يواصل “داعش” ضمه للأراضي العراقية على الرغم من الضربات الجوية للتحالف الدولي، هذا مع تدهور الوضع يوم بعد يوم في العراق. فكيف يمكن تفسير فشل المجتمع الدولي في التصدي لهذا التنظيم؟ ، وهل أن مجرمي داعش الارهابي لا يقهرون؟ ،منذ شهر ونصف، وعلى الرغم من القصف الجوي للمواقع الرئيسة لتنظيم الدولة الإسلامية، إلا أن قدرات هذا الأخير لا تبدو في حالة تقهقر أو تراجع، بل بالعكس فإن الضغوطات المتعددة تجعله يبدو أكثر قوة، ليكتشف العالم أنه أصبح من غير الممكن القضاء على هذا التنظيم من دون تدخل للقوات البرية!.كما يبدو أن التحالف أصبح مشلولًا جراء عدم فاعلية الغارات الجوية مع الانخراط العسكري المتذبذب لتركيا الذي سببه رغبتها في تحقيق مكاسب في شمال سوريا سيدفع ثمنها الأكراد قريبًا، كما أوقفت جبهة النصرة منذ ايلول الماضي كل هجماتها ضد داعش؛ مما يجعلنا نخشى المصالحة بين التنظيمين، حيث لا يزال الشعب السوري يدعم جبهة النصرة ضد الضربات الجوية ولا تبدو بعض القبائل العراقية في محافظة الأنبار أنها على استعداد للانقلاب ضد الخلافة التي أعلنها داعش الارهابي.
وعند دراسة نتائج ضربات التحالف منذ اب الماضي على مواقع تنظيم الدولة الإسلامية في العراق دفعت لإعادة تقييم تهديد هذا التنظيم ومدى ضرره.وعلى الرغم مما يتم الإعلان عنه عن دقة وحجم التفجيرات التي يقوم بها التحالف ضد تنظيم الدولة الإسلامية، إلا أنه مع التحليل الموضوعي لمجموع المعلومات التي وفرتها وزارة الدفاع الأمريكية، وكذلك حول نتائج هذه الضربات على الميدان، يجعلنا نحتار حول مدى جدوى هذه الضربات. فبين 8 اب و17 تشرين الاول ، نُفذت على الأقل 350 ضربة جوية في العراق ، فإن هذه الضربات الجوية لا تدمر إلا المعدات والمباني البعيدة عن المراكز الحضرية وأساطيل سيارات داعش، كما أن اختلاط “داعش” مع السكان يجعل التحالف الدولي غير متيقن من القوة التدميرية للصواريخ التي تلقي من على ارتفاع 5.000 قدم، مما يجعل الصور التي يتم نشرها في الإعلام غير موثوق فيها. وتكتيك “داعش” تغير في ظل الضربات الجوية من حيث “التنقل،التمويه، الاسناد الاداري ، الانسحاب، المناورة” ،وهذه التكتيكات الجديدة جعلا ضربات التحالف الدولي غير مؤثرة بنسبة 60% على الاقل ،بل واصل “داعش” تقدمه في ظل الضربات الجوية حتى سيطرعلى محافظة الانبار بنسبة 90% في الشهر الحالي حسب تصريحات مجلس محافظة الانبار.
اما الخرائط التي يتم نشرها في وسائل الاعلام لدول التحالف لتوضيح الرؤية للرأي العام حول المناطق التي يسيطر عليها داعش هي خاطئة، فهي غالبًا ما تقدم المناطق ذات الصلة بسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية تحت ثلاثة مسميات: “المناطق تحت سيطرة الدولة الإسلامية” والتي يتم رسمها في شكل خطوط رقيقة مثل بيت العنكبوت، و”المناطق التي تتعرض للهجمات المتكررة لتنظيم الدولة الإسلامية” و”المناطق التي يدعمها تنظيم الدولة الإسلامية”. ولكن كل هذه المناطق هي في الأخير تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية دون غيرها.ف”المناطق التي يدعمها داعش” هي في الحقيقة “خزان من الأراضي” يتم ضمها في كل وقت من طرف هذا التنظيم، ورسم هذه الأراضي على أنها مساحات فارغة لا تنتمي لا إلى بغداد ولا إلى الولايات المتحدة هو تزييف للحقائق لأنه على الميدان هذه الأراضي هي تحت سيطرة “داعش” الارهابي. ومن دون حل سياسي للمشكلة العراقية تحصر الولايات المتحدة نفسها في استراتيجية من دون أفق لتساهم في مزيد تأزم الوضعية في الشرق الأوسط وخاصة في العراق وسوريا وستبقى ضربات التحالف محدودة التأثير ،وهذا ما اكدت عليه قيادة الجيش الامريكي “الجنرال مارتن ديمبسي ” رئيس هية الاركان المشتركة الامريكية والجنرال “جون الن “منسق عام التحالف الدولي بان القتال ضد داعش يحتاج الى اكثر من(10) سنوات حتى يتم القضاء عليه!.
