يرّوج المُتاجرون بالأديان والسماسرة المرتزقين منه حكاية تفشّي الإلحاد بين صفوف الشباب في الوقت المعاصر الذين تتحرك عقولهم وتنضج أفكارهم وأن هؤلاء المتاجرون بالأديان هم كالنخاسون يتاجرون بالعقول كما يتاجر غيرهم بالأجساد وقد دأبوا على هذه الأفعال اليوم كما هو ديدنهم عليها سابقاً فكانوا على الدوام وفي جميع مراحل الحياة البشرية ومايرافق ذلك الأمر من إتهامات جاهزة ضد الأحرار وماينطوي عليه من ملاحقات قضائية وهم يُسخرّون القوانين الجائرة في بعض المجتمعات لمصلحتهم والتي تطال الشباب الباحث عن الحقيقة بذريعة الإرتداد عن الدين والإزدراء له والإستخفاف به.
وهؤلاء القائمون على الفكر الديني لايريدون الفصل بين ظاهرة المعتقدات الدينية وعدم القناعة بها بسبب إفتقارها الى مايثبت مصداقيتها وبين الإيمان بوجود خالقٍ قد ألزمت الأديانُ الناسَ بوجوب الاعتقاد به.
إنّ عدم توفر الأدلة اليقينية الكافية على صدق الأديان وصدق الذين جاؤوا بها والذين نعتوا أنفسهم بـ(الأنبياء) بعد أن أضفوا على ذواتهم مقامات رفيعة هو لايعني بالضرورة عدم الإعتقاد بخالق عظيم للكون وجميع المخلوقات بما فيها الكائنات البشرية.
إنّ إمتلاك الإنسان للعقل جعله ينفرد من بين جميع الكائنات الحية بالتبصّر في الوجود محاولاً فِهم أسباب الخلق والهدف منه ومَن يقف وراءه وقد بدأ هذا التفكير لدى الإنسان منذ لحظة وجوده على الأرض.
وبالرغم من التفكير المتواصل لدى الإنسان ومحاولاته الجادة لمعرفة حيثيات الخلق لإدراك ومعرفة حقيقة الخالق فانه لم يتوصل الى نتائج حاسمة لكي تبقى ملموسة في يد الإنسان فيطمئن لها العقل البشري.
صحيح أنّ الإنسان يعرف أنه موجوداً ويقرُّ بوجوده على سطح كوكب الأرض في هذه الحياة ويعرف أنّ وجوده قد جاء بعملية التوالد من رحم أمه ولكنه لايعرف كيف تسللت اليه الحياة وكيف جاء الأب الأول للبشر والذي نفسه ينطبق على أسرار الخليقة لباقي الكائنات الحية علاوة على وجود الكائنات غير الحية وماتنبعث منها من قوى فيزيائية وتفاعلات كيميائية.
إنّ قناعة فئة من الناس بما يمليه عليهم أولئك الذين يزعمون أنهم ينطقون بتكليف من الله وبأمره قد لايسري على قناعات فئات أخرى.
صحيح أنّ المهمة التي جاء بها أولئك (الأنبياء) لم تكن باليسيرة ولم يكن بمقدور جميع الناس على الإتيان بها وهذا يعني أن هؤلاء الزاعمون بالنبوة والذين يقفون وراءهم من بعض الناس يمتلكون نوعاً من العبقرية ونوعاً من المؤهلات والتي هي لاتتوفر عند الآخرين.
ومهما تكن تلك البراهين التي حاولوا إثبات نبوءاتهم بها والتي قد إصطلحوا عليها بالمعاجز أو المعجزات فانها ليست غريبة عن واقع البشر وإمكانياتهم الفائقة والتي تتباين في مستوياتها من عصر لآخر ولو فرضنا جدلاً أنّ مخترع الكومبيوتر الأول في عصرنا الحاضر كان قد إدّعى أنّ العلم الذي بيده هو وحياً يُوحى اليه وأنه جزء من دين سماوي ويبدأ بعرض نتاجه العلمي مقرونا بالصور والأرقام التي هي تفوق الخيال فلاغرابة إذا رأينا أن فئاتاً مختلفة من الناس تلتف حوله وتقتنع بما يقوله سيّما أنّ الكومبيوتر هو خارق للعادة ويعتمد الألكترون الذي لانراه.
وعليه فانّ الذي نقوله هنا هو أنّ الانسان قد وجد نفسه على أديم هذه الأرض ولايمكن له نكران ذلك ولكنه لم يجد مايثبت كيفية نشأة هذا العالم الفسيح والكون المتلاطم من حوله المليء بالغموض والأسرار وفي الوقت ذاته فانه لم يتوصل الى نتائج تفيده بهذا الصدد في هذا الوقت على أقل تقدير ولم يجد البرهان الساطع الذي لايساوره الشك على صدق الذين زعموا أنهم أنبياء وأنهم يتصلون بالخالق عن طريق الوحي وأنّ الملائكة تحيط بهم.