مدخل : ينفرد مذهب الشيعة الإثنا عشري من بين جميع المذاهب الإسلامية بعقائد شاذَّةٍ وغريبةٍ وعجيبةٍ تتناقض مباشرة ، بل إنها تصطدم مع القرآن الكريم وصحيح السنة النبوية ، منها ؛ الولاية التكوينية ، والولاية التشريعية حيث هما مدار هذا البحث . ومازالت غالبية الفقهاء والمراجع المذهبية الشيعية في إيران وغيرها من البلدان التي يتواجد فيها الشيعة يعتقدون بها ، بل يؤمنون بها غاية الإيمان ويعتبرونها مرادفة للأركان والأصول والثوابت الدينية والإيمانية .
الغريب في هذا الموضوع ، ولو إنه ليس غريباً ، هو إن قائد الثورة الإيرانية الراحل ومؤسس االجمهورية الإسلامية الإيرانية روح الله الموسوي الخميني [ 1902 – 1989 ] كان يعتقد أشد الآعتقاد بالولايتين التكوينية والتشريعية المبتدعة وغيرها من العقائد الشاذة المخالفة صراحة للإسلام ، لا بل إنه كان يؤمن بها ، كل الإيمان . وربما يُعدُّ الخميني واحداً من المراجع القلائل جداً في تاريخ المذهب الشيعي الذي سلك جانب الغُلُوِّ والتطرُّفِ الى أقصى المديات ، وقد تحدث عن ذلك صراحة في عدد من كتبه ، وهذا ما سنتطرق اليه في سياق هذا البحث ، أما مشروعه المذهبي – السياسي فهذا بحثٌ خطيرٌ آخرٌ ينبغي الحديث عنه على حِدة وبشكل مستقلٍّ .
الجديرُ بالذِكْر حول الإيمان ، هو على الصعيد القرآني والنبوي لا يجوز ولا يصح الإيمان بأمرٍ ما إلاّ بما ذكره وعدَّدهُ الكتاب الكريم وصحيح السنة النبوية الشريفة بالحصر ، لأن ذلكم التعداد الإيماني يُشكِّلُ الأساس الديني والإيماني للإسلام ، حيث ذلكم الإيمان الذي كان عليه الصحابة والتابعين وتابعي التابعين والأئمة والعلماء الأجلاء بالإجماع من أقدم العصور ، والى عصرنا الحالي إذن ، في خارج الإطار الإيماني المذكور لا يجوز قطعاً إطلاق لفظ الإيمان على أمرٍ ما ، أو على قضية ما ، أو على شخص ما كائناً مَنْ كان ، فمثلاً : لا يجوز في الإسلام أن يقول قائل بأنه يؤمن بأبي بكر الصديق ، أوعمر بن الخطاب ، أو علي بن أبي طالب ، أو فاطمة بنت رسول الله محمد ، أو بعائشة أم المؤمنين أو أمثالهم من الصحابة الأجلاء – رضوان الله تعالى وسلامه عليهم – . ذلك إن الإيمان محصورٌ حصراً في دائرة التوحيد والنبوة والكتب والرسالات الإلهية للأنبياء – الرسل والملائكة واليوم الآخر ، وبالبعث والنشور وغيره المعدَّدة عدَّاً جلِيَّاً وواضحاً كوضوح الشمس في رابعة النهار ، في التنزيل الحكيم وصحيح السنة النبوية .
السبب هو إن الإيمان بأمر يجب أن يكون متصفاً بالعصمة المطلقة ، والقدرة المطلقة ، وهو الله الخالق الباريء سبحانه ، أو بالعصمة النسبية التي يفيض بها الله عزوجل ويمنحه بلطفه وفضله على من يشاء من عباده في أمورٍ ومجالات معينَّةٍ ومحدَّدة ، وهم الأنبياء والرسل الذين آختارهم وآصطفاهمُ الله تعالى ، حيث هم فقط – صوات الله وسلامه عليهم – صفوته من عباده كلهم لا غيرهم ، أو الإيمان بأمورٍ جاء ذِكْرها بالترتيب الجلِيِّ في الكتاب وصحيح السنة . لهذا ، ووفقاً للقرآن الكريم فإن العصمة للأشخاص هي مخصوصة ، ونقصد العصمة النسبية بالأنبياء والرسل فقط ، وحصراً لا غيرهم أيَّاً كانوا .