في حين “داعش” يتحرك في الوقت الحالي غربا في محافظة الانبار لتوسيع نفوذه لكن يبقى هدفه الرئيسي محافظة كركوك ونفطها وكذلك العاصمة بغداد.وتتواصل التحذيرات من هجوم وشيك لداعش على مركز محافظة كركوك التي ينتشر فيها البيشمركة الكوردية منذ انسحاب الجيش العراقي منها في حزيران الماضي انطلاقا من جنوب المحافظة.وإن ما يحدث في الأنبار هو إكمال السيطرة على باقي القرى بين هيت وحديثة من جهة النهر، ثم محاولة السيطرة على مناطق الحبانية والخالدية والبغدادي، وبالتالي محاصرة قاعدة الحبانية وعين الأسد.وان تنظيم الدولة الإسلامية أخذ هيت ثم أشعل مركز الرمادي، ليحشد نحو غرب بغداد باعداد كبيرة، لكن الهدف الحقيقي هو نفط وغاز كركوك ومنطقة نفط خانة في ديالى.وسقوط الأنبار بيد التنظيم يجعل الطريق مفتوحا لاحتلال حزام بغداد، وهذا الموقف يجب أن يجابه بقوة ، لأن القوات الاتحادية لا تزال قياداتها ضالعة في الفساد.
وان تكتيك المجلس العسكري لتنظيم داعش هو جر القوات العراقية والحشد الشعبي والصحوات إلى معارك صادمة في حزام بغداد الشمالي والغربي، ليخفف عن الحزام الجنوبي الذي يعتبر الأهم عنده، ولإعادة أحياء الاقتتال الطائفي. والآن يسعى لخطوة أخرى، معركة كركوك من ثلاث محاور؛ الدبس وداقوق والحويجة،وان التكتيك التقليدي لهيئات الأركان في العمليات العسكرية في شمال وغرب العراق قد يقود لمواجهة قريبة في كرخ بغداد، وبخلايا نائمة توقظها روح الطائفية وغباء الاجهزة الأمنية في عدم التمييز بين الإرهابيين والابرياء السنة، تحت غطاء مكافحة الإرهاب.
واعتقد أن الهجوم على تكريت المرتقب من قبل الجيش العراقي لن يكون كسابقاته لأنه يتزامن مع احتمال خسارة الأنبار وهو ما سيجعل القتال على جبهتين واسعتين هذه المرة.وأن أهل السنة في العراق بدأوا يشعرون بانحياز العبادي ضد قضاياهم وعلى رأسها العفو العام وملف الحرس الوطني وهذا سيقودهم لتصعيد قادم يتزامن مع قرب تنظيم داعش من السيطرة الكاملة على محافظة الأنبار.حتى أجواء المفاوضات التي كانت بين المسؤول الأمريكي “جون ألن ” وبعض قيادات الصحوات، والتي كان فيها شيء من التباين تجاه ما تم تسريبه عن مشروع الحرس الوطني، وقطع الطريق على الفصائل السنية من المشاركة كقيادات لهذا الملف، ربما يمنعهم من العودة للميدان بالضد من تنظيم داعش.وأن الفصائل السنية هي الجهة الوحيدة الكفيلة بالتصدي لداعش في الأنبار وصلاح الدين والموصل .
اما قوات الحشد الشعبي المساندة للقوات الإتحادية، تفوقت على حجم الجيش العراقي ثم تفوقت على دور قوات جهاز مكافحة الإرهاب، لكنها غير نظامية وتتحرك وفق سياقات حزبية غير عسكرية، ولا تثق بالقيادات العسكرية والأمنية النظامية ولديها مشاكل كبيرة في الدعم اللوجستي.
وبالرغم من ان رئيس الوزراء حيدر العبادي يخالف سلفه نوري المالكي في كل شيء تقريبا إلا في اعتماده على مستشارين من حزب الدعوة لأنهم أحد أهم داعمي انقلابه على المالكي، وهذا الخطأ سيسبب مشاكل للعبادي في حال بقائهم .
اما إيران فهي قلقة من التدخل البري للتحالف الدولي في العراق وسوريا، وهي تعلم أن هذا التدخل سوف لن يقف عند تنظيم داعش وجبهة النصرة بل يتجاوزهما إلى نظام الأسد وحزب الله، وخاصة وأن الحوثيين في اليمن مقبلين على حرب استنزاف مع القاعدة في اليمن.
ومن هنا نقترح ان تكون الاستراتيجية المطلوبة لتضيق الخناق على داعش الارهابي في هذه الصفحة بالذات ، يتطلب تحرير وحماية حقول النفط والغاز التي يسيطر عليها داعش وصهاريج التهريب، مراقبة الطرق الرئيسيّة، عزل الحدود العراقية – السورية والحدود التركية- السورية، والاهتمام في صحراء البعاج وجزيرة الثرثار وجزيرة الرطبة وحوض حمرين وحوض العظيم، وتغيير قيادات الجيش والشرطة وجهاز مكافحة الارهاب والمخابرات واجتثاث الفاسدين واحالتهم الى القضاء ، وتجفيف منابع تمويل داعش في أوربا والخليج وماليزيا، وتعاون العشائر مع القوات الحكومية والبيشمركة ، وتشكيل خط صد قوي وتأمين كل الاستحضارات للدخول الى معركة برية شرسة باسناد طيران الجيش والتحالف وفق تنسيق مسبق بين وزارة الدفاع العراقية وقوات التحالف .وعدم ترديد “النغمة” الامريكية بان القضاء على داعش يحتاج الى اكثر من (10) سنوات والاعتماد على سواعد العراقيين بعد تطهير الجيش والمؤسسات الامنية من الفاسدين والمنافقين واحالة كل من ساهم بسقوط المحافظات وضياع ثلث العراق بيد داعش الارهابي دون استثناء الى القضاء ، وعدم الموافقة على تشكيلات جديدة لانها ستكون ذيل اداري طويل ترهق ميزانية الدولة المترهله اصلا تحت عنوان “محاربة داعش” لان بابها الفساد.هذه قراءتنا الحالية لدعم الموقف الشعبي والحكومي في محاربة داعش الارهابي وعرض الحقائق كما هي لاغراض التخطيط والتنفيذ.وحمى الله العراق.