر واحد من أهل الجنوب).
وبعد كل ما تبيّن، تُرى من هو : الچلب المچلوب اليوم ؟
يوم أمس الخميس (٢٩–٦–٢٠١٧م) قد اعلن نبأ تحرير الكثير من أحياء المدينة القديمة في الموصل، بما فيها مسجد الحدباء وجامع النوري، وانّ ذلك الجامع يحمل أهمية كبيرة، لانه يعتبر المقر الرئيس لقيادة دولة الحقارة المزعومة(الدولة الاسلامية في العراق والشام)، وانه المسجد الذي أُعلن فيه اول بيان رسمي لدولة الحقارة الداعشية، ومن خلالها ألقى زعيمها الإرهابي (ابو بكر البغدادي ) خطبته الأولى والذي أعلن فيها بأنه أمير للمؤمنين (الفاسقين).
يوم امس وفِي وسط المعارك الدامية زُفّت إلينا بشارة النصر ، وبدأت جموع المصلاويين بالخروج من المنازل لأئذةً بأبناء الوسط والجنوب القادمين من مئات الكيلومترات من مدنهم وقراهم لإنقاذ اهالي الموصل من استعباد داعش لهم، وقد قامت القوات المسلحة من إنقاذ الاف العوائل التي كانت تستخدمها داعش كدروع بشرية في حربها ضد ابناء الوسط والجنوب ، وببركة الله وسواعد الأبطال فقد تم تحرير مئات الالاف من ابناء الموصل من التنظيم الإرهابي المدعوم من الغرب على يد أبناء الوسط والجنوب ، وقد قدّموا لهم جميع مستلزمات الراحة والطمئنينة والأمان ، وهم يستقبلون الأهالي وينادونهم : يا أهلنا لا تخافوا أنتم في مأمن ، ويستقبلونهم بالأعناق والأهازيج والفرحة .
ابناء الوسط والجنوب سيعودون الى ديارهم ويتركون الموصل الى اهلها، ولكنهم تركوا آثاراً خالدةً لا تُنسى أبداً، سيرحلون بعدما روت دمائهم النقية ارضَ الموصل لأجل ان يحفظوا لأهالي الموصل كرامتهم وعزتهم وشرفهم ودينهم وعقيدتهم …
وبعد كل ما تقدّم ، كيف سيُجازي اهالي الموصل أبناءَ الوسط والجنوب ؟