22 ديسمبر، 2024 9:38 م

الولايات المتحدة..فقدان المصداقية وغياب ستراتيجات العمل عرض سمعتها لمخاطر كثيرة

الولايات المتحدة..فقدان المصداقية وغياب ستراتيجات العمل عرض سمعتها لمخاطر كثيرة

قد لايكون الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هو الرئيس الوحيد الذي أضاع هيبة أمريكا ، ومرغ أنفها في التراب، فقد سبقه رؤساء آخرون، ولكن الرئيس ترامب، كما يبدو قد فاق كل الرؤساء الأمريكيين في الكذب والمراوغة والتراجع عما يتخذه من قرارات ، وما يصدر عنه من أقوال عن قضايا دولية خطيرة، تشكل إساءة كبيرة لسمعة الولايات المتحدة كدولة كبرى وحيدة تتربع على عرش العالم ، ولا تقبل أن ينافسها آخرون على تلك المكانة!!

لقد وصلت سمعة الولايات المتحدة بفضل تصرفات ترامب وحماقاته الى الحضيض، حتى راح يسخر منها ، كل من تعده الولايات المتحدة (عدوا رئيسيا) من وجهة نظرها ، صغيرا كان أم كبيرا ، في مقاسات الحجوم الدولية!!

لقد بدأت سلسلة التراجعات الأمريكية في الدور والمكانة منذ أعوام التسعينات على الأكثر ، وبالتحديد بعد العدوان الامريكي الثلاثيني على العراق وشنه للحرب الظالمة على العراق تحت مبررات حرب الكويت وما تبعها، وقد اعترف الأمريكان أنفسهم بضمنهم الرئيس الحالي للولايات المتحدة ومن سبقوه ، أنها حرب لم يكن لها مبرر على الاطلاق ، كان الهدف منها فقط تدمير قدرات العراق ، بأي شكل من الإشكال، وإنهاء دوره الاقليمي الذي كان يتصاعد تأثيره أنذاك ، يوما بعد آخر، وكان العراق مهابا تحسب له الدول ألف حساب!!

لقد دخلت دول أخرى في قائمة من إستهدفتهم الولايات المتحدة بعد أن تم إزاحة العراق من على الخارطة الاقليمية ، وجاء الدور على سوريا واليمن ودول الخليج التي ورطوها في أغلب تلك الحروب، وخرجت منها مرهقة بتكاليف قدرت بمئات البلايين من المليارات ، لمجرد أن تدخل المنطقة في متاهات حروب لاتبقي ولا تذر ، وحطمت قدرات دول المنطقة، وها هو الدور الان على إيران، وستجد المصير نفسه الذي واجهه العراق ، ولو بطريقة أخرى وأقل تكاليف، بحيث تريد الولايات المتحدة ان يكون العراق (ساحة تصفيات) لمشروعها المرتقب لتدمير قدرات ايران والعمل على قصم ظهرها ، على غرار ما جرى للعراق، وان كل المزايدات للهروب من هذا المصير لابد وان تبوء بالفشل ، مهما أظهر الإيرانيون قدرة على مواجهة الحرب الأمريكية ضدهم، بالرغم من انهم يعملون على ان تكون ساحة حربهم المرتقبة على أرض العراق، كي يقللوا من خسائر تلك الحرب وآثارها الى الحد الأدنى كما يتصورون، وسيكون العراقيون مرة أخرى أكبر الخاسرين من تلك المواجهة، إذا ما تحولت ارضهم الى (ساحة اصطراع) بين إيران والولايات المتحدة، وهو ما يلوح بكل تاكيد في الأفق القريب!!

لكن نبرة تصريحات الرئيس الامريكي ترامب ضد من يراهم أنهم اعداء للولايات المتحدة وحتى لبعض من كانوا يعدون ضمن الاصدقاء في توتر واضطراب، وما يقوله الرئيس الامريكي وما يعلن عنه من مواقف لايصمد الا يوما أو يومين ، واذا به يتراجع عن مواقفه وتصريحاته ، ويعود ليعدل الكثير من تلك المواقف، ومثال ذلك تصريحاته مع ايران وتركيا ومستقبل وجود قواته في سوريا وحتى في العراق ، شاهد على ما نقول!!

كان المعروف لدى المجتمع الدولي أن الولايات المتحدة تعتمد في قراراتها الستراتيجية السياسية والعسكرية والأمنية على (مراكز صنع القرار) و(مؤسسات أمريكية) تعطي الرأي والمشورة للرئيس قبل إتخاذ أي قرار حيوي مهم يتعلق بمصالح الولايات المتحدة وحركة قواتها في كل العالم، وبخاصة في الحروب المباشرة التي تدخل الولايات المتحدة طرفا فيها، أما اليوم فيبدو أن الرؤساء الأميركيين لم يعد يعيروا اهتماما لكل تلك المؤسسات العريقة التي كات تحفظ هيبة الولايات المتحدة وهي من تتحمل مسؤولية اتخاذ أي قرار، ويعتمد الرئيس الامريكي على قانون حالة الطواريء ، الذي يجيز له اتخاذ قرارات مهمة في قضايا الحرب وتعريض المصالح الأمريكية للخطر، ليتوسع هذا المبدأ في كل القرارات ذات الصلة بمصالح الولايات المتحدة، بل أن أكبر تحد من تلك الدوائر وشخصيات أمريكية مهمة كانت قد أنطلقت من داخل الكونغرس ومجلس الشيوخ الامريكي التي كثيرا ما وجهت انتقادات لاذعة لأمثال تلك السياسة وعدتها سياسة (تفرد) وتؤدي الى حالا (تخبط) في سياسة الولايات المتحدة وعرضت سمعتها لمخاطر كثيرة وفي أزمات متعددة!!

إن تخبط تصريحات الرئيس الامريكي ترامب وتردده واظهار ضعفه في المواجهة مع من تراهم الولايات المتحدة أنهم يدخلون ضمن خططها الستراتيجية في المواجهة أضعف كثيرا من هيبة أمريكا التي تراجعت كثيرا ولم تعد أمريكا (البعبع) الذي يرهب الدول ، بعد إن إتخذ رؤساؤها من سياسات (التراجع) و(الانكفاء) عن المواجهة المباشرة وسيلة لاظهار قوة تلك الدول وقدرتها على الحاق الاذى بمصالح الولايات المتحدة في المنطقة وتمريغ أنفها في التراب، وهو ما شجع حتى دولا صغيرة لأن (تتحدى) الولايات المتحدة ورئيسها ترامب، وتعده بأنها ستلقنه الدرس المر ، مما يضطره في كثير من الاحيان للـ (التراجع) عن مواقفه، وشكلت (سلسلة التراجعات) خيبة أمل كبيرة لصانعي القرار الأمريكيين الذين يرون أن ترامب لم يعد يضع أي إعتبار لهم ، ولم يشركهم في صنع الكثير من القرارات الستراتيجية المهمة ، واضطرار مسؤولين رفيعي المستوى ومنهم وزير الدفاع الامريكي وماكغورك الممثل الخاص للرئيس الامريكي وآخرين لتقديم استقالاتهم، احتجاجا على تخبط قرارات ترامب، وهو ما شكل (إنتكاسة كبرى) في رسم الاستراتيجيات الأمريكية وعرض سمعة أمريكا للكثير من المخاطر والتحديات التي لاتليق بدولة كبرى تستعرض نفسها أمام العالم على أنها القوة الوحيدة التي لاينازعها أحد على تلك المكانة!!