23 ديسمبر، 2024 5:30 ص

في جوٍ حليم هادئ ، وفي ليلٍ زادتْ ساعاته ، كنت ابحث عن أنيس أحاوره ، فلم أجد غير نفسي . قلّبت الدفاتر القديمة والجديدة : طفولتي ، صباي ، شبابي ، أعتاب شيخوختي ، مدرستي ، مجتمعي ،اصدقائي …. تجاربي .. نجاحي وفشلي …. مايدور حولي .. ماأراه في الشارع وماأسمعه وسمعته من أبي وأمي رحمهما الله .. معاناتي واحساسي المرهف .. أحاديث رفيقة عمري المخلصة … تناقضات المجتمع الذي تصدّعتْ فيه منظومة القيم والأخلاق وأصبح الكبير صغيرا والقزم عملاقا .. وفي هذه الأثناء خطر في بالي قول الشاعر :

( أما ترى البحرَ تطفو فوقه جِيفٌ …… وتستقرُ بأقصى قعرهِ الدررُ )

ثم سألتُ نفسي : متى تُترجم على الارض مقولة ( البقاء للأصلح ) و ( لايصح الأ الصحيح ) ؟ متى وقد اشتعل الرأس شيبا … هل بعد موتنا ودفننا تحت التراب ؟ أليس من حقنا ان نرى الاصلح ونحن على قيد الحياة ؟ وماهو الضمان ان ابناءنا من بعدنا سيرون الاصلح ؟ وكل المؤشرات تشير الى ان الاصلح اصبح شبه مستحيل في ظل الفوضى والتردي في كل المجالات … لست متشائما لكن اقول ان النهايات والنتائج تُعرف من بداياتها فأذا كانت البدايات صحيحة وموضوعية تكون المخرجات والنهايات صحيحة … وفي تلك الاجواء آنفة الذكر استعرضت مايدور من حوارات مع أصدقائي من العقلاء وهم اساتذتي والكل متفقون معي : الى اين نحن ماضون ؟؟ لقد مُلئتْ نفوسنا بالضباب .. والى متى تبقى شريحة العقلاء تتألم وتعاني وتدفع الثمن ؟ ومتى نهزم ( الطالح ) ليحل محله ( الصالح ) والعمر يمضي ويُطحنُ كم تفعل ( الرحى ) في حبّات القمح ؟؟ اذن هناك خللُ كبير وخطير في كل المفاصل ، الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والتربوية  و.. و.. والسؤال هنا من يقوم بالتصحيح ؟ ربما ستقولون العقلاء والعارفون واصحاب الاختصاص .. لكن هل هناك من يسمعهم وقد بُحَّ صوتهم ولامن مجيب … والسبب بروز الطارئين وتجار الازمات والمنافقين والانتهازيين من الذين استغلوا الساحة بسبب الفوضى … والأنكى من ذلك والذي تدمع له العيون ويشيب له القلب هو الانحراف الخطير في شريحة الشباب بشكل يعجز القلم واللسان عن وصفه وهم يسيرون نحو المجهول المخيف والخطير بسبب الانفلات الاخلاقي والقيميوالاجتماعي والمغريات التي يسيل لها اللعاب في ظل غياب المتابعة  والنصيحة من ذوي الشأن وفي ظل التفكك الأسري والاجتماعي . والسؤال هنا كيف سيكون هؤلاء الشباب رجال وبُناة المستقبل ؟؟ وهم على هذا الحال ولااقصد الجميع بل الغالبية العظمى منهم وهم لايمتلكون الحد الادنى من الاحساس بالوطنية بل وان غالبيتهم لايعرفون معنى كلمة الوطن لانهم منشغلون بالتفاهات والترهات والاغاني الهابطة وتسريحات الشعر المخجلة ويتشبهون بالنساء ولاأدري الى اين نحن ماضون ؟؟ ربما نحتاج الى أنبياء أو معجزة العصر ليصلحوا لنا ماأفسده الفاسدون والعابثون ..

ليالينا اصبحت حالكة الظلام .. ونهارنا دم ورصاص .. الحزن عشعش في صدورنا .. القوي يأكل الضعيف ..ربما نحن في سجن كبير والحرية خلف الاسوار .. وكل جميل اختفى ولم يبقَ غير الذكريات الجميلة .. ابكي عليك ياوطني بدم بدل الدموع .. ومتى نحيا على ارضك بسلام ؟ ورحم الله الشاعرة سلافة حجاوي التي تقول

( أهكذا الدهرُ بنا يجري ….. ويأكلُ العمرَ ولاندري ؟ )