ألف -/ الولاية التكوينية ، تعريفها ، مفهومها ومعناها : بداية ينبغي القول لا يوجد في القرآن الكريم ، ولا في صحيح السنة أيَّ إشارة ، مجرد إشارة وحاشاهما لمصطلح الولاية التكوينية على الإطلاق ، بل هي إبتداع لمتأخري الشيعة من فقهائهم ومراجعهم .
إن الولاية التكوينية عند الشيعة ، هي سلطة الإمام الخارقة للزمان والمكان وقوانين العلية والسببية والسننية الحاكمة على الكون ، أي بمعنى ؛ إن إرادة الإمام وقدرته قادرةٌ على فعل جميع المعجزات والخوارق ، وعلى خرق قوانين الطبيعة ونواميسها ، والتسلط على الكون والظواهر الكونية وسننها إذن ، يكون للإمام المعصوم جميع ما لله سبحانه الخالق من صفات وإرادة بآستثناء الخَلْق ! .
لقد تحدث مراجع الشيعة وفقهائهم عن مفاهيم وتعاريف غاية في الغرابة والدهشة ، بل الصدمة حول ما تسمى ب[ الولاية التكوينية ] ، وهي كذلك في أقصى التناقض مع القرآن الكريم وصحيح السنة النبوية ، وهي مرفوضة في ميزانهما أيضاً .
عن أهل البيت النبوي والولاية التكوينية يقول أحد أكبر مراجع الشيعة في العصر الحالي ، وهو أبو القاسم الخوئي [ 1899 – 1992 ] : [ فالظاهر أنه لا شبهة في ولايتهم على المخلوق بأجمعهم ، كما يظهر من الأخبار ، لكونهم واسطة في الإيجاد ، وبهم الوجود ، وهم السبب في الخَلْق ، إذ لولاهم لما خُلِقَ الناس كلهم ، وإنما خُلِقوا لأجلهم ، وبهم وجودهم ، وهم الواسطة في الإفاضة ، بل لهم الولاية التكوينية لما دون الخالق . فهذه الولاية نحو ولاية الله تعالى على الخلق ] ! . يُنظر كتاب ( مصباح الفقاهة ) لمؤلفه أبي القاسم الخوئي ، ج 3 ، ص 279
ويقول الخميني مؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية عن الولاية التكوينية : [ إن للإمام مقاماً محموداً ودرجة سامية وخلافة تكوينية تخضع لولايتها وسيطرتها جميع ذرات هذا الكون ، وإن من أحد ضروريات مذهبنا أنْ ؛ لأئمتنا مقاماً لايبلغه مَلَكٌ مُقرَّبٌ ولانبيٌّ مُرسلٌ ] ! . يُنظر كتاب ( الحكومة الإسلامية ) لمؤلفه روح الله الموسوي الخميني ، ص 52
ويقول الخميني أيضاً في كتابٍ آخرٍ له عن أئمتهم والخلافة التكوينية ، أو الولاية التكوينية : [ الإمام صاحب الولاية المطلقة الكلية ، والولاية باطن الخلافة ، فهو بمقام ولايته الكلية قائمٌ على كل نفس بما كسبت ، ومع الأنبياء مَعِيَّةً قيَّومِيَّةً ظِلِيَّةً إلهيَّةً ظِلُّ المعِيَّةِ القيُّومِيَّةِ الإلهيَّةِ ، إلاّ أن الولاية لما كانت في الأنبياء أكثر خصَّهم بالذِكْرِ ] ! . يُنظر كتاب ( مصباح الهداية ) لمؤلفه روح الله الموسوي الخميني ، ص 142
وقال الخميني بأن الإمامة هي مُكمِّلة للدين : [ بالإمامة يكتملُ الدين ، ويتمُّ التبليغ ] . يُنظر كتاب ( كشف الأسرار ) لمؤلفه روح الله الموسوي الخميني ، ص 154
ويقول السيد كمال الحيدري ، وهو مرجع شيعي عراقي : [ فمن ثبتت له الولاية التكوينية يكون قادراً على التصرُّفِ في مفردات عالَمِ الوجود لا على نحو الإستقلال ، وإنما بإذن من الله تعالى ، وأما التصرُّفُ التكويني الذاتي الإستقلاليُّ فمختصٌّ بالله تعالى .
