15 نوفمبر، 2024 10:44 ص
Search
Close this search box.

الى أصدقائي الإيرانيين .. مع التحية والحب

الى أصدقائي الإيرانيين .. مع التحية والحب

لقد تعمدت ان اختار عنوان هذا المقال تناغما مع عنوان الفلم البريطاني الشهير “الى استاذي.. مع التحية والحب”  To Sir with love،، وهو من انتاج عام ١٩٦٧ ومن بطولة سيدني بواتييه والمغنية لولو،، لا اعتقد ان هناك من لم يشاهد هذا الفلم الرائع لذا فلن اطيل شرح مضمونه الفكري ولكني أقول باختصار ان الطلاب الذين ارسلوا رسالة محبة الى أستاذهم على شكل أغنية بنفس عنوان الفيلم كانت تعني انهم يشكرونه لكونه قد جعلهم يدركون أمورا كانوا يجهلونها في الماضي مما ساهم في تغيير نظرتهم نحو الحياة .

لم يسبق لي في حياتي ان تعاملت مع اي إيراني لفترة تزيد عن النصف ساعة الى ان تجاوزت اكثر بكثير من منتصف العمر في عام ٢٠٠٩ حين تم قبولي كطالب في الصف الثالث في كلية طب الأسنان في جامعة بريتيش كولومبيا الكندية في فانكوفر حيث كان يتوجب علي ان اقضي سنتين دراسيتين بموجب المنهاج المعد لمعادلة شهادة طبيب الاسنان الحاصل على شهادته من خارج كندا. وكان معي في هذا البرنامج ثمانية ايرانيين (خمس طبيبات وثلاثة أطباء) قضيت معهم سنتين كاملتين اتاحت لي ان أتعرف عن كثب عليهم وعلى عوائلهم الكريمة . والله لم المس  منهم سوى المحبة والتعامل المتحضر الراقي الذي جعلني أنضج اكثر فأكثر في نظرتي للإيرانيين  وأكون اكثر توازنا في حكمي عليهم . لقد فتحوا بيوتهم لي وأذاقوني ازكى طعامهم و كانت طيبتهم معي طيلة هذين السنتين  سببا في ان تتفتح في قلبي نوافذ لمودتهم وللاحترام المتبادل بيننا الذي لم أكن أتصور في بداية معرفتي بهم انه سيؤول بي الى هذا الحال.

  لقد كان للحرب العراقية الإيرانية التي استمرت ٨ سنوات عجاف سببا كبيرا في الكراهية المتبادلة بين الشعبين وجاءت تتويجا للدور المخرب الذي كان يلعبه رجال الدين في شحن الشعبين عبر عقود من محاولاتهم كسب ولاء أفراد مذهبهم وشعبهم وذلك بتعزيز كل ما يجعل المقابل شيطانا رجيما في عيون اتباعهم ومريديهم . لقد كان وصول الخميني الى طهران في عام ١٩٧٩ وإعلانه النية بتصدير ثورته الاسلامية مبتدأً بالعراق أكبر الأثر في فتح بوابات الفيضان المرعب الذي اجتاح المنطقة وجاء الاحتلال السوفياتي لافغانستان وانبثاق حركة المجاهدين السلفيين لمناهضة هذا الاحتلال.. جاء ليكمل سيناريو الجحيم الذي لف منطقة الشرق الأوسط منذ ذلك الحين ومازلنا نعاني من تبعاته.. بل اننا الان نشهد التمرينات الأولية لمباراة  الحرب العالمية الثالثة حيث الطائرات الامريكية والفرنسية والانكليزية تقصف أهدافا في العراق وهؤلاء سوية مع الطائرات الروسية يقصفون سوريا والحبل على الجرار .. ويبدو ان العراق وسوريا سيصبحان ساحة رمي لتدريب صغار الطيارين من كل دول العالم .

