لو لم تكن الولايات المتحدة راغبة بأن يصل حال محافظات المكون السني العربي الى هذه الدرجة من الإنحدار وفقدان هيبتها لما وصلت الى كل ماوصلت اليه من توغل داعش في مقدراتها ومن قبلها ما احدثته الميليشات المدعومة من ايران في سحق معالم محافظات المكون السني العربي ومن العمل على تجريدها من اي دور حيوي يمكن ان تنقذ بها جمهورها مما وصل اليه من حالات احباط وفقدان للمكانة.
ولو لم تكن الولايات المتحدة حتى الان متناغمة مع الدور الايراني في ضياع مستقبل العراق وبالاخص مستقبل محافظات المكون السني العربي لما وصلت داعش الى كل ما وصلت اليه من قوة وبطش وفرض احتلالها الغاشم بالقوة على اغلب المحافظات المحسوبة على المكون العربي.
كل من يعتقد ان الولايات المتحدة بريئة لما يحصل من العراق من تراجعات في الدور والمكانة ومن استباحة لارضه وجمهوره ومستقبله السياسي فهو واهم ، إن لم يكن مستغفلا وغافلا عما يجري من رسم ادوار في كل مرحلة، حتى استطاعوا ترويض محافظات المكون العربي وتجريدها من معالم القوة والاقتدار وسلب ارادتها والعمل على الحط من قادة مكونهم امام انظار جمهورهم وامام الرأي العام، وهي أي الولايات المتحدة وايران هما من يتحملان امام الله والتاريخ مسؤولية ماجرى لعراق باكمله من احتلالات غاشمة ومن سيناريوهات اوصلت البلد الى هذه الحالة التي لاتحسد عليها.
لقد ادرك قادة المكون العربي حقيقة انه لولا التغاضي الامريكي عما ترتكبه داعش من العبث بمقدرات محافظاتهم ولولا تغاضي واشنطن عما ترتكبه الميليشيات المدعومة من ايران تسليحا ودعما لوجستيا وسياسيا، لما تحطمت هياكل العراق وضاع مستقبل ابنائه بهذه الطريقة المروعة التي تجري فصولها الان.
الولايات المتحدة وايران وللأسف الشديد شريكتان في حملات الابادة التي تعرض لها الشعب العراقي والإنحدارات الكارثية التي وصل اليها العراق,, وكل من يقول عكس ذلك او يحاول تسفيه هذا الرأي فهو إما جاهل او يتوافق مع رغبة واشنطن وطهران في ان يصل مستقبل العراق الى هذه الدرجة من ضياع الدور وفقدان المكانة.
حتى قادة محافظات المكون العربي الذين ماتركوا فرصة واشتكوا للولايات المتحدة من تدخل ايران في مقدرات بلدهم وتحكمها بمصيره لم تفعل الولايات المتحدة لهم شيئا ، ولم تجد ايا من استغاثاتهم نفعا بالرغم من انهم يصيحون ليل نهار ان ايران ضالعة حتى العظم في وجود داعش وتعد احتلالها لمحافظات المكون العربي ( فرصة لاتقدر بثمن ) ومكافأة لن تنسى فضلها قدمتها لها الولايات المتحدة لايران ، وليس بمقدور طهران الا ان تبقى تقدم قرابين الشكر والولاء جراء هذه الخدمة الجليلة التي قدمتها لإيران في تحطيم ركائز العراق وفي ان تتحكم بالنيابة عن الولايات المتحدة في تركيع العراق وفي مساعدة داعش في التوغل داخل محافظات المكون العربي لكي تصل الاحوال بها الى هذه الدرجة من ان تحولها الى معقل لارهاب داعش ومن استباحتها لارضها وديارها وتشريد جمهور المكون العربي، بينما تنعم محافظات الوسط والجنوب المدعومة من ايران بالامن والأمان، او لنقل على الاقل انها لم تنل من ارهاب داعش وبقيت خارج دائرة ارهابها، مايؤكد وجود توافق في الرؤى والمصالح بين ايران والولايات المتحدة في تحطيم معالم ومستقبل محافظات المكون العربي التي اتهمت بانها رفضت الوجود الامريكي والايراني على ارض العراق ولم تفرش الزهور لهما لاستباحة ارض العراق فكان ان تم معاقبتها بهذه الطريقة التي لاتحسد عليها الان.
كل من يعتقد ان الولايات المتحدة ترفض الوجود الايراني في العراق او تسعى لتحجيم الدور الايراني في المنطقة فهو واهم ، ولا يقدر حجم الاذى والضرر الذي تركه هذا التلاقي في المصالح بين واشنطن وطهران وفي تركيعهما العراق واذلال شعبه بهذه الطريقة المأساوية التي تدور رحاها على ارضه كل يوم، وامتدت الى سنين سابقة، ربما تصل لعقود من التوافق في المصالح منذ عهد الشاه وحتى الان.
ومما سؤشف له ان الدور العربي للقادة العرب بقي غائبا عن الحضور على ارض العراق ، ووجدت ايران في التغاضي العربي عما يجري في العراق وعن عدم ادراك القادة العرب لمخاطر هذا الغياب فرصتها للاستئثار بالعرب والعراق على وجه الخصوص ، ما ترك تأثيرات مأساوية خطيرة على مستقبل المنطقة.
وما جرى في اليمن وسوريا ودول عربية أخرى كان من نتائج هذا الابتعاد العربي عن ممارسة الدور، وراح كل من هب ودب يتحكم في مقدرات العرب، وهم الان في وضع لايحسد عليه، لكن الموقف السعودي الاخير ربما ترك بعض حالات الارتياح من هذه الصحوة المتأخرة مما تضمره ايران لدولهم وشعوبهم من نوايا شريرة ، تريد ضياع دورهم وتبقيهم اسيرة التهديدات التي تلاطمت امواجها في سمائهم وارضهم، لتستبيح مقدراتهم ، مستغلة حالة الخور والضعف واللامبالاة العربية ازاء مايجري، حتى وصل المستقبل العربي الى هذه الدرجة من الانحدار والوهن، وهو مايدعو القادة العرب لأن يستفيقوا من غفلتهم وسباتهم، وينتصروا ليس للعراق فقط بل لانفسهم ايضا ، قبل ان يضيع دم شعوبهم بين القبائل.