18 ديسمبر، 2024 7:44 م

الى السيد عبد المحسن الموسوي، الموت هو البداية

الى السيد عبد المحسن الموسوي، الموت هو البداية

الى أبي عاصم، السيد الموسوي، الأخ الحبيب المتدفق ودا، الذي يشعرك عندما تلتقيه بأن الحياة في مسارها الصحيح، يعزز ثقتك بكل وجودك، فاتحا لك بوابة أمل تحركها نسائم أخوة عذبة، في خضم غيابك المؤلم نجد أن الموت وجها آخر للحياة، يطل علينا في لحظات الغياب، كأنه يذكرنا بعمق العلاقة الإنسانية، وامتدادها، عمقها اللامتناهي وهو يحضر تاريخا متمثلا برحلة بين الأزل والسرمد، وامتدادها اللامتناهي وهو يحضر جغرافية، متمثلة بمسافة تمتد من الشروق إلى الشروق، ومن الغروب إلى الغروب، إذن نحن والموت أمام لحظة تفصح عن هوية التاريخ، ونقطة تفصح عن هوية الجغرافية، إنه مفترق أزمنة ومسافات.

إن الموت الذي يدهمنا في لحظات الغياب، يفتح لنا بوابات الزمان والمكان، يداخل فينا الأزمنة والأمكنة، يطلقنا من قيد نسبيتنا الدنيوية إلى لحظة تحرر أخروية، لنرتقي وجودا على سلم الحياة، نطل على واقع متخيل، ينمو في أعماقنا، نشعر به متجسدا في لحظات الموت.

إن هذا العالم الذي نخبئه، يتمرد علينا في لحظات وداع الأحبة، قد يتداخل وجوده مع أنين الوجع وصراخ الألم، لكنه على الرغم من ضجيج الحزن يسمعنا بعض صوته، وعلى الرغم من عتمة الفراق يرينا بعض ملامحه، انه البوابة إلى الخلود، إلى الانعتاق من وجع الحياة ومتطلبات جسد تآكل بتيار زمن جارف، قال فيه عوفِ الخزاعي:

إِنَّ الثَّمــــانينَ وبُــلِّغْــتَها قدْ أَحْوَجَتْ سَمْعي إِلى تَرْجُمانْ

معبرا عن ذلك التآكل بضعف السمع، ولكن زهير بن أبي سلمى، كان أكثر شمولية في التعبير، عندما قال:

سَئِمتُ تَكاليفَ الحَياةِ وَمَن يَعِش ثَمانينَ حَولاً لا أَبا لَكَ يَسأَمِ

موردا ثنائياته بشرط وجواب، وكأنه يرسم حتميات، بل يتطرق إلى هم وجودي بقوله:

رَأَيتُ المَنايا خَبطَ عَشواءَ مَن تُصِب تُمِتهُ وَمَن تُخطِئ يُعَمَّر فَيَهرَمِ

ليعكس علائق واقعه الذي يتماس فيه الموت والحياة على وقع حركة المنايا التي يراها خبط عشواء، ربما متداركا يطرق أبواب فلسفة الصدفة، بعد ان بدأ بالحتميات.

إذا ما كان السرد يسعفنا في التنقل بين عرصات الحياة، فالموت هو السرد نفسه، الذي يتوسل الكتابة بصمت معبرا برمزية تعجزنا، بل تعجز معنا الحياة.

كل هذا الصمت المهيب تعبير عن رحيل أخ حبيب، تعجز اللغة التي ألفناها عن قول شيء، حتى كلمة الوداع تتكسر بين حناجرنا، فنلوح بالأكف.

ليس هناك ما هو أجمل من رحمة الله ورضوانه، أسأل الله أن يجلي معالم حياتك القادمة جميلة برحمته ورضوانه.