بعد مضي أشهر على صداقتي بزملائي الإيرانيين سألتني يوما احدى زميلاتي قائلة أرجو ان تغفر لي جرأتي ان سألت سؤالا قد يكون محرجا ” لماذا يكره العراقيون ولا سيما أهل السنة الامام علي وابنه الحسين عليهما السلام ؟” فعقدت لساني الدهشة برهة ثم أقسمت لها فورا وبأغلظ الإيمان انني لم اسمع طيلة حياتي اي عراقي سنيا كان ام شيعيا او حتى مسيحيا من لا يضع مقام الامام علي والحسين على رأسه وجبهته احتراما واجلالاً لهما . قالت لي ببراءة هكذا كان يقال لنا عندما كنّا في ايران . ولما خلوت الى نفسي تذكرت القصص العديدة التي سمعتها وانا طفل صغير عن كراهية واحتقار الإيرانيين لنا نحن العراقيين والعرب بشكل عام وكيف اننا يجب ان نحذرهم ونأمن من شرهم . لقد كان مجمل الموروث المذهبي  والاجتماعي للسنة والشيعة في العراق وإيران يصنع من البغضاء ما يشبه كرة التنس المعبأة بالحقد والتي يتقاذفها اللاعبون عبر الشبكة منذ قرون .

إني أقر سلفاً ان أصدقائي الايرانيين الثمانية هم من صفوة المجتمع الإيراني المتحضر ولربما كان في مكوثهم في كندا الأثر الكبير في جعلهم مواطنيين عالميين وهم قد لا يمثلون القروي الإيراني البسيط او حائك السجاد الذي لا يرى الدنيا الا من خلال خيوط سجادته وما يسمعه من المعمم في قريته من مواعظ ما انزل الله بها من سلطان . وبنفس الوقت فأن افكاري الشخصية حتما لا تتطابق مع أفكار صاحب بقالة صغيرة في احد ازقة الأعظمية ولم يغادرها أبدا.. على الرغم انني عشت طيلة حياتي في الأعظمية الى ان تركت العراق قبل ١٧ عاما .

هنالك حكمة تقول انك ان فارقت شخصا لفترة من الزمن ثم شعرت باللهفة عند سماعك بقرب لقائه مجددا فاعلم انك تحب هذا الشخص … هكذا احسست عندما التقيت قبل ٣ أشهر باثنين من أصدقائي الإيرانيين بعد ان فارقتهم حوالي ٦ سنوات منذ ان تركت فانكوفر بعد انتهاء دراستي . ومن ذكرياتي الجميلة هناك انني قد حضرت في فانكوفر بصحبة ثلاثة من زملائي وأصدقائي العراقيين في واحد من  اكبر مسارح فانكوفر عام ٢٠١١  حفلا فنيا أحيته الحسناء المتألقة أبدا گوگوش وطربت لهذا الصوت الرخيم والألحان الجميلة التي تدخل الفؤاد بدون استئذان علما انني لا أجيد من اللغة الإيرانية اكثر مما اجيد باللغة الصينية . كانت تجلس جنبي سيدة إيرانية علمت فورا انني عراقي من خلال ما سمعته من حديث مع أصدقائي فكانت تترجم لي بصوت خفيض مقاطع من أغاني گوگوش.. يالهذا الذوق الرفيع والأدب الجم .

عزيزي القاريء الكريم اذا راجعت الأسطر السابقة من مقالي هذا ستجد ان كل براعم وزهور المحبة بيني وبين أصدقائي الإيرانيين  قد أينعت عندما ذكرت انهم أطباء مثقفين عاشوا خارج ايران وذكرت طعامهم اللذيذ وكياستهم وذوقهم وفنهم الرفيع وحسنائهم گوگوش . وكلما ذكرت المعممين والسياسيين الذين اشعلوا الحرب بيننا وما يزالون اكفهرت السماء وبرزت اشواك الطائفية والكراهية في الطريق الواصل بيننا وبينهم تدمي اقدامهم واقدامنا .

لا اجد ما اختتم به مقالي هذا سوى ان اضم صوتي لصوت الفنان الكبير عادل امام في مسرحية الزعيم حينما كان يدعو متهكما على الزعماء (الدعاء في الرابط المرفق) فأقول اللهم اخسف الارض بمعمميهم ومعممينا وكذلك سياسييهم وسياسيينا … انك سميع الدعاء .

أحدث المقالات

أحدث المقالات