ومن موارد صدق التصرُّفِ في عالَمِ التكوين ؛ التحكُّمِ بحركة الرياح ، وإحياء الموتى ، وإماتة الأحياء وما شابه ذلك ] ! . يُنظر الموقع الرسمي للسيد كمال الحيدي ، وما قاله مُثبَّتٌ في فيديو منشور له على اليوتيوب .
ويقول محمد رضا المامقاني [ 1922 – 2008 ] : [ كانت تصدر من الأئمة خوارق للعادة نظير ما كان يصدر عن الأنبياء ، بل أزيد وإن الأنبياء والسلف إنفتح لهم بابٌ أو بابان من العلم ، وآنفتحت للأئمة بسبب العبادة والطاعة جميع الأبواب ، حتى صار الواحد منهم مثل الله اذا قال للشيءِ كن فيكون ] ! . يُنظر كتاب ( تنقيح المقال في علم الرجال ) لمؤلفه محمد رضا المامقاني ، ج 3 ، ص 232
كما آتضح إن فقهاء الشيعة ومراجعهم بأكثرية لا يعتقدون ، بل يؤمنون بالتالي من الأمور المغالية المتناقضة صراحةً ومباشرةً مع الإسلام ؛ كتاباً وسنةً ، كما يتناقض مع العقل والعلم والمنطق السديد :
1-/ ولاية عليِّ وأبناءه وسلطتهم على جميع المخلوقات في الكون ، في مقدمتهم البشر كلهم .
2-/ هُمُ الواسطة في الإيجاد ، وبهُمُ الوجود ، وهمُ السبب في خلق المخلوقات كلها ، والكون كله ، وبهم وجودهم وتواجدهم وحياتهم ومعايشهم في الكوكب الأرضي ، لأنه لولا عليٌّ وأبناءه لَمَا خلق الله سبحانه الخَلْقَ كلهم ، لا بل إنما خلق الله تعالى الخلق كلهم والعالم والكون كله لأجلهم .
3-/ هُمُ الواسطة في الإفاضة على الكون وما فيه ، بل لهُمُ الولاية والسلطة التكوينية لِمَا دون الخالق ، فتلك الولاية هي على نحو ومثل ولاية الله تعالى على الخلق والمخلوقات في العالمين .
4-/ تخضع لسلطة عليِّ وأبناءه وولايتهم وإرادتهم جميع ذرَّات الكون .
5-/ إن المقام المحمود لعليٍّ وأبناءه لا يصله ولا يبلغه مَلَكٌ مُقرَّبٌ ولا نبيٌّ مُرسلٌ .
6-/ إن أئمة الشيعة هم ليسوا من الجنس البشري ، وهم ليسوا من ذرية آدم ، بل هم أقدم منهم ، وهم خُلِقوا قبل العالم أنوراً .
7-/ أئمة الشيعة لهمُ القدرةُ والسلطةُ والمشيئةُ على التصرُّفِ في الكون ، مثل التحكُّمِ بحركة الرياح ، وإحياء الموتى ، وإماتة الأحياء وغيرها .
8-/ كانت تصدر لأئمة الشيعة معاجز وخوارق للعادة ، مثل ما كان يصدر من الأنبياء والرسل ، لا بل أزيد وأعظم ، وذلك الى درجة أن أصبح الواحد منهم مثل الله ؛ اذا قال للشيءِ كن فيكون .
9-/ إن ولاية عليٍّ وأبناءه ، هي كولاية الله عزوجل .
10-/ الإمام عند الشيعة قائمٌ على كلِّ نفسس بما كسبت .
11-/ لأئمة الشيعة مع الأنبياء معِيَّةٍ قيُّومِيَّةٍ ظِلِيَّةٍ إلهيَّةٍ ، ظلِّ المَعِيَّةِ القيومِيَّةِ الإلهيَّة .
تأسيساً على ماورد نتساءل : إذن ، ماذا بقي للمسيحية من أمور وقضايا وقواعد وأسساً دينية ، فإذا كان للمسيحية من تثليث واحد فإن مذهب الشيعة له تثاليث وثالوثيات متعددة شتى ..!؟
وفقاً لِمَا يؤمن به مذهب الشيعة وما هو مُدوَّنٌ في أمهات كتبه ، ثم بآستناد كبار الفقهاء والمراجع المذهبية له ، في الماضي والحديث والمعاصر فإنه بالحقيقة ربما قد سابق المسيحية وآجتازها أشواطاً بعيدةً في جعل بشرٍ مخلوقين شركاء لله سبحانه في مُلْكه وملكوته ، أو إنهم مثل الله عزوجل يقولون للشيء ؛ كن فيكون ، أو هم مثل الله سبحانه ! .
فالمسيحية إنْ جعلت شخصاً واحداً إلهاً ورَبَّاً ، أو إبناً لله تعالى ، أو شريكاً له في ألوهيته وربوبيته سبحانه ، وهو عبدالله ونبيه عيسى المسيح – عليه الصلاة والسلام – ، فإن المذهب الشيعي على أساس ما ورد عندهم من العقائد قد جعلوا أشخاصاً متعددين شركاء له ، أو أنداداً له ، فسبحانه وتعالى عما وصفوا ويصفون من القولِ والبُهْتِ والغُلُوِّ العظيم ، { وتعالى اللهُ عمَّا يقولون عُلُوَّاً كبيراً } …؟
المعتقدات الشيعية المذكورة في ميزان القرآن : إن الحجر الأساس للإسلام هو التوحيد ، أي توحيد الله سبحانه ومعرفته معرفة تامة في ألوهيته وربوبيته ، وهذه المعرفة يجب أن تكون خالية وبعيدة مما يناقض التوحيد ، فإن ناقضها كما رأينا مما ورد أعلاه في ذلك الوقت لا يكون تديُّن المسلم وعبادته خالصة لوجه الله تعالى ، ولا هو التديُّن المخلص ، ولا العبادة المخلصة التي المسلمون مأمورون ومكلَّفون بها كما يقول القرآن : { قل : إني أُمِرْتُ أن أعبدَ اللهَ مخلصاً له الدين } الزمر / 11 . والتوحيد الذي عليه مدار التنزيل هو إن الله جل في عُلاهُ لا يُشاركه أحد إطلاقاً في أحديته وخالقيته وصفاته ومشيئته وإرادته وقدرته كلها على الكون وما فيه وتدبيره من أصغر ذراته ، الى أعظمها . لهذا فإن التنزيل نفى بإطلاق غير تأثير الله المتعال على الكون وما فيه ، فهو سبحانه لا شريك له في تدبيره كله ، وهو فقط لا سواه المؤثِّرُ والمدبِّرُ والمتصرِّف في شؤون العباد والعالمين . لهذا لمّا طلب المشركون من رسول الله محمد – عليه الصلاة والسلام – أموراً وحاجات خارقة قال الله له وأمره بأن يقول لهم ما هو إلاّ { بشراً رسولاً } من لدنه لهم .
فرسول الله محمد والأنبياء والرسل بشكل عام ، هم من الجنس البشري ، وهم من ذرية آدم ، فكيف يقول المذهب الشيعي بأن محمداً نبي الله ورسوله الخاتم وآله جنسهم نورانيٌّ ، وهم خُلِقوا قبل خلق العالم أنواراً ، أو كيف يكون لأئمته / أئمتهم الولاية والسلطة على المخلوقات كلها ، أو إنهم الواسطة في الإيجاد ، أو [ بهم الوجود ] ، أو [ هم سبب الخلق ] ، إذ لولاهم لما خلق الله تعالى المخلوقات والكون والعالم ..؟
إن هذه المعتقدات الواقعة في صميم الغلو وعمقه متصادمة مع ما جاء في القرآن الكريم ، فالله تعالى هو وحده لا شريك له ، ولا ند ولا مثيل له ، وهو سبحانه وحده صاحب الخَلْق والأمر والتدبير والمُلْك والملكوت ، وهو سبحانه الخالق والمدبِّرُ لكل شيءٍ في الكون . والله عزوجل واحد لا شريك له في ذاته وصفاته وأفعاله ، ولا يظهر شيءٌ في الكون كله ، وفي الوجود كله على الإطلاق مهما علا ، أو صغر إلاّ بعلمه وإرادته وقدرته وخَلْقه وحده سبحانه .
والله تعالى هو وحده الحيُّ القيُّومُ الأبديُّ الأزليُّ السرمديُّ إذ : { كلُّ مَنْ عليها فانٍ * ويبقى وجهُ ربِّكَ ذو الجلال والإكرام } الرحمن / 26 – 27 ، بالحقيقة فإن كل شيءٍ في الوجود ، وكل نفس بلا آستثناء بالمطلق هي في طريقها الى الزوال ، والى الموت : { كل نفس ذائقة الموت } آل عمران / 185 . لهذا : { ولا تدعُ مع الله إلهاً آخر * لا إله إلاّ هو * كلُّ شيءٍ هالكٌ إلاّ وجههُ لهُ الحكمُ وإليهٍ تُرجعون } القصص / 88 . في هذا المقام من الحريِّ والأهمية توجيه التساؤل القرآني لهم ولأمثالهمُ الذين هجروا القرآن وآعتكفوا على مرويات ضالَّةٍ ومحكيِّاتٍ مضِلَّةٍ عسى أن يهتدوا ويصحو ويفيقوا من نومهمُ الذي طال وآستطال أمداً كثيراً ، وهو : { أفلا يتدبَّرونَ القرآنَ ، أم على قلوبٍ أقفالها } ؟ . محمد / 24
في القرآن الكريم لا أحد ، بالمقدمة الأنبياء فوق السنن الإلهية الحاكمة على الكون وما فيه ولا مستثناة منها ، لأنها لا تتغيَّرُ ولا تتبدَّلُ كما جاء بتكرارٍ في مُحكم التنزيل العظيم : { سنة مَنْ قد أرسلنا قبلكَ من رُسُلنا ولا تجدُ لسنتنا تحويلاً } الإسراء / 77 ، و : { سنة الله في الذين خَلَوا ولن تجد لسنةِ اللهِ تبديلاً } الأحزاب / 62 ، و : { فهل ينظرون إلاّ سنةَ الأوَّلِينَ ؛ فلن تجدَ لسنَّةِ اللهِ تبديلاً ، ولن تجدَ لسنَّةِ اللهِ تحويلاً } ؟ ، فاطر / 43 ، و : { سُنَّةَ اللهِ التي خَلَتْ من قبلُ ؛ ولن تجدَ لِسُنَّةِ اللهِ تبديلاً } فتح / 23
لقد آستثنى الله تعالى في مراحل تاريخية الخوارق والمعاجز للأنبياء والرسل ، وذلك بقدرته الحاكمة على الكون والمُسَيِّرةِ له ، وبمشيئته وإرادته التي آقتضت تلكم الخوارق والمعجزات التي جرت بإذن الله سبحانه على أيدي أنبياءه ورسله لأقوامهم ، وبعد رسول الله ونبيه محمد ، حيث خاتم الأنبياء والرسل إنتهت الخوارق والمعجزات بصورة نهائية . ذلك إن المعاجز والخوارق الإلهية المنشأ والمصدر والقدرة والمشيئة والإرادة ، هي خاصة بأنبياء الله عزوجل ورسله الكرام فقط وحصراً لا غيرهم على الإطلاق . عليه ، فإن ما يقوله مذهب الشيعة عن أئمتهم ، أو بالأحرى ما نسبوه اليهم ، وهم براء منها من الإختلاقات ما هو إلاّ زيفٌ وزورٌ وضلالٌ مبينٌ ، ثم ما هو إلاّ تكذيبٌ صريحٌ لنصوص القرآن الكريم ، ولصحيح سنة رسول الله محمد – عليه الصلاة والسلام – .
بالحقيقة إن آل محمد ، في مقدمتهم الإمام علي – رضي الله عنه وعنهم عموماً – هم براءٌ كل البراءة مما نُسِبَ اليهم من عظيم الأقوال في الغلو اليهم والمبالغة في شخصياتهم الكريمة الى حدود التأليه والإشراك والشَبَهِ بالله الخالق سبحانه ، يقول الإمام علي : [ ما وحَّدَهُ مَنْ كيَّفَهُ ، ولا حقيقتهُ أصابَ مَنْ مَثَّلهُ . ولا إيَّاهُ عنى مَنْ شَبَّهَهُ . ولا صَمَدَهُ مَنْ أشارَ إليهِ وتَوهَّمهُ . كلُّ معروفٍ بنفسهِ مصنوعٌ . وكلُّ قائمٍ في سِواهُ معلولٌ . فاعلٌ لا بآضكرابِ آلةٍ . مقدِّرٌ لا بجولِ فكرةٍ . غنيٌّ لا بآستفادةٍ . لا تصحبُهُ الأوقاتُ ، ولا ترفُدُهُ الأودواتُ ، سبقَ الأوقاتَ كونُهُ . والعدمَ وجودُهُ والإبتداءَ أزَلُهُ . ] يُنظر كتاب ( نهج البلاغة ) للشريف الرضي ، شرح الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده ، ج 2 ، ص 245
ب -/ الولاية التشريعية ، تعريفها ، مفهومها ومعناها : إن الولاية التشريعية عند الشيعة ، هي الحق في التشريع وفي تقنين الأحكام والقدرة والتصرف في القضايا التي تتعلق بعالم التشريع وسَنِّ الأحكام ، مثل الحلال والحرام ، الواجب والمباح ، وقضايا الحكم والحاكمية والحكومة والإدارة في شؤون الناس على طريقة المذهب الشيعي الذي يحصر الإسلام كله ، والقرآن الكريم كله ، والخَلْقَ كله ، والكون كله ، والوجود كله في أئمته . فالمذهب الشيعي يرى بأن من الآيات الدالة على الولاية التشريعية ، هو الآية القرآنية : { إنما ولِيُّكُمُ اللهُ ورسولُهُ والذين آمنوا يقيمون الصلاة ويُؤتون الزكاة وهم راكعون } المائدة / 55 ، فيزعم إن هذه الآية تدل على ثبوت منصب الزعامة والرئاسة العامة ، أو الخلافة والإمامة العامة بعد رسول الله محمد – عليه الصلاة والسلام – لعليِّ بن أبي طالبٍ وأبناءه ! .
فعلى ضوء ما ورد حتى الآن حول ولايتي – خلافتي الكون والتشريع الشيعيتين يُستنتج بكل وضوح إن الولاية التكوينية ، هي سلطة آل البيت على الخَلْقِ كلهم ، وعلى الكون وذراته وما فيه وتدبيرهم لكل شؤونه ، اي السلطة الكونية لهم للكون وإدارته ، فكيف ذلك وهم أمواتٌ مذ قرون طويلة خلت ، ثم إنهم لم يتمكنوا إطلاقاً من دفع أيِّ خطرٍ ومكروهٍ وضررٍ عنهم إذن ، كيف يمكن لشخص أن يدير الكون والكائنات ويفعل المعجز والخوارق وهو عاجزٌ ، كلَّ العجزِ من إدارة نفسه ودفع المكارهِ والمخاطرِ عنه ..؟
أما الولاية التشريعية ، فهي سلطة آل البيت السياسية والإدارية والدينية والتشريعية على الدين كله ، وعلى المسلمين كلهم ، بل على البشر كلهم ، والكون كله ، وبما إنهم أموات بين يدي ربهم المتعال فإن فقهاء الشيعة المتمثِّلين في ولاية الفقيه هم مَنْ ينوبون عنهم في القيادة والريادة والزعامة والحكومة والحاكمية والسياسة الى أن يظهر إمام زمانهم الموعود لديهم لكي يقيم دولته العالمية – الكونية على البشر كلهم ، وإدخالهم كلهم في الإسلام الشيعيِّ سواءً شاؤوا ، أمن لم يشاؤوا ، وسواءً قبلوا طواعية وبإختيارهم ، أم كان بالقهر والإكراه وتحت بريق السيوف كما تتحدث بذلك الأخبار والمرويات عندهم ! .
أما الحقيقة فهي بعكس ما قالوه وما يدعوه على الإطلاق كما بينه وقرره الكثير من الآيات القرآنية ، فالإسلام ليس لأسلمة البشر كلهم في العالم ، بل هو دعوة للبشر كلهم في العالم ؛ لذا فمن آمن به وقبله عن قناعة وآختيار وحرية فله ذلك ، ومن لم يقبل به فله ذلك أيضاً ، لأن الإسلام جعل الإيمان والّلاإيمان للإنسان أمراً إختيارياً له ، فهو بحريته وآختياره تماماً يختار وينتخب الإيمان أو الّلاإيمان ، لا بل حتى الإرتداد عن الدين والإيمان ما لم يقترن بالعنف والسلاح وتهديد المجتمع فأمرهُ أخرويٌّ لدى الله سبحانه وتعالى حصراً وليس دنيوياً كما قرره وأوضحه القرآن الكريمً ، ثم ليس هدف الإسلام العمل على تأسيس دولة إسلامية في العالم أبداً كما يتوهمون بأن ( المهديَّ ) وقت ظهوره سوف يقيم دولة عالمية